الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص متى المسكين يكتب: "لا تضطرب قلوبكم"

القمص متى المسكين
القمص متى المسكين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بي" (إنجيل يوحنا 14: 1) قلبُ الإنسان يحمل كل كيانه الروحي والنفسي، والذي يقصده المسيح هنا ليس مجرد قلب الإنسان، بل كيانه الداخلي وحالة نفسه وروحه.
فإذا كان الإنسان قد تفاهم مع نفسه، وكان له هدف روحي يسعى إليه، يكون قلبه في حالة اطمئنان. وأعظم وأقوى هدف هو الإيمان بالله، بل ربما كان الله هو الهدف الروحي والوحيد الذي يعيش به الإنسان، على رجاء أن يكون له إيمان وثقة في الله. والمسيح حينما يقصد أن يكون الإيمان بالله مصدر راحة قلب الإنسان وسلام روحه، يكون الإيمان الذي يقصده ليس مجرد اعتراف بالله، بل حياة في ظلِّ عبادته بالروح والقلب.
ثم ينتقل المسيح من الإيمان بالله كأعلى وأصدق مصدر للاتكال عليه والحياة في ظل عبادته، إلى الإيمان بالمسيح نفسه. وهو يعرض نفسه كالمقابل المساوي والوحيد لله، وهذا في الحقيقة يمثِّل التساوي المطلق أو شرح المثيل بالمثيل، وعليك أن تختار أيهما لعبادتك. فإن اتخذتَ الله إلهًا تعبده بروحك، تكون اخترتَ المسيح، لا فرق، فالمسيح هو الكلمة: "والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو 1: 1). والمسيح هو الله الناطق بالكلمة، فكان لابد أن يكون هذا لكي يبلغ الله قلبَ الإنسان الناطق بالكلمة. 
فالكلمة "صار جسدًا" (يو 1: 14) ليحتوي الإنسان، إنما بَقِيَ هو الله. هذا هو المسيح، تجسَّد وهو يحتوي "ملء اللاهوت" (كو 2: 9)، فصار لا فرق إطلاقًا بين المسيح والله. فإن كان الله هو الآب، فالمسيح هو الابن، فالآب والابن واحدٌ في اللاهوت، لذلك قال المسيح هنا "أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بي" (يو 14: 1)، فلم يخرج المسيح هنا عن وحدانية الله في الآب والابن. فالإيمان بالله والإيمان بالمسيح واحدٌ، والانتقال من الله إلى المسيح انتقالٌ زمني. 
التلاميذ قبل أن يعرفوا المسيح كانوا يعبدون الله، فلما ظهر المسيح أصبحت عبادة الله هي عبادة المسيح، لأن المسيح هو "الله ظهر في الجسد" (1تي 3: 16)، فكان هذا الجسد يحمل ملء اللاهوت. وكان المسيح يُردِّد لتلاميذه أنَّ "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9)، وأنه هو والآب واحد (يو 10: 30) حتى ينجلي في ذهن التلاميذ معنى التجسُّد، وبالتالي يعرفون لماذا تجسَّد. ذلك كله لكي يتعرَّفوا على خلاصهم، فإن كانوا يعبدون الله، فعليهم الآن عبادته فاديًا ومخلِّصًا. 
فكانت دعوة المسيح لعبادته كالله بادرة لاهوتية أدركوها سريعًا، وكان نُطقْ بطرس بالإيمان المسيحي ردًّا على بادرة المسيح: نعلم أنك "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت16: 16) الآتي إلى العالم. وعلى هذا الإيمان الاستعلاني الذي وصفه المسيح أنه تلقين إلهي لبطرس، بدأ المسيح منهجه التعليمي القائم على الصليب والخلاص الفدائي. 
ووأضح هنا أن اعتراف بطرس بالإيمان بالمسيح، كان هو الرد التلقائي لدعوة المسيح للإيمان به كالله. وكان التدخُّل الذي كشفه المسيح أنه إعلانٌ من الآب لبطرس، بادرة من الآب غاية في الحَبْك في اختيار الوقت المناسب لفتح أذهان التلاميذ، مما شجَّع المسيح مباشرةً للإعلان عن آلامه القادمة وصورة الصليب والقيامة المجيدة. 
وتوزيع الأدوار بين المسيح والآب والتلاميذ يأتي هنا كجزءٍ حيٍّ في إنجيل ربنا يسوع المسيح، وإلقاء الضوء أمام القارئ ليتتبَّع! فلولا الاستعلان الذي ابتدأ به الآب لبطرس، لظل التلاميذ يتعثَّرون في متابعة المسيح. 
وإن كان التلاميذ قد ابتدأوا يتبعون الرب وأدركوا حقًا أنه المخلِّص المُرسَل من الآب، إلاَّ أن الكتبة والفرِّيسيين والناموسيين ظلُّوا خارج دائرة المسيح يناقشون ويعترضون ويحتجُّون وينصبون الفخاخ في أسئلة حرجة لعلَّهم يفوزون بكلمة تدين المسيح، ولكنهم كَلُّوا ووقفوا بعيدًا حتى تمَّ الخلاص بدونهم.