الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

يوحنا ذهبي الفم.. عمل بالمحاماة عامين وكتاباته أكملت معرفتنا عن أنطاكية

البطريرك ابراهيم
البطريرك ابراهيم اسحق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في العام 349 م، ولد القديس يوحنا الملقب بـ"ذهبي الفم"، في أنطاكية، وتلقى تربية رفيعة، ثم بدأ حياة النسك وسيم كاهنًا

كان لمواعظه أثر كبير في المؤمنين. انتخِبَ اسقفًا على القسطنطينية عام 397، فكان مثال الراعي الصالح لرعيته، وسعى في تقويم نهج حياة الإكليروس والمؤمنين. وتعرض يوحنا لغضب البلاط الملكي، فذهب إلى المنفى مرتين، وتحمل الشدائد، وتوفي في إقليم البنط، في آسيا الصغرى في 14 سبتمبر عام 407.

وتعلم يوحنا روح الحق على يدي أمه التقية منذ الطفولة. لكنها لم تكتفِ بهذا بل اجتهدت في تثقيف عقله بالعلوم والمعارف، فأودعته لدى ليبانيوس يتدرب على البلاغة والمنطق، ولدى أندروغاثيوس يدرس الفلسفة.

نبغ يوحنا نبوغًا فريدًا، وأعجب به كثيرون، فتنبأ الكل له بمستقبلٍ باهرٍ ومركزٍ سامٍ. وأحس هو بذلك فأراد إظهار قدراته ومواهبه بممارسته المحاماة نحو عامين. كان يرفع إلى القضاء دعاوى المظلومين والفقراء ببلاغة وفصاحة، حتى صار يوحنا محط آمال الكثيرين والكثيرات، يتوقعون له منصبًا قضائيًا في وقت قصير.

مضى إلى مدينة أثينا وتعلم الحكمة اليونانية في إحدى مدارسها وفاق كثيرين في العلم والفضيلة.

عاش يوحنا أربع سنوات في الدير يمارس حياة الشركة، لكن كتاباته الرهبانية التي سجلها لجذب أصدقائه نحو الدير أو لدفاعه عن الرهبنة والرهبان سحبت أنظار الناس إليه، فانفتحت قلايته لهم وأفقدوه فترات هدوئه. أما كتاباته لثيؤدور وستاجير فقد كشفت للكنيسة عن موهبته في الخدمة، والتهاب قلبه بخلاص الآخرين، وحكمته في رعايتهم

لم يجد بُدًا إلا أن يهرب إلى "الوحدة" يمارس حياة أكمل، وانطلق إلى الوحدة كما يقول بالاديوس 3 دفعات، في كل مرة قضى ثمانية شهور حارمًا نفسه من النوم بصفة تكاد تكون مستمرة، يدرس إنجيل المسيح بشغف. خلال هذين العامين لم يستلقِ نهارًا ولا ليلًا. فانهارت طاقته وأحس بعجزه عن الاستفادة من هذه الحياة وعاد إلى الكنيسة بأنطاكية

حوالي عام 381 م عاد يوحنا إلى أنطاكية، فتلقفه أسقفها ميليتوس بفرح عظيم، ورسمه شماسًا رغم معارضته. وسط الخدمات الطقسية والخدمات الاجتماعية الكنسية كان يوحنا يقتنص كل فرصة للدراسة والكتابة، فإن كان ليس من حقه كشماس أن يعظ انشغل بالكتابة في نوعين: كتب دفاعية وأخرى لها مسحة نسكية.

وبحسب كتاب "القديس يوحنا ذهبي الفم" للقمص تادرس يعقوب ملطي، فقال عنه إن كتابات يوحنا ذهبي الفم لم تقدم دراسات لاهوتية عميقة، لكنها تعتبر مثلًا حيًا للتطبيق العملي للإنجيل في الحياة العامة على المستوى الجماهيري والمستوى الشخصي. كشفت لنا أسلوب الحياة الذي يليق بالمسيحي كاهنا أو من الشعب أن يعيشه في حياته الخاصة وفي علاقاته مع الآخرين.

وجاءت أغلب كتاباته في شكل عظة تقدم لنا صورة حية للحياة في عاصمتي سوريا وبيزنطية من الناحية الكنسية والسياسية والاجتماعية والثقافية، كما قدمت لنا كنزًا يبحث فيه اللاهوتيون والمؤرخون وعلماء الآثار. يقول أحد دراسي التاريخ "أن أعمال ذهبي الفم قد أكملت معرفتنا عن أنطاكية في ذلك الحين".

تنقسم أهم الكتابات المنسوبة إليه إلى:

أولًا: عظاته.

ثانيًا: مقالاته.

ثالثًا: رسائله.

رابعًا: ليتورجيته.

خامسًا: الكتابات غير الأصلية.

ويقول القمص تادرس ملطي إن يوحنا ذهبي الفم ترك لنا تراثًا أدبيًا ضخمًا، ولعل شهرته الفائقة في الوعظ وتفسير كلمة الله، مع احتمال الآلام من أجل الحق، جعل شخصيته محبوبة ومكرمة في الكنيسة شرقًا وغربًا مما حفظ كتاباته من المصير الذي آلت إليه كتابات معاصريه من آباء مدرسة أنطاكية بسبب ما حملته أحيانًا من اتجاهات وميول نسطورية، في قليل أو أكثر.

وهو الأب الأنطاكي الوحيد من رجال الكنيسة في ذلك الحين الذي حفظت كتاباته بأكملها تقريبًا، بل وترجمت إلى لغات كثيرة لتقرأ أجزاء منها أثناء الليتورجيات، كما انشغل بعض الآباء الرهبان والشعب بنسخ كتاباته وعظاته بكونها تراثًا كنسيًا إنجيليًا له وزنه.