السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: مأساة امرأة كانت ملكة (١١-١٢)

الكاتب الصحفي محمود
الكاتب الصحفي محمود صلاح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نداء إلى جلالة الملكة: «عودى إنى أحبك»
الخدم يتجاهل أصيلة هانم بعد وصولها إلى قصر فاروق.. والملك يأمر بعدم استخدامهم لسياراته
أصيلة: ناريمان كانت أسعد فى يوم انفصالها مما كانت عليه يوم زفافها 
«ناريمان» تفكر فى الانتحار بعد سرقة فاروق لخطابات والدتها الملك: «وقعة والدتها سوداء» زوجة الملك ووالدتها تستخدمان شفرة للحديث عن فاروق فى خطاباتهما
فى هذه الحلقات يكتب الكاتب الصحفى محمود صلاح حكايات مهمة عن حياة الملكة ناريمان، ابنة حسين صادق ووالدتها أصيلة هانم، والتى جاءت بعدما أصيبت والدتها «بالإجهاض» تسع مرات، قبل أن تنجب المولودة ناريمان فى النهاية.
وأصبحت ناريمان فتاة جذابة، وبدت مثل وردة جميلة بين زميلاتها فى مدرسة الليسيه الفرنسية، وسرعان ما كان من الطبيعى أن يجذب هذا الجمال العرسان وراغبى الزواج، كما كانت هناك رغبة من والدتها بزواجها من الدكتور الشاب زكى هاشم، إلا أن اليوزباشى صلاح الشعراوى ابن اللواء الشعراوى قائد سلاح الطيران دخل على الخط.
إلا أن البحث عن خاتم مناسب لخطوبة ناريمان، كان هو الطريق الذى ساقها بالمصادفة للزواج من الملك فاروق لتكون آخر ملكات مصر.



ثار الملك فاروق وهاج وماج! عندما عثر على خطاب أرسلته «أصيلة هانم» أم الملكة ناريمان لابنتها. تتهمه فيه بأنه كذاب وغدار!
واستدعى فاروق سكرتيره أمين فهيم وأطلعه على رسالة «أصيلة هانم»، فوجدها تتحدث عن كريستيان ديور مصمم الأزياء العالمى!
وقال فاروق لسكرتيره أمين: يظهر إنت مافهمتش برضه.. بين ناريمان وأمها شفرة خاصة، وهى تسمينى كريستيان ديور!
ضحك سكرتير فاروق، وسأل فاروق: وهل أطلعت الملكة ناريمان على الخطاب؟
قال فاروق: لقد أصدرت أوامرى أن تجيء لى كل البوستة أولا. وفتحت رسالة «أصيلة هانم» بطريقة خاصة لأقرأها.. ووقعتها هى وبنتها سوداء!
سأله أمين فهيم: وهل تنوى أن تطلع الملكة على ما جاء فى الخطاب؟
قال له فاروق: لا.. إنما راح أطلع دينها، وهذا الخطاب فيما يبدو رد على خطاب أرسلته ناريمان، بعد أن استغفلتكم جميعا. وكتبت تقول لأمها إنى كذاب. فردت عليها أمها بما معناه «أنا آسفة جدا إنه ماطلعشى بنى آدم وانه كذاب فى وعده»!
وأمسك الملك فاروق بقلم أحمر!
وكتب فوق اسم كريستيان ديور فى الخطاب حرف «ف». أى أنه حل الشفرة وعرف أنه المقصود!
ثم طوى الخطاب ووضعه فى جيبه!
وانطلق نحو غرفة ناريمان.
وما إن دخل حتى سألها: هل أرسلت يا ناريمان خطابا إلى أمك؟
ردت ناريمان: لا
سألها: هل تعرفين رجلا اسمه كريستيان ديور؟
قالت ناريمان: أيوه طبعا.. ده مصمم الأزياء فى باريس.. ده رجل لطيف.
قال لها فاروق: لا.. هو رجل كذاب وموش بنى آدم!
سألته ناريمان باضطراب: ماذا تقصد؟
أخرج فاروق الرسالة من جيبه وأعطاها لناريمان. وقرأت ناريمان الخطاب دون أن تهتز يدها. وتظاهرت أنها لم تفهم ما هو المقصود بكريستيان ديور. وقالت إن بين أمها «أصيلة هانم» و«كريستيان ديور» خناقة متعلقة بفستانين. وأن الحراسة تطالب أمها بمبلغ سبق أن دفعته «لكرستيان ديور»
لكن فاروق لم يصدق ناريمان!
واستغل فرصة عدم وجود ناريمان ذات يوم فى القصر. وسرق خطاب أمها واحتفظ به!
وعندما اكتشفت ناريمان اختفاء الخطاب. استدعت خادمتها «فيوليت». وطلبت منها أن تذهب سرا إلى مكتب التليفون العمومى القريب. وتتصل بأمها «أصيلة هانم» فى القاهرة. وأن تبلغها أن ناريمان يائسة وتفكر فى الانتحار. وتطلب منها الحضور فورا لإنقاذ ابنتها!
وتطورت الأمور بسرعة..

فى اليوم التالى دق جرس التليفون فى قصر فاروق..
وكانت مكالمة من القاهرة تطلب ناريمان.
فأسرع فاروق يترك حجرتها.
وتخيلت ناريمان أنه يريد أن يسمع المحادثة العائلية بينها وبين أمها. لكن الحقيقة أن فاروق أسرع إلى مكتب سكرتيره. وطلب منه الإنصات إلى محادثة ناريمان مع أمها!
ونفذ أمين فهيم سكرتير فاروق الأمر!
لكن فاروق انتزع منه سماعة التليفون وبدأ يتنصت بنفسه!
وكانت الملكة ناريمان تشكو لأمها من سوء معاملة فاروق لها!
قالت إن حياتها أصبحت جهنما. وأنها تفضل الموت على هذه الحياة.
وقالت ناريمان لأمها: إلحقينى يا ماما.. قبل ما أموت!
وظل فاروق يستمع إلى الحديث ببرود..
وبعد إن انتهت المكالمة. سار فى الردهة ودخل على ناريمان. وقرصها فى خدها 
وقال لا: ازيك يا سكر!
ويقول أمين فهيم فى مذكراته: إنه شعر أن الملك فاروق يدبر أمرا لناريمان وأنه قرر التخلص منها. وفى اليوم التالى وصلت برقية من «أصيلة هانم» تقول إنها قادمة فى نفس اليوم بالطائرة. وحضرت بالفعل لكنها أصرت على عدم النزول ضيفة فى بيت فاروق. لكنه ظل يلح عليها حتى قبلت أخيرا!
ولم يرحب فاروق «بأصيلة هانم»..
ولم تذهب الأميرات فريال أو فادية أو فوزية ليقلن لها حمدا لله على السلامة!
ولا حتى مربية الأمير أحمد فؤاد!
حتى الخدم تجاهلوها!
وقضت «أصيلة هانم» عشرة أيام فى قصر فاروق لا تغادره. وذات مرة أرادت أن تصحب ناريمان معها فى نزهته. وعلم فاروق بذلك فأمر بخروج جميع السيارات. ونزلت ناريمان وأمها فلم تجدا سيارة واحدة!
واضطرت الاثنتان لاستدعاء تاكسى!
وشعرت «أصيلة هانم» بالإهانة.
فطلبت أن تتحدث مع فاروق فى موضوع ناريمان..
فرد عليها فاروق بأنه غير مستعد لأن يتحدث معها فى شأن ناريمان. لأن هذه المسائل من اختصاص السكرتير الخاص!
وهكذا ذهب أمين فهيم لتتحدث معه «أصيلة هانم»..
وكانت تجلس مع ناريمان والدموع فى عيونهما!
وقالت أصيلة هانم فى هدوء لسكرتير الملك: أرجو أن تبلغ جلالة الملك أننى قررت أن آخذ ابنتى فورا! إن الملك يعاملها أسوأ معاملة. وجعل مقامها أقل من الخادمات هنا. وقالت لى ابنتى إنه ضربها وكانت راح تموت وأحضرتم لها الدكتور. هذا غير عيشة الفساد اللى بيعيشها. ده عنده «جارسونيرة» فى روما. وبيهمل حقوق الزوجية. لقد جعل حياتها عذابا لا يحتمل. وهذا ما يجعلنى أتمسك بأن أأخذها معى. دى بنتى الوحيدة وليس لى غيرها. وأنا لم أبعث بها هنا للإهانة.
قال لها أمين فهيم: مولانا دائما حريص على مراضاة الملكة. غير صحيح ما سمعته من أنه يخونها أو يهمل شأنها. أنا حولت لها باسمها مائة ألف جنيه فى سويسرا. أما مسألة الضرب فإن ما يحدث بين الزوج وزوجته فى حياتهما الخاصة لا يعلم به أحد.
وهنا تدخلت ناريمان فى الحديث..
وقالت: خلاص.. لا بد أن أغادر هذا المنزل.. لن أبقى معه مهما فعل.. إننى لم أحقق سعادتى بهذا الزواج.
قال لها أمين فهيم: ولماذا تتعجلين الحكم على المستقبل.. إنه لم يمض على زواجك سوى سنتين. واذا كانت الظروف التى مرت بكما قاسية. فإن أسوأ ما يمكن أن يحدث قد حدث. ويجب ألا تنسى أنك سجلت اسمك فى التاريخ. بتضحيتك وملازمتك لزوجك فى المنفى. وهى تضحية كبيرة قدرها لك الناس فى إعجاب. ثم إن من المصلحة أن ينشأ ابنك فى أحضان والديه.. فاتركى التاريخ يحكم لك أو عليك!
وهنا شهقت «أصيلة هانم»..
وقالت: التاريخ؟ إيه التاريخ ده؟ ح نشربه؟ ح نأكله؟ ح ينقذ حياة البنت؟ ح يسعدها؟ شيل الله يا سى تاريخ!
بدموعها..
قالت ناريمان: أنا صبرت كتير.. ولن أغير رأيي.. اذهب وقل للملك إن هذا هو قرارى الأخير!
ترك أمين فهيم سكرتير فاروق ناريمان وأمها «أصيلة هانم». واتجه مسرعا إلى حجرة الأميرات بنات فاروق. وطلب منهن أن يذهبن لإقناع ناريمان بالبقاء.
لكن الأميرة فريال قالت له: هى تكرهنى وتغار منى. وفى حفلة عيد ميلادها شكت لى أن حفلة عيد ميلادى كانت أحسن.. خليها تروح فى داهية!
وكان واضحا أن موقف فريال. هو نفسه موقف الأميرتين فوزية وفادية!
ولم يجد أمين فهيم أمامه سوى اللجوء إلى المربية الفرنسية. وذهب يرجوها أن تقنع ناريمان. 
وقال لهما: اعملى من أجل البنات. فإننى أخشى فى حالة سفرها أن ينقلب القصر إلى كباريه!
لكن حتى هذ لم ينفع وأصرت ناريمان وأمها على السفر..
وبعد يومين ذهب أمين فهيم إلى فاروق ليبلغه بقرار ناريمان النهائى بالسفر.
فقال له فاروق وهو يشير إلى الباب: مع السلامة!
وصمت لحظة
ثم قال: لتأخذ السيارة إلى المطار.. لن يودعهما أحد!
بعد أن سافرت ناريمان فى نفس اليوم إلى سويسرا مع أمها. استدعى فاروق سكرتيره أمين فهيم. وأعطاه صندوقا قال إن فيه كل ما يخص ناريمان. وظن أمين فهيم أن الصندوق بداخله تاج ناريمان والمجوهرات التى طلبتها أمها. وطلب منه فاروق أن يفتح الصندوق.
وكانت المفاجأة أنه كان خاليا من تاج الملكة ومجوهراتها!
ووجد فيه فقط.. فردة حذاء حريمى!
فسأل الملك فى دهشة: ما هذا؟
قال فاروق: لقد نسيت الملكة فردة الحذاء القديم.. خذها وارسلها لها بالبريد الجوى!
ثم ضحك فاروق..
وقال ساخرا: مش بيقولوا راجع بخفى حنين.. تبقى ناريمان رجعت بخف واحد.. لازم نبعت لها الثانى!
وأصر الملك فاروق على أن يتم تغليف فردة الحذاء بالورق الشفاف وأن يختم الصندوق بالختم الملكى. وأن يلف بورق فضى أنيق. وأن يوضع حوله شريط أحمر. وأن يرسل الطرد باسم «حضرة صاحبة الجلالة الملكة ناريمان المعظمة»!
ولم تكن هناك سخرية وإهانة أبلغ من هذا الطرد الملكى!
فور أن ركبت ناريمان الطائرة متجهة بها إلى سويسرا..
انقلب الحال فى قصر فاروق فى إيطاليا..
بدأ فاروق وهو يضحك فى مرح ينزع صور ناريمان من على حوائط حجرتها. وحجرته وحجرة بناته الأميرات. حتى من حجرة طفلها أحمد فؤاد!
وكانت الأميرات فى غاية السعادة لرحيل ناريمان..
وقال لسكرتيره أمين فهيم الذى حاول الحديث معه بشأن الصلح مع ناريمان: الحمد لله.. خلصت.. فيه حد فى الدنيا يدخل جهنم برجليه بعد ما خرج منها؟!
قال له أمين فهيم: ممكن أتصل بها وأدعوها للعودة.
قال له فاروق: إذا عادت فسوف أطردها!
وفى نفس اليوم الذى سافرت فيه ناريمان وكان يوم ١٣ مارس ١٩٥٢. خرج فاروق ليسهر احتفالا بفراقها!
ودخل كباريه «البيجال» وفى يده حسناء إيطالية شقراء!
وعندما اكتشف مصورو الصحف وجوده فى النادى الليلى أسرعوا لالتقاط صورته مع الشقراء. لكن فاروق طلب منها أن تتوارى عن الأنظار. ثم نهض متجها إلى باب النادى الليلى.
وفى نفس اللحظة أسرع أحد حراسه الألبان إلى مصدر وكالة «الأسوشيتدبرس» وانتزع كاميرته وألقى بها على الأرض. وذهب فاروق إلى كباريه آخر. ظل ساهرا فيه حتى الفجر يرقص ويغنى ويضحك.
وقال لسكرتيره: هذه أول ليلة منذ عامين.. أشعر فيها بأننى رجل حر!
وتطورت الأحداث بسرعة..
كانت جريدة «أخبار اليوم» قد أجرت حديثا تليفونيا مع ناريمان أثناء وجودها فى سويسرا. وقالت ناريمان «لأخبار اليوم» إنها بالفعل انفصلت عن فاروق لأسباب شخصية. وإنها سعيدة بهذا القرار لأنها ستعود إلى مصر لتستريح. وهذا يتوقف على رأى السلطات المصرية فى هذا الشأن.
أما «أصيلة هانم» أم ناريمان فقد قالت «لأخبار اليوم» إن ناريمان فى يوم انفصالها أسعد مما كانت فى يوم زفافها!
وبعد نشر هذه التصريحات..



اتصل الصحفى الإنجليزى «نورمان برايس» بفاروق.. وقال له إن تصريحات ناريمان وأمها أحدثت أثرا سيئا لدى الرأى العام ضد فاروق. وإنه يجب أن يفعل شيئا لمواجهة موجة السخط الذى أحاطت به بعد هروب ناريمان منه!
واقترح الصحفى الإنجليزى على فاروق أن يكتب خطابا مفتوحا إلى ناريمان. ينشره فى الصحف العالمية. ويطلب فيه منها أن تعود!
وجلس الصحفى الإنجليزى ليكتب بنفسه رسالة الملك إلى ناريمان!
وكتب فيها: «آه يا ناريمان.. تمسكى بالشجاعة إذا كنت ترغبين فى العودة لى. عليك أن تتذكرى دائما أنى أحب طفلنا. وأنى سأحبك دائما لأن فى طفلنا جزءا من دمك وروحك. إن أمك هى السبب. إننى لم أسمع منك قبل الآن أنك تريدين الطلاق. إن انفصالك عنى وقع كالحلم المزعج. إننى لم أستطع أن أودعك. إن قلبى لم يطاوعنى أن أرى قطعة من روحى تنفصل عنى وتذهب بعيدا عنى. خانتنى شجاعتى أن أفتح عينى لأرى هذا المشهد الأليم. لقد قيل لى فى يوم من الأيام إننى لاعب بوكر ممتاز. ولكن لا أملك سيطرة تفوق الطاقة البشرية. لضبط مشاعرى أمام «الحماه» التى كانت تختطفك من عطفى وحبى. وتنتزعك من حياتى. إننى آثرت ألا ألتقى بها فى تلك اللحظة العصيبة. خشيت ألا أستطيع السيطرة على أعصابى. لم أذهب إلى المطار لأودعك. لكنى قلبى طار معك.آه يا ناريمان.. إننى أحببتك.. وأحبك.. وسوف أحبك ما بقيت فى الحياة!
والتوقيع.. فاروق!
وقرأ فاروق الرسالة فأعجبته..
وقال: نداء مؤثر صحيح.. بس تبقى مصيبة لو صدقت ناريمان هذا الكلام ورجعت تانى.. تبقى مصيبة صحيح!