الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

مشاركة الأقباط بالحياة العامة والسياسية فى عصر المماليك

المشاركة في الحياة
المشاركة في الحياة العامة والإنهيار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من وظيفة والد الأنبا «برسوم» العريان، والذي عمل والده الوجيه مفضل كاتب شجرة الدر فى العصر المملوكي، نستطيع أن نلقى الضوء على دور المسيحيين فى المناصب الحكومية ووضعهم فى الدولة فى ذلك الوقت. فنجد فى كتاب «المسيحيون بين الوطن والمقدس» للدكتور إكرام لمعى أستاذ مقارنة الأديان، يتحدث عن تلك الحقبة حينما استولى المماليك على حكم مصر (1250م - 1517م).
يقول: «استمرارا لسياسة الأيوبيين من عدة نواح، فقد واصلوا المقاومة ضد الصليبيين واحتفظوا بل وصانوا البنية الاجتماعية والنسيج الثقافى للمجتمع المصرى، فلقد عاش المسيحيون المصريون حياتهم ضمن الإطار العام للحياة المصرية، منقسمين إلى طائفتين «الملكانية» وهم أقلية الأقلية و«اليعاقبة» وهم الأغلبية بين المسيحيين المصريين، وعلى عكس اليهود الذين رفضوا أن يمارسوا الزراعة جنبا إلى جنب مع المسلمين والمسيحيين فى الريف.
وكان للحضور الاجتماعى للمسيحيين فى الريف بخصائصه المغروسة فى الأرض بعاداته وتقاليده وحيازة الأرض الزراعية تواجدًا قويًا ومؤثرًا فى المجتمع المصرى حينئذ، وتشير وثائق «دير سانت كاترين» بسيناء عن المصادر التاريخية الموازية أن المسيحيين المصريين انخرطوا فى كل مجالات العمل المتاحة فى مصر، بل اشتغلوا بكل الحرف والمهن وتميزوا فى التجارة والزراعة والعمل الإدارى، والصرافة.. ولقد كانت هذه الأمور تسير بطريقة طبيعية جدا، فالمسيحيون ليسوا غرباء أو أجانب وقد احتفظوا بمسيحيتهم، بينما اختارت الأغلبية الدين الإسلامى دينا لهم لسبب أو آخر، ولكن هؤلاء وأولئك بقوا -بالطبع- مصريين حتى النخاع.
وأشار المؤرخ المدقق «تقى الدين المقريزي» إلى أن كلمة القبط أو الأقباط كلمة من أصل فرعونى تشير إلى مصر أى تعنى المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين وأنه لا توجد ديانة اسمها «القبطية» أى ربط صفة القبطى بالدين خطأ علمى جسيم من ناحية، ويحمل مضمونا إقصائيا غير مريح لشريك الوطن المختلف فى الدين من ناحية أخرى، وقد شاركه هذا الفكر مؤرخون وعلماء معاصرون له ومن بعده».
«وقد امتلكوا العقارات على اختلاف أشكالها وأنواعها ومستوياتها وتعاملوا مع المصريين جميعا بغض النظر عن أديانهم، وفى جميع أنحاء البلاد فى البيع والشراء وتكوين الشركات والمصانع طبقا للقوانين، وتشارك المسيحيون والمسلمون فى كثير من أعمال التجارة والصناعة. وكان المصريون جميعا عدا اليهود يحتفلون بعدد كبير من الأعياد والمواسم المسيحية باعتبارها أعيادا مصرية.
وفى المجال الثقافى والعلمي، فقد تأكد الوجود الاجتماعى المسيحى فيه، فقد اشتهر عدد كبير من المسيحيين بالتأليف، ويلفت النظر أنهم كتبوا فى كل المجالات تقريبا، وقد وصلتنا معظم هذه الكتابات، وكانت أعمالهم تدور غالبا حول الموضوعات والاهتمامات ذات الطبيعة الدينية والكهنوتية أو تاريخ الكنيسة، لكن هناك أيضا من كتبوا فى التاريخ والشعر، نذكر منهم الصفى أبا الفضائل الأمجد بن العسال وإخوته، وكان من أشهر المؤرخين المسيحيين ابن العميد، الذى كتب التاريخ المعروف باسمه، والذى يعد من أهم المصادر التاريخية فى تاريخ مصر، وأيضا المؤرخ مفضل بن أبى الفضائل ليكون استمرارا لتاريخ بن العميد. وغيرهم الكثير.
ويقول «جاك تاجر» فى كتابه «أقباط ومسلمون» إن السلطان «آيبك» وهو أول من تولى الحكم فى دولة المماليك البحرية، أنه عين مسيحيًا اسمه «شرف الدين أبوسعيد هبة الله» وزيرًا ومنحه سلطات واسعة، غير أن هذا الوزير أسرع فى وضع ضرائب جديدة سماها «الحقوق السلطانية». 
وفى عام 1279م أقيل جميع المسيحيين الذين كانوا يعملون فى ديوان الحرب وحل محلهم المسلمون. إلا أن السلطان قلاوون وابنه الأشرف خليل أعادهم إلى وظائفهم بعد أن عزلهم منها.
وفى عام 1303م ألغى الملك محمد ابن قلاوون «عيد الشهيد» الذى كان يحتفل به المسيحيون فى الشوارع ويذكر السخاوى أنه فى عام 1452م لم يبق كنيسة واحدة لم يلحق بها ضرر.
ويفسر «يورجن نيلسون»، فى كتاب «المسيحية عبر تاريخها فى المشرق»، أن المشكلة لم تكن تتعلق بالمسيحية كديانة، لأن بعض الإداريين المسيحيين كانوا يتحولون إلى الإسلام بشكل منتظم، غير أن هذا التحول لم يكفل لهم أى ظروف فضلى ولا قبولًا فى صفوف العلماء أو فى الشارع، بل أن الأقباط الذين أصبحوا مسلمين، كانوا يسمون باسم خاص ألا وهو «المسالمة» وهو لفظ لا يُستعمل عادة من قبيل المدح.
فترة انهيار المسيحيين
وفِى رأي مكمل للرأى السابق، فلم تسر المعاملات على وتيرة واحدة، وطبقًا للمؤرخ العربى المقريزي؛ وصف ديڤيد جرافتون، فى دراسته «علاقة الدولة بالأقباط»، فترة المماليك تميزت «بانهيار المسيحيين»، فالمصرى العادى شعر بلهيب الحكم التعسفى العشوائي، وكان الأقباط على الخصوص موضع اضطهاد.
وتتسم الفترة المملوكية بتدمير الكنائس والعديد من أعمال الشغب والعنف المتقطِّع ضد الأقباط. ولم تشهد المجتمعات المسيحية فى دولة المماليك، على المستوى الرسمى تغييرًا يذكر فى أحوالها عقب نهاية الدولة الأيوبية، فقد بقى المسيحيون «أهل الكتاب» من حيث التعريف الفقهى الإسلامى و«أهل الذمة» من حيث الوضع القانونى. وكان للدولة همان أساسيان فرضتهما على البطاركة، كان عليهم أولًا حث مجتمعاتهم على المحافظة على الوضع القائم، فقد كان لكل من الدولة والكنيسة مصلحة مشتركة فى تثبيت التقاليد وقمع التجديد. 
كان المماليك يعرفون جيدًا الصلات الوثيقة التى تربط البطريرك القبطى بالكنيسة فى إثيوبيا، ومع أن هذه المنطقة لم تكن مهمة استراتيجيًا، فقد كان ثمة إحساس بأن الفتن قد تجد لها طريقًا من هناك.