الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

في ذكراها الـ62.. ننشر كواليس مؤامرة انسحاب المرشدين الأجانب من قناة السويس

القبطان هلال يحى
القبطان هلال يحى مراقب ملاحة و كبير مرشدين هيئه قناة السويس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم ينته قرار تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية بخطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1956 عندما أطلق كلمه السر "دليسبس" كإشارة لبدء تنفيذ خطة تأميم القناة التي شارك فيها الضباط الأحرار إلا أن قرار التأميم كان له تداعيات اخرى من بينها مؤامرة انسحاب المرشدين الأجانب من قناة السويس بهدف تعطيل العمل بالمجرى الملاحي وحول تفاصيل هذه المؤامرة أسرار وخبايا مؤامرة انسحاب المرشدين الأجانب من قناة السويس.

بدأت مؤامرة الانسحاب عندما قام الفرنسي "بول ريموند" مدير إدارة الملاحة بقناة السويس بمقابلة المهندس محمود يونس، رئيس هيئة قناة السويس، نيابة عن موظفي القناة، ومرشديها الفرنسيين وقال له إنه قرر هو وزملاؤه من المرشدين والموظفين الاجانب، البالغ عددهم 206 من المرشدين و154 موظفا، أن يتركوا اعمالهم في القناة لعدم استطاعتهم التعاون معه بحجة عدم رضائهم عن معاملته لهم، وخلال اللقاء المح ريموند الى ان تعليمات صدرت لهم من باريس بالانسحاب، وان الشركة المنحلة ضمنت لهم رواتبهم واعلنت عن مكافأه لمن يترك العمل بقناة السويس، وفي الليلة التالية ترك المرشدون الفرنسيون أعمالهم وجلسوا في النوادي المطلة على قناة السويس بصحبة مراسلي الصحف الاجنبية ليسجلوا الحدث المتوقع بتوقف الملاحة بالقناة.
عندما تأكد محمود يونس أول رئيس لهيئة قناة السويس من مؤامرة الانسحاب قال "مع السلامة ونحن مستعدون لتقديم اي تسهيلات لخروجكم فورا" أما عبد الناصر علق "اعطيت تعليماتي بتيسير حصولهم على تأشيرات الخروج وان تعزف الفرقة الموسيقية لهم عن الرحيل نشيد "حفظ الله الملكة ـ المارسيليز"

من جانبه يقول القبطان هلال يحيى، مراقب ملاحة وكبير مرشدين هيئة قناة السويس، أن شقيق والده القبطان فهمي ياسين الذي كان ضمن اول 5 مرشدين مصريين يعملون بقناة السويس، وهو ايضا من تولى تدريب المرشدين المصريين الذي جاءوا بعد قرار التأميم لمواجهة مؤامرة انسحاب المرشدين الأجانب.
وأوضح انه التحق بالعمل في هيئة قناة السويس عام 1988 حيث ولدت لديه صورة إيجابيه عن العمل بالقناة، وقباطنة هيئة قناة السويس من خلال شقيق والده القبطان فهمي ياسين، وكان يرى أن معظم من يلتحق في البحرية يتمنى العمل بهيئة قناة السويس، القبطان بهيئة قناة السويس هو الأفضل كفاءه على مستوى العالم خاصة، أن المرشد يتعرض خلال عمله إلى نوعيه من الصعوبات إحداها يتعلق بالمواقف الطارئة التي تحدث اثناء العمل دون سابق انذار كحدوث اعطال في السفن نتيجه لخطأ في التوجيه او لحدوث عطل في المكاينات او لتوقف المولدات التي ينتج عنها توقف لجميع الاجهزة التي تعمل بالكهرباء والذي تصبح معه السفينه مجرد كتله حديديه في الماء واستطرد كبير المرشدين حديث قائلا ان عمل المرشد لايخلو من الضغط العصبي والتوتر الا ان هذا الامر لاينبغي ان ينعكس على عمله ولا ينتقل الى قبطان السفينة والعاملين بها اما العوائق الاخرى تتعلق باعوامل الجوية المتقلبه مثل انعدام الرؤية نتيجة الشبورة او حدوث عاصفة ترابية ومثل هذه التغيرات، وان عاقت عمل المرشد فهي لاتوقف حركة الملاحة.
ويؤكد انه علم من شقيق والده انه خلال انسحاب المرشدين كان القابطنه المصريين يعملون طوال 24 ساعه، وكل مرشد يتولى ارشاد سفينة خلال عبورها المجرى الملاحي كاملا حيث كان من المتعارف أن للسفينة الواحدة 4 مرشدين لكن بعد حدوث أزمة الانسحاب المفاجئ قررت الادارة المصرية للقناة ضغط الأعمال للمرور بسلام من هذه الأزمة.

واشار القبطان هلال الى أن الفضل في نجاح الملاحة خلال هذه الفترة هو وطنية وإيمان المرشدين المصريين ومن عاونهم في ذلك الوقت من المرشدين اليونانين الذين فضلوا البقاء في الهيئة ولم تستهويهم الاغراءات والوعود التي قدمت لهم من الشركة المؤممة.
واضاف كبير المرشدين، ان مؤامرة الانسحاب تحولت الى ملحمة بطولية بسبب دقة القراءة المسبقة للاجداث ولاستعداد التام للتصدي لها حيث توقعت مصر منذ بدايه التأميم اتخاذ فرنسا وانجلترا هذه الخطوة، وقامت بالتخطيط لمواجهة هذه المؤامرة لإلحاق 68 مرشدا مصريا تم تدريبهم بواسطه المرشدين القدامى وتحولت المؤامرة الى انجاز حقيقي مؤرخ في سجل البطولات المصرية، وعلى الرغم من محاولة عدد من الدول الأجنبية وعلى رأسهم فرنسا وانجلترا احراج مصر دوليا، بزيادة عدد السفن العابره للمجرى الملاحي لكن براعه وتصميم المرشدين المصريين واليونانين افسدت المؤامرة وحولتها الى نصر تاريخي.
وكشف القبطان هلال، ان مؤامرة خسيسة أخرى تشبه مؤامرة الإنسحاب كادت أن تحاك ضد قناة السويس ومرشديها اثناء احداث 25 يناير 2011 حيث تلقى المرشدين العاملين بقناة السويس تهديدات واسعة لمنعهم من العمل، وكان هناك تعمد من اندلاع المظاهرات والتجمهر يوميا عند مارينا بورسعيد ومارينا السويس محطة انطلاق المرشدين لصعودهم على السفن محاولة لمنعم من اداء عملهم وحدث التعرض لبعض المرشدين واصابتهم لترويعهم من استمرار عملهم، وكان يتم تهريب المرشدين من طرق سرية ليصلوا بامان الى السفن وارشادها اثناء عبور القناة، وهذا مايؤكد وطنيه مرشدي هيئة قناة السويس واصرارهم على استمرار الملاحه في قناة السويس جعلتهم العبور من هذه الازمة وسط الأحداث الساخنة كان المرشدين يقضون ليلتهم على السفن لضمان عدم منعهم من صعودها صباحا، واتمام عملية الارشاد وبالفعل حققت قناة السويس خلال هذا العام اعلى ايراد بلغ 4.7 مليار دولار، ولم تغلق قناة السويس امام الملاحة لحظة واحده فكان جميع على قدر المسئوليه ولم يتأخر احد عن أداء عمله ولن يتراخى أبدا رغم كل ماوقع من أحداث مؤسفه في هذا التوقيت.

وأكد المهندس محمد عزت عادل، رئيس هيئة قناة السويس الأسبق، والضلع الثالث في تنفيذ خطة تأميم القناة انه منذ الأيام الأولى للتأميم بدأنا نلاحظ ان الاجانب يخططون لمؤامره، وكان هذا ما اكدته المخابرات المصرية فمن كان في اجازة لم يعد ومن لدية ممتلكات عرضها للبيع، بمعنى أنهم كانوا يصفون اعمالهم بمصر استعدادا للرحيل واتضح فيما بعد ان الشركة المؤممة، وجهت تهديدات قاسية لجميع العاملين الاجانب في قناة السويس، لينسحبوا في وقت واحد وبشكل مفاجئ لسقوط العمل داخل هيئة قناة السويس، وتعطيل المجرى الملاحي، اعتقادا منهم ان المصريين غير قادرين على الادارة وبالفعل في ليلة 14-15 سبتمبر، انسحب الجميع ما عدا اليونانيين، وذلك لحبهم لمصر، ونحن ندين لهم بالفضل على وقوفهم لجانبنا، ونظل نتذكر اسمائهم حتى الحظة، وهم القباطنه يامودس، ويناكوداكس، ودرشندس، واصليندس، ولم يعد من المرشدين الأجانب أحد مرة اخرى، وتم استبدالهم بجنسيات اخرى من الروس والأمريكان والألمان وهولنديين ونرويجين الى جانب مساندة القوات البحرية المصرية والاسطول التجاري المصري.
واضاف رئيس هيئة قناة السويس الأسبق أن ما زاد الأمر سوءًا في مواجهة مؤامرة الإنسحاب هو نزول شبورة على المجرى الملاحي ولم يكن امامنا سوى خيارين الانتظار حتى تتحسن الاحوال الجوية او دخول القوافل في مواعيدها وخوض التجربة مهما كانت النتائج لكن الصحف الاجنبية ارسلت مراسليها لتسجيل فشل المصريين في تشغيل قناة السويس ولذلك قررنا تحمل المخاطرة وبفضل الله عبرت قافلتي الشمال والجنوب قناة السويس بسلام.
واشار عزت عادل، انه من المحاولات البائسة ايضا ان شركات الملاحة فاجئتنا بارسال 45 سفينه دفعه واحدة بدلا من 35 سفينه حتى يحدث ارتباك وتكدس شديد في المجرى الملاحي بل وأرسلوا بعض السفن التي لم تدفع الرسوم لافتعال المشاكل حيث كان نظام العبور سداد رسوم السفن قبل عبورها لكن لمواجهه الازمة قررت ادارة قناة السويس عبور السفن بدون رسوم بشرط دفع الرسوم مرتين في المرة اللاحقة او يتم حجز السفينة.
لافتا الى انه يتذكر جيدا اصعب لحظات العمل في هذه الفترة حيث كان يسير بجوار السفن العابرة لقناة السويس بريا ذهابا وعودة من بورسعيد للسويس للاطمئنان على العمل وتشجيع المرشدين على استكمال مهامهم باتصال دائم بغرفه مراقبه الملاحة استمرت أزمة الانسحاب 30 يوم لكن كان اصعبهم اول 15 يوم وكل يوم كان الوضع يتحسن قليلا حتى إن وصل إلينا مرشدين اخرين، وأرسلت لنا القوات البحرية قادة وعاملين ساعدونا كثيرا في هذه الفترة، ولن انسى الدور البطولي الذي قام به المرشدين اليونانيين، وكان عددهم 7 في ذلك الوقت لم يتخلوا عن قناة السويس لحظة بل قاموا بتعليم المصريين على شئون الملاحة وكافة التفاصيل الفنية التي تساعدهم في إرشاد السفن.

ويقول المهندس يحيى الصدر، نجل اول مرشد مصري، في قناة السويس، القبطان زكريا الصدر، ان الادارة المصرية لقناة السويس، واجهت سلسلة من المؤامرات التي حاكتها انجلترا وفرنسا منذ اعلان قرار التأميم، وكانت اولى حلقات هذه المؤامره الانسحاب الجماعي للمرشدين الاجانب في ليله 14-15 سبتمبر كمحاوله لاثبات عدم قدرة المصريين على ادارة هذا المجرى الملاحي العالمي، وأضاف ان الادارة الأجنبية كانت تعتقد ان نجاح العمل في قناة السويس يرجع الى موظفيها الاجانب، وان المصريين غير قادرين على الادارة لذلك لجأت الى سحب المشردين الاجانب دفعه واحدة بشكل مفاجئ لعرقله العمل بقناة السويس وتوقف الملاحة، وهو مايشكل تعطيلا لاتفاقية القسطنطينية، وبذلك لن يكون امام القوات الفرنسية والبريطانية سوى فرض سيطرتها على المجرى الملاحي واللجوء إلى التدخل المسلح بحجة إعادة الملاحة العالمية إلى القناة.
مؤكدا أن الإدارة الأجنبية لقناة السويس كانت ترفض تمامًا عمل المصريين في المناصب العليا وجاء تعين اول مجموعه مرشدين مصريين في قناة السويس بضغط من الحكومة المصريه قبل ثور 23 يوليو وكان اول من تعين بالوظائف الادارين مجموعه من مصر والشام، ولتعين والدي تدخل الملك فاروق شخصيا للضغط عليهم وكانت حجتهم ان السفن العابره لقناة السويس اكبر حجما من السفن الحربية، وتحتاج الى مهارات عاليه لكن الملك فاروق اقنعهم بالحاق والدري بالعمل وبالفعل ثبت نجاحه، وهو من اعتمد عليه في تدريب باقي المصريين عقب التأميم وانسحاب الاجانب وكان عدد المرشدين المصريين بلغ 40 مرشد مصري عام 1956.
وأشار يحى الصدر، الى ن الشركة الفرنسية طالبت بعدم عودة المرشدين الموجودين بالإجازة إلى عملهم حيث بلغ عدد المرشدين المتغيبين 59 مرشدا في يوم 26 اغسطس وفي منتصف ليله 14-15 سبتمبر انسحب جميع المرشدين والموظفين والعمال الاجانب، ماعدا اليونانين فلم يبقى في مبنى الارشاد الا 52 مرشدا من اصل 207 مرشدا، وانسحب مع المرشدين 326 موظفا فنيا واداريا من اصل 805.
مؤكدا الى أن الادارة المصرية كانت على اتم استعداد للتصدي لهذه المؤامرة، وتم الاستعانة بعناصر جديدة من البحرية المصرية، وعدد من المرشدين الجدد حيث بلغ عدد المرشدين منذ التأميم وحتى ساعه الانسحاب في 14 سبتمبر 68 مرشدا منهم 53 مصريا، و6 يونانيين، و9 من جنسيات مختلفة حصلوا جميعا على تدريبات مكثفه مكنتهم بالعزيمة والاصرار من المشاركة مع المرشدين القادامى في التصدي للانسحاب الجماعي، وبالفعل استطاع المصريين العبور من هذه الازمة رغم محاولات الغرب بارسال اعداد كبيرة من السفن لعبور القناة دفعه واحدة حتى يظهروا عدم قدرة المصريين على ادارة القناة، ووقف الرئيس جمال عبد الناصر يوم 15 سبتمبر يخطب بمناسبة الإحتفال بتخريج دفعة جديدة من ضباط الطيران مشيدا برجال قناة السويس من المرشدين، ورجال التحركات وجميع العاملين قائلا اليوم باسم الشعب، وباسم كل فرد من ابناء مصر اهدي هؤلاء الرجال وسام الاستحقاق المصري من الشعب المصري.

كان من الواضح ان محمود يونس رئيس هيئة قناة السويس الاسبق قد استعد لهذا اليوم جيدا وكان البديل جاهزا ففي يوم 10 سبتمبر 1956 تم تعيين 46 مرشدا منهم 28 اجنبيا من جنسيات مختلفه أغلبهم كانوا يونانيين وقبارصة ويوغوسلاف وكانت التعليمات الصادرة من الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر واضحة بعد التأميم وهو الاتصال بالدول الصديقه وطلب مساعدتها بايفاد مرشدين للعمل في القناة وقد سارعت هذه الدول بالفعل وفي مقدمتها اليونان وقبرص بايفاد الأعداد المطلوبة في أقل من 24 ساعة ولم تتعرض الملاحة في قناة السويس لأي تعطيل وأطلق على هذا اليوم المهندس محمود يونس "يوم الامتحان" ويحتفل به في كل عام بـ عيد المرشد، حيث يجتمع جميع مرشدي هيئه قناة السويس لتخليد هذه الذكرى.
والجدير بالذكر، تحتفل هيئة قناة السويس خلال شهر سبتمبر من كل عام، بذكرى انتصار الإرادة المصرية وعيد المرشد المصري، الذي شهد الانسحاب الجماعي للمرشدين والموظفين الأجانب، عقب قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتأميم القناة، بغرض إحراج مصر دوليًا وإظهار عدم قدرة الإدارة الجديدة على تسيير حركة الملاحة بالمجرى الملاحي بقناة السويس.