في مثل هذا اليوم تولى الخليفة العباسي هارون الرشيد مقاليد الخلافة العباسية بعد خلافة أخيه موسى الهادي، كان ذلك في العام 170هـ، ويعتبر الرشيد من أشهر خلفاء الدولة العباسية، وقد ورد ذكره في المصادر التاريخية والعربية كثيرا، ففي التأريخ لعهد الإمبراطور شارلمان ذكرته المصادر باسم "ارون"، والحوليات اليابانية والصينية التي ذكرته باسم "الون"، أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام، وقد ساعد ذلك السيل من الروايات التاريخية على مزج الحقيقي بالمتخيل لتاريخ الرشيد.
اتصف تاريخيا بالعدل والرحمة بالناس، وكان متدينا يحج عاما ويغزو عاما، وقيل أنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ، وفي عهده تم فتح الكثير من البلدان، واتسعت رقعة دولته، واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير.
ومن بين كل الخلفاء العرب والمسلمين لم يحظ واحد بما ناله الرشيد من ذكر في حكايات "ألف ليلة وليلة" أو "الليالي العربية" كما هي معروفة في الغرب، ويعتقد البعض أن ذلك قد أضر بصورته كرجل حكيم ولا تليق به مثل تلك الحكايات.
لكنها، على كل حال، تصوره كخليفة طبيعي متكامل يمارس سلطانه ويعتريه ما يعتري البشر من ملل وضيق وحزن وانكسار وحب للهو في بعض الساعات، فخلدت سيرته وجعلت من تاريخه أسطورة جذابة، وبابا لقراء الغرب إلى مطالعة الحياة العربية والقرب منها في صورتها المتخيلة والتي رسمها الأدب والشعر وفن المقامات وسرد الليالي العربية.
وتبقى الليالي، على كل حال، حكايات متخيلة تقارب الواقع وتتماس معه لكنها تظل بعيدة عن المصدر التاريخي الذي يعتمد البحث والدراسة والتحقيق.
وتأتي شخصية هارون الرشيد كبطل من أبطال القصص ومعه وزيره جعفر البرمكي الذي يمثل الحكمة والمشورة، ومسرور السياف الذي يمثل صورة العقاب والقصاص من القتلة والمجرمين والخارجين عن القانون، وعندما يشعر الخليفة بالقلق والملل فيأتيه الوزير بالمهرجين والحكائين والشعراء الذين يحاولون تسلية الخليفة، ومن بين هؤلاء نجد الأصمعي الراوية، وأبا نواس الشاعر، وإسحاق الموصلي العازف والموسيقي الكبير.
ويفضل الرشيد أن يطوف ليلا متنكرا مع وزيره في شوارع مدينة بغداد العامرة والمختلطة بجميع الجنسيات نظرا لكونها مركز الدولة العباسية، فيشاهد الصياد المسكين الذين يخرج صندوقا عجيبا من النهر، فيشتريه منه الخليفة بثمن كبير لكنه عندما يفتحه يجد فيه صبية مقتولة ومقطعة، فينزعج ويتساءل عن المجرم الذي يجرؤ على القتل وهو يحكم البلاد؟!
وعند متابعة قصص الرشيد في حكايات ألف ليلة وليلة نجده الخليفة المترف، وأيضا العالم الكبير، الذي يحث الشعراء على التباري، ويكره الظلم ويستمع للغناء والشعر، فيطرب له، ويقع في غرام أجمل الحسناوات، وفي نهاية الحكايات يأمر كاتبه أن يدون تلك الأمور لأنها تستحق أن تدون بماء الذهب.
