داخل ممر ضيق لا يتجاوز عرضه المترين إلا قليلًا، في بعض الأحيان، حين تطأه قدماك عليك أن ترتدي نظارة شمسية، لتستطيع أن تمعن وتدقق النظر في المعروض، فالبريق الذي ينبعث منه يجعل الناظر إليه، يظن أن جدرانه صُنعت من اللؤلؤ والأحجار الكريمة.. إنه شارع "الصاغة" أحد أقدم وأعرق شوارع قاهرة المعز.
هنا.. محلات التحف والمجوهرات والمقتنيات الثمينة بمختلف أنواعها "ذهب - فضه - إكسسوارات".. وغيرها، تراصت أغلبها جنبًا إلى جنب، مشهد مبهج، فكثرة المعروض وتداخل الألوان، بالإضافة إلى الإبداع الفنى في التصنيع،يجعلك تقضي ساعات في التأمل لمعرفة كيف صنعت هذه التحف؟.
هممت بالرحيل بعدما قضيت أكثر من ساعتين في التجول داخل "ممر المجوهرات"؛ ولكن ظل السؤال الحائر عالقُ في ذهني، كيف تصنع هذه التحف؟ وكم يستغرق إنتاج قطعة واحدة من الوقت؟ وما مراحل تصنيعها؟، كان عليَ إيجاد إجابة عن هذه الأسئلة.
سألت بائعي التحف، عن ورش التصنيع، وإمكانية الوصول لها؛ لكن كانت الإجابات غير شافية، فجاءت أغلبها: "تشكيل الفضة والإكسسوارات يتم تصنيعها في ورش منطقة الجمالية.. ولسان حالي يقول: لماذا لا يصف لي عنوان أحد الورش صراحة؟.. أكيد: "تكاسل أو تكبير دماغ"، فالأمر عاديً وموقع هذه الورش ليس أسرار عسكرية.
"تكبير الدماغ" زادني؛ إصرارًا، على معرفة هذا العالم، تجولت بحثا عن الورش، حتى عثرت على شباب يحمل على ذراعية مشغولات، وملابسه تدل على أنه أحد أفراد هذه الورش، تتبعته حتى وضع بضاعته عند أحد المحلات، وخلال عودته سألته عن مقر الورشة لمعرفة هذا العالم الجميل الذي يغمره الفن والإبداع.
داخل غرفة صغيرة في الطابق الثاني، بأحد العمارات الواقعة داخل أحد أزقة منطقة الحسين، صعدنا سويًا لأكتشف مراحل تصنيع هذه التحف بعد أن عكف عليها فنانون عباقرة لإخراج هذه الأشكال الجذابة.
يقول "عم طارق"، والذي يعمل بورشة "كايروا ديزين": إن الفضة الخام تأتي عيار 1000، ويتم ترحيلها حسب الطلب، بداية من "925 و900 و800"، وذلك حسب تقرير مصلحة الدمغة والموازين، بعد عرضها.
ويضيف لـ "البوابة نيوز"، أن مرحلة التصنيع تبدأ من تصميم الشكل الذي يتم رسمه سواء يدوي أو "كمبيوتر"، ليخرج الشكل المراد تنفيذه على "كاوتش اسطمبة"، تملأ بالشمع لتأخذ شكل الرسمة المراد تنفيذها.
وتابع، عن الانتهاء من تشكيل الشمع، يغمر الشمع بالجبس ليأخذ نفس الشكل، وبعد صلابته يتم صب الفضة السائلة داخل "اسطمبة الجبس" بعد تفريغ الهواء، تمهيدًا لدخوله الفرن الحراري.
ويستطرد "طارق"، بعد خروج الشكل المراد تصنيعه من الفرن الحراري يترك حتى البرودة، ثم تتم عملية التلميع والترصيع بالأحجار والفصوص، تمهيدًا لعرضه للبيع.
