السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

عمران خان.. لاعب كريكت يقود قوة نووية تعاني اقتصاديًا.. خفض التضخم وتوفير مزيد من فرص العمل أبرز تحديات رئيس الوزراء الباكستاني الجديد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جاء فوز زعيم حركة «الإنصاف» الباكستانية عمران خان، بالانتخابات البرلمانية الأخيرة فى بلاده وتوليه رئاسة الوزراء، ليثير ردود أفعال مختلفة داخليا وخارجيا، لا سيما أنه حقق نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان الباكستانى، بعدما حصد 115 مقعدًا من أصل 272 هى جملة مقاعد البرلمان، محققا تقدما كبيرا على منافسيه الرئيسيين، وهما: حزب «الرابطة الإسلامية» جناح نواز شريف الذى حصد 64 مقعدًا، وحزب «الشعب» بقيادة بوتو زردارى الذى حصد 43 مقعدًا.

الفوز الذى حققته حركة «الإنصاف» لم يتح لها أغلبية كافية لتشكيل الحكومة بمفردها؛ حيث يحتاج تشكيل الحكومة إلى حصول الحزب أو الائتلاف الفائز على ١٣٧ مقعدًا، لذا قامت الحركة بالائتلاف مع ١٢ حزبًا صغيرًا لتشكيل الحكومة.

ويرجع مختصون فوز عمران خان لتأثر غالبية الشعب الباكستانى بالموجة الشعبوية التى تجتاح المزاج العام فى العالم، مشيرين إلى أن زعيم «الإنصاف» يعد مثالا لهؤلاء القادة الشعبويين، لاعتماده على خطاب ملتزم بالخطوط العامة التى يعتبرها الشعب من الثوابت.

فيما يرى آخرون رؤية مخالفة، مشددين على أن السبب الأساسى فى فوز عمران خان لا يرجع لذلك؛ حيث قادة الأحزاب والكتل السياسية المختلفة تستخدم ذات الخطاب الشعبوي، وهو ما يعنى أن ما يميز خان عن غيره كون الشعب أراد تبديل الوجوه القديمة بأخرى جديدة نتيجة فشل السياسات السابقة.


باكستان الجديدة

وتوقع خبراء أن يواجه رئيس الوزراء الجديد عمران خان بعد تشكيل الحكومة تحديات متعددة سواء داخليًا أو خارجيًا، وهى تحديات ظهرت إرهاصاتها فى الحملة الانتخابية، حينما طرح خان برنامجه الانتخابي، وأعلن من خلاله أنه يهدف إلى بناء باكستان جديدة، والقضاء على الفساد المستشرى فى البلاد، وتحقيق نهضة اقتصادية تبدأ من وضع حلول لمواجهة وضع العملة المتردية.

برنامج عمران الانتخابى أيضا أكد تمسكه بالمبادئ الإسلامية، وهو ما أعاد تأكيده مرة أخرى فى خطاب الفوز عقب الانتخابات، حيث قال: إن دولة «الرفاه» التى يحلم بها هى دولة المدينة التى أسسها رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وأنه يهدف إلى الإصلاح السياسى ومكافحة الفقر، معبرا عن عزمه فيما يختص بعلاقات باكستان الخارجية تقوية العلاقات مع الهند وكذلك الولايات المتحدة، واستعداده لفتح الحدود مع أفغانستان، مشددا على أن أمن باكستان يعتمد بالدرجة الأولى على أمن أفغانستان.

تلك الوعود التى أطلقها عمران خان، وعلى رأسها بناء باكستان جديدة دون فساد، وذات معدلات نمو مرتفعة تحتاج جهدا طائلا؛ حيث تشهد العملة الباكستانية حالة من التراجع المستمر، نتيجة قيام البنك المركزى بتخفيض قيمتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية التى تُعانيها البلاد، ورغم التوقعات أن معدل النمو الاقتصادى سيزداد إلى ٦٪ فى عام ٢٠١٨، وهو أكبر معدل منذ عقد من الزمان، فهناك استمرار لعجز الحساب الجاري، الذى دفع الحكومة إلى طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي، خاصة أن الولايات المتحدة جمدت مساعدتها المالية والعسكرية للبلاد.

وإضافة إلى مكافحة الفساد وخفض التضخم؛ فإن خلق مزيد من فرص العمل يعد من أهم التحديات التى تواجه عمران خان، خاصة أن شريحة كبيرة من الشباب مثلت ٤٤٪ من الناخبين قامت بانتخابه. أى أنهم عقدوا الآمال عليه من أجل إحداث التغيير المنشود، والتخلص من إرث الفشل فى السياسات الذى خلفته النظم السابقة، مما أوجد حالة يأس لدى قطاع عريض من المواطنين تجاه النخب السابقة؛ حيث كشفت وثائق بنما عن حيازة أسرة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف على أملاك وأموال لم يقم بالإفصاح عنها أمام لجنة الانتخابات، وهو ما عرضه للملاحقة القضائية التى انتهت بالحكم عليه لمدة ١٠ سنوات.


تحديات داخلية

لكل ما سبق؛ فإن عمران خان قام وفور وصوله إلى الحكم، بحملة منتظمة لحث المواطنين على الالتزام بدفع الضرائب، واتباع سياسة تقشفية بغرض مواجهة ارتفاع الديون المتراكمة على البلاد، وبدأ هو بنفسه حينما أعلن عزمه بيع أسطول السيارات التابعة لمجلس الوزراء، وقرر الإقامة فى منزل صغير مكون من ثلاث غرف نوم، ولم ينتقل إلى القصر المحدد لرئيس الحكومة، كما تخلى عن طاقم الخدم المكون من ٥٢٤ فردا واكتفى بـ ٢ منهم فقط.

ومع كل تلك الإجراءات التى اتخذها عمران خان؛ فإنه واجه حالة رفض من قبل بعض الأحزاب السياسية التى رفضت نتائج الانتخابات، وزعمت أن العملية الانتخابية شابها الكثير من التزوير، وعلى رأسها حزب «الرابطة الإسلامية» جناح نواز شريف، وحزب «الشعب»، وهو ما يُنذر بصراع سياسى سيظل يُمثل عقبة أمام حكومة خان، وذلك إذا أخذنا فى الاعتبار سيطرة حزب «الرابطة» على الحكومة والبرلمان المحليين فى إقليم البنجاب، وحزب «الشعب» على الحكومة المحلية فى إقليم السند.

إضافة إلى ذلك؛ فإن العلاقة مع الجيش تفرض على حكومة خان معضلة أخرى، فكثير من الآراء تذهب إلى اعتبار وصوله إلى الحكم إنما تم بدعم القوات المسلحة، لكى يكون أداة تستخدمه لضمان استمرار هيمنتها على السلطة. ومن ثم؛ فإن أية محاولة لتغيير السياسات الداخلية أو الخارجية بما لا يرضى المؤسسة العسكرية، سيضعه فى مواجهة معها، وهو ما سيفرض عليه تحديات أكبر، تتمثل فى قدرته على إحداث التوازن فى العلاقات المدنية العسكرية.


علاقة متوترة مع واشنطن

هناك تحديات أخرى تواجه السياسة الخارجية الباكستانية فى ظل حكم عمران خان، منها العلاقات المتوترة مع الهند، وتفعيل الشراكة الاقتصادية مع الصين، والرغبة فى التقارب مع الولايات المتحدة، التى دومًا ما تتهم باكستان بأنها أصبحت ملجأ للمتطرفين الذين يواجهون القوات الأمريكية والأفغانية فى أفغانستان، بل ويصل الاتهام إلى حد أنها تقوم بالتنسيق مع التنظيمات المتطرفة التى تقوم بعملياتها فى أفغانستان، وهو ما تنفيه الحكومة الباكستانية دائمًا، إلا أن ذلك لم يقنع الولايات المتحدة التى أعلنت تعليق المساعدات العسكرية لها فى يناير ٢٠١٨، بما حجب عنها مئات الملايين من الدولارات، وساهم فى مزيد من المعاناة للاقتصاد الباكستاني، وتتضح صعوبة هذا الملف بالنسبة لعمران خان، نظرًا لتصريحاته المستمرة المعادية لواشنطن، حيث وصف السياسات الأمريكية بـ«الوحشية» فى أعقاب سقوط ضحايا من المواطنين الباكستانيين جراء غارات قامت بها الطائرات الأمريكية على مواقع للمتطرفين فى باكستان.

وعلى النقيض من ذلك، ففى مقابل هذا التراجع فى العلاقات مع واشنطن، فهناك تنامٍ فى العلاقات مع الصين، والذى توج بمشروع الممر الاقتصادى الصينى الباكستاني، وهو عبارة عن استثمارات فى مجالات البنية التحتية والطاقة بنحو ٥٤ مليار دولار، مما يدعم التقارب بين البلدين. ويوفر للصين مساحة أكبر للتواصل مع بلدان آسيا الوسطى والخليج العربى وأفريقيا وأوروبا، وهو ما من شأنه أن يُثير القلاقل لواشنطن التى تخشى من ازدياد النفوذ الصينى فى المنطقة بما يؤثر فى حيوية مصالحها.


الصدام مع المؤسسة العسكرية

أما المشكلة الخارجية الأكبر لعمران خان فهى العلاقة مع الهند؛ حيث نشبت بين البلدين عدة حروب منذ انفصال باكستان عن الهند، بسبب النزاع حول إقليم كشمير، وقيام خان بأى مساعى للتقرب مع نيودلهى، ليس سهلا؛ لأنه سيفتح عليه أبواب الصدام مع المؤسسة العسكرية، وسيُوقعه فى ذات الخطأ الذى وقع فيه سلفه نواز شريف.

وعلى أية حال، يمكن لحكومة خان أن تستفيد من محاولات التقارب السابقة مع الهند، لإحراز مزيد من التقدم فى العلاقات بينهما، خاصة أن ذلك سيساعدها فى التغلب على أزمتها الحالية، إذا استفادت من الجارة التى تُحقق معدلات نمو أفضل حالًا.

وختامًا، يمكن اعتبار أن قدرة عمران خان على مواجهة التحديات سالفة الذكر، إنما تعتمد بدرجة أو بأخرى على مرونته فى إحداث توازن بين تلك الملفات، بحيث إن التقدم المُحرز فى أى منها لا يؤثر بالسلب فى الآخر، وبما يضمن أن تظل كروت اللعبة جميعها بيده، مع الأخذ فى الاعتباره أن الأمر ليس سهلا، وعلى سبيل المثال؛ فإن تقوية العلاقات مع الهند يرتبط بعدم فقدانه تأييد المؤسسة العسكرية داخليًا، وعلى التأثير فى العلاقات مع الصين؛ لأن دعم بكين لإسلام آباد جاء بالأساس لمواجهة واشنطن ونيودلهي؛ حيث تتنافس القوتان الإقليميتان «الصين والهند» على النفوذ فى المنطقة من جانب، وتتصارع بكين مع واشنطن على النفوذ فيها أيضًا من جانب آخر.