الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أموال جامعة القاهرة بين «الخشت» و«نصار»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل نهاية أغسطس الماضى، خرج علينا الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، ليعلن أنه تسلم الجامعة بعجز مالى حوالى 500 مليون جنيه، وأنه فور توليه المسئولية شكّل لجنة لمراجعة الحسابات المالية للجامعة فى البنوك لمعرفة الموقف المالى، ومن بين أعضائها وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات، بهدف التأكد من دقة الحسابات والعمل.
«الخشت» الذى ترأس جامعة القاهرة مطلع أغسطس عام 2017، قال فى مؤتمر صحفى خصصه لتقديم كشف حساب عن عام منذ توليه المسئولية، إن اللجنة وجدت أن حساب الجامعة به نحو 1.3 مليار جنيه، مع وجود التزامات بنحو 1.8 مليار جنيه، منبهًا إلى أن هذه الأرقام ليست لها علاقة بأشخاص، وإنما هى واقع الجامعة عندما تسلم رئاستها، وعلى سبيل المثال، كان فى حساب مستشفى قصر العينى «الفرنساوى» 200 مليون جنيه، بينما الرواتب 240 مليون جنيه!
«الخشت» طرح خلال المؤتمر روشتة لإصلاح الخلل الذى ورثه، وقال: إنه اتخذ عدة تدابير بهدف مواجهة هذا العجز وزيادة الموارد المالية للجامعة، وعلى رأسها جدولة بعض المستحقات، خاصة مع وزارة الإنتاج الحربى، ووقف بعض المشروعات التى كانت بدون أهمية كبرى، مع زيادة عدد الوافدين، وزيادة الطلاب المصريين فى البرامج المميزة بلا سقف، عدا برامج الهندسة والطب والأسنان، والتى تمت زيادتها 25% فقط، كما تم الاهتمام بالمراكز ذات الطابع الخاص فى الهندسة والطب والليزر، ما أسهم فى رفع موارد الجامعة الذاتية، فضلًا عن الاهتمام بتحصيل الرسوم الدراسية ومصروفات المدن الجامعية.
ورغم أن الخشت لم يذكر صراحة اسم سلفه، الدكتور جابر جاد نصار، فإن الحضور فهموا ضمنا أن الرئيس الحالى يلمح إلى تسبب من سبقه فى عجز موازنة الجامعة، والتى أشار إليها فى حديثه، وذلك بسبب إنفاقه بعض الأموال فى «مشروعات لم تكن لها أهمية كبرى»، بحسب تعبيره.
التلقيح على السلف، وإهالة التراب على ما وصلوا إليه، آفة مصرية قديمة قدم الدولة التى تأسست قبل آلاف السنين، فلا يوجد مسئول يتولى منصبه إلا ويطعن فيمن سبقه، ويشكك فى أى إنجاز حققه، وتصل الأمور مع البعض إلى نسف كل ما تقدم على توليه المنصب ليبدأ من الصفر، حتى يقال إنه صاحب الإنجاز الأوحد والبناء الأول، وتلك للأسف هى أحد أسباب تخلفنا وتقهقر مؤسساتنا، لا سيما التعليمية منها، والتى تخرج عادة من التصنيفات الدولية منذ عقود.
بنفس طريقة الخشت وبذات اللهجة تقريبا، تحدث الدكتور جابر جاد نصار، بعد تسلمه مهام عمله بشهور، قائلًا: «تسلمت رئاسة الجامعة فى 1 أغسطس 2013، وحينها لم يكن فى الجامعة أى أموال أو فائض، أما الآن ففائض جامعة القاهرة وصل إلى 200 مليون جنيه من مواردها الذاتية».
ثم عاد بعد هذا التصريح بعامين تحديدًا فى سبتمبر 2016 ليعلن إنجازه فى مؤتمر صحفى، قائلًا: «عندما تسلمت الجامعة فى 1 أغسطس 2013 كانت مدانة بدين مباشر بأكثر من 150 مليونًا.. الجامعة أصبحت تمتلك حسابًا وفيرًا بالمال نتيجة الإصلاحات التى انتهجتها مؤخرًا». وأعلن نصار حينها أن حساب الجامعة بالبنك المركزى بالجنيه المصرى يبلغ 866 مليونًا و345 ألفًا و858 جنيهًا، وباليورو مليون يورو و448 ألفًا و345 يورو، وبالإسترلينى 13 مليونًا و296 ألف إسترلينى، وبالدولار 21 مليونًا و89 ألف دولار، و75 ألف ريال سعودى، مؤكدًا أن الجامعة أصبح لها حساب بالعملات الأجنبية.
وتابع نصار: إن «أصحاب الديون كانوا بيخبطوا على الباب علشان عايزين فلوسهم»، مستدركا: «لم نأخذ فلوس من أحد». وقبل رحيله بأيام أضاف نصار خلال لقائه بعدد من الصحفيين: «نقدم نموذجًا ونترك فيه السلطة فى جامعة القاهرة بملء إرادتنا ونترك جامعة ناجحة بكل المقاييس».
لم يتساءل أحد من زملائنا الذين يتابعون الملف عن أسباب العجز فى ميزانية الجامعة وديونها المعلنة من جانب الخشت ونصار، ولم يتحر أحد منهم عن المشروعات التى ليست لها أهمية والتى أهدرت فيها أموال الجامعة، كما أشار الخشت.. الزملاء معذورن فالجميع يعلم أن صحافة الاشتباك بـ«عافية» فى مصر منذ فترة ليست بقليلة، وأن أغلب الصحف درجت على نقل بيانات المصادر وكلام المسئولين دون تدقيقه أو تفنيده.
اللافت أن الخشت شكل فور توليه المسئولية لجنة لمراجعة حسابات وميزانية الجامعة، بحسب ما صرح، وضمت اللجنة فى عضويتها وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات وانتهت إلى وجود عجز نحو 500 مليون جنيه بين حساب الجامعة «1.3 مليار جنيه»، والالتزمات التى وصلت «1.8 مليار جنيه»، ومع ذلك لم يخرج بيان رسمى عن الجامعة يعرض ما وصلت إليه اللجنة، اللهم كلام الخشت فى مؤتمرات صحفية.
الغريب أيضا، أن مؤسساتنا الرقابية الموقرة، لم تلتفت إلى هذا العجز ولم تتبع أسبابه، على الأقل إلى الآن، حتى تكشف للرأى العام كيف وصلت ميزانية الجامعة إلى هذا العجز، رغم تأكيد تقارير «المالية» والجهاز المركزى للمحاسبات أن هناك 5 جامعات تمتلك أرصدة تقدر بنحو 22% من موازنة الدولة المرصودة للجامعات، ومنها جامعة القاهرة.
أخيرًا، هل العجز الذى أشار إليه الخشت فى ميزانية جامعة القاهرة، هو أحد أركان السنة المتبعة فى مصر منذ القدم بنسف إى إنجاز للمسئول السابق أم أنه عجز حقيقى؟ ولو أن ذلك كذلك، لماذا لم يخرج علينا هو أو اللجنة التى شكلها بتقرير مفصل لاستوضاح الأمر؟