الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"مسلمو الروهينجا" بين الإبادة الجماعية والشجب والإدانة الدولية.. حكومة ميانمار ترفض تقرير الأمم المتحدة وتصفه بـ"مزاعم كاذبة".. التقرير يطالب بمحاكمة قادة عسكريين ويدعو لحظر بيع الأسلحة

مسلمو الروهينجا
مسلمو الروهينجا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رفض المتحدث باسم حكومة ميانمار «زاو هتاي» التقرير الذى أصدره محققون من الأمم المتحدة، والذى يطالب بمحاكمة كبار القادة العسكريين بتهمة الإبادة الجماعية، قائلًا: إن المجتمع الدولى ينشر «مزاعم كاذبة»، وهو ما يؤكد من جديد على استمرار معاناة مسلمى الروهينجا على خلفية أحداث استهدافهم من قبل قوات الجيش والميليشيات البوذية.

يأتى ذلك على خلفية إعلان الأمم المتحدة الصادر يوم ٢٧ أغسطس ٢٠١٨، وتعد هذه هى المرة الأولى التى تطالب فيها المنظمة الدولية صراحة بتوجيه اتهامات لمسئولين فى ميانمار بالإبادة الجماعية بسبب الحملة الوحشية على الروهينجا المسلمين العام الماضي، فيما صرح «هتاي»، بعد السماح بدخول ممثلى البعثة إلى ميانمار، وقال لسنا موافقين على كل القرارات التى اتخذها مجلس حقوق الإنسان».
استهداف ممنهج
توصلت بعثة الأمم المتحدة للتحقيق فى أحداث ميانمار فى تقريرها، إلى استنتاج حول ضرورة محاكمة كبار المسئولين العسكريين فى ميانمار بتهمة إبادة أقلية الروهينجا المسلمة فى ولاية «راخين»، كما أوصت دائرة المفوض الأممى السامى لحقوق الإنسان بـ «فرض عقوبات فردية، بما فيها حظر السفر وتجميد الحسابات، على الأشخاص الأكثر مسئولية عن الانتهاكات الجدية للقانون الدولي». كما طالب التقرير بضرورة فرض حظر بيع الأسلحة إلى ميانمار. 

وكانت الإدارة الأمريكية قد قالت، إن المسئولين الأمريكيين «فحصوا أدلة يعتد بها عن نشاط الميجر جنرال «ماونج ماونج»، بما فيها اتهامات ضد قوات الأمن البورمية بتنفيذ عمليات قتل خارج نطاق القانون وعنف جنسى واعتقالات تعسفية، وكذلك أعمال حرق واسعة النطاق فى القرى»، وقامت بفرض عقوبات على أحد قادة الجيش، بعد أن ربطت واشنطن بينه وبين انتهاكات بحق أقلية الروهينجا المسلمة؛ وأعلنت الإدارة الأمريكية فى ديسمبر الماضى، فرض عقوبات على «ماونج ماونج» الذى كان مسئولًا عن حملة على الروهينجا فى ولاية «راخين» الغربية وكاشين شان.
يذكر أن ميانمار رفضت السماح لمهمة تحقيق من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدخول البلاد، على غرار ما فعلت مع المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول ميانمار، «يانغى لي»، بل إنها أرسلت مبعوثة جديدة وهى «كريستين شرانر بورجينير» للتحقيق فى تلك الانتهاكات.

يأتى ذلك بعد أن أشارت الأمم المتحدة أيضًا إلى احتمال إعادة نحو ٧٠٠ ألف من مسلمى الروهينجا، الذين فروا من ولاية راخين غربى ميانمار إلى بنجلاديش، بعد حملة قمع تم شنها فى أغسطس ٢٠١٧، من قبل جيش ميانمار وميليشيات بوذية، ووصفتها الأمم المتحدة بأنها نموذج للتطهير العرقي. 
وأكدت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أن ما حدث ما هو إلا نموذج للتطهير العرقي، إلا أن حكومة ميانمار تنفى ذلك، قائلة، إن الجيش يتعامل مع تهديد يمثله المتشددون الروهينجا الذين هاجموا نقاطا للشرطة فى ولاية راخين بغرب البلاد، وعليه قامت ميانمار بعدم السماح لمحققى الأمم المتحدة بدخول البلاد، لذا فإنها لا توافق ولا تقبل أى قرارات من مجلس حقوق الإنسان.
فى حين طلبت ميانمار من بنجلاديش التوقف عن تقديم المساعدات لنحو ٦ آلاف من الروهينجا العالقين على الحدود بين البلدين، منذ حملة قمع عسكرى دامية قادها الجيش البورمى وأدّت إلى نزوح واسع للأقلية المسلمة العام الماضي، بحسب وزارة الخارجية البنجلاديشية.
واستمرت الانتهاكات التى تتعرض لها أقلية الروهينجا المسلمة فى ولاية راخين غربى ميانمار، وأدت إلى فرار مئات الآلاف منهم إلى بنجلاديش. وطلب مجلس الأمن الدولى من الحكومة البورمية التعاون مع خبراء من الأمم المتحدة للتحقيق فى الاتهامات بحصول فظائع استهدفت الأقلية التى حرمت من أبسط الحقوق المدنية وترفض حكومة ميانمار الاعتراف بها، وتتعرض ميانمار لضغوط دولية متزايدة. فقد فرضت الولايات المتحدة فى منتصف أغسطس الماضى عقوبات على أربعة قادة ووحدتين عسكريتين اتهمتهم جميعًا بالتورط فى التطهير العرقي.
مطالب مشروعة
نظم آلاف من اللاجئين من الأقلية المسلمة (الروهينجا)، فى ٢٥ أغسطس الماضى، مظاهرات للمطالبة بـالعدالة فى الذكرى الأولى لحملة التطهير العرقى التى تعرضوا لها من قبل جيش ميانمار والميليشيات البوذية، والتى أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ٧ آلاف شخص وأجبرت أكثر من ٧٠٠ ألف منهم الفرار من ولاية راخين فى أغسطس من العام الماضي، واللجوء عبر الحدود إلى بنجلاديش.
كما دعت هيئات دولية وحقوقية أوائل أغسطس الماضى، حكومة ميانمار إلى العمل على تسهيل عودة لاجئى الروهينجا إلى ديارهم بعد نحو عام من فرارهم إلى بنجلاديش نتيجة حملة التطهير العرقى التى تعرضوا لها. وقالت المفوضية السامية لشئون اللاجئين وبرنامج التنمية التابعان للأمم المتحدة فى بيان مشترك إنهما يحتاجان لحرية الحركة والدخول كاملة لولاية راخين، وما زالا ينتظران الإذن لتمركز طاقم دولى فى موانجدا وبعد طلبات تقدما بها يوم ١٤ يونيو الماضي.

ودعا البيان السلطات البورمية إلى ضمان حرية الحركة للجميع والتعامل مع السبب الأساسى لاندلاع الأزمة، وكان من المفترض أن يسمح الاتفاق للأمم المتحدة بمساعدة ميانمار على خلق ظروف على الأرض تساعد على العودة الآمنة والطوعية للروهينجا المحرومين من الجنسية، والذين يعيش كثير منهم حاليًا فى مخيمات فى جنوب شرقى بنجلاديش، ورفضوا حتى الآن العودة دون أى ضمان لأمنهم أو حقوقهم الأساسية كالجنسية، مطالبة السلطات فى ميانمار بوجوب تحقيق تقدم ملموس، تماشيًا مع مذكرة تفاهم تم التوقيع عليها مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى مايو الماضي.
على الجانب الآخر، دعت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، بنجلاديش إلى تحسين ظروف معيشة الروهينجا الذين تستقبلهم فى أكبر مخيم للاجئين فى العالم، والتخلى عن خطة نقل أعداد كبيرة منهم إلى جزيرة معرضة للفيضانات، فيما شددت على أهمية دعم الجهود التى تبدلها بنجلاديش لاستضافة اللاجئين، عبر زيادة المساهمات لتحسين ظروف معيشتهم فى جنوب البلاد، من خلال البنك الدولى الذى منح مساعدة قدرها نحو نصف مليار دولار لمساعدة بنجلاديش فيما يتعلق بمسلمى الروهينجا.
ودعا التقرير الحكومات المانحة والوكالات والمنظمات غير الحكومية إلى زيادة مساهماتها للمساعدة فى تحسين الظروف. وقالت إن نداء لجمع ١٣٦.٦ مليون دولار لبناء مراكز إيواء وشراء مواد غير غذائية لم يحصل على تجاوب سوى بنسبة ١٤ فى المائة منذ الشهر الماضي. وباتت قضية الاضطهاد والتعسف العرقى والدينى لمسلمى الروهينجا أحد أهم القضايا التى شغلت مائدة المفاوضات الدولية والضمير الإنسانى العالمي، لما كان لها من انعكاسات سلبية على مستقبل الأمن والسلم الدولى فى تلك المنطقة، والتى من شأنها تأجيج الصراعات العرقية والدينية من جديد بسبب غياب حقوق المواطنة والديمقراطية، والرغبة فى العيش المشترك.
ولعل الإجراءات الدولية الجديدة الصادرة من منظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ألقت الضوء من جديد على حجم المعاناة التى تعرضت لها أقلية الروهينجا المسلمة فى محاولة من جانب المجتمع الدولى للتصدى لتلك الممارسات غير الأخلاقية من جانب حكومة ميانمار تجاههم، والرجوع عن تلك الممارسات وتوفير مناخ ديمقراطى أكثر قدرة على استيعاب هذه المأساة، خاصة بعد إعلان زعيمة ميانمار «أونج سان سو كي» فى ٢١ أغسطس الماضى، أنه تم تخصيص مساحات لإعادة توطين الفارين إلى بنجلاديش والذين يعيشون فى مخيمات للاجئين.