الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجربتي مع الفكر الظلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت صديقة لى تصلى وتصوم، جميلة، تحب الرسم والغناء والحياة، فجأة ارتدت النقاب ومنعت نفسها من مشاهدة التليفزيون، وتزوجت سلفىّ تكاد لحيته أن تصل ركبتيه، وتغير حديثها واهتماماتها وأصبحت لا تتكلم إلا عن التبرج والثعبان الأقرع وعذاب النار، وبدأت فى نشر الفكر المتشدد عن طريق الصديقات، وكانت تهدينى كتبا دينية عن عذاب القبر ونساء أهل النار.. إلى آخره، من الكتب المنتشرة فى المساجد وتباع فى المكتبات، وظلت شهورا معى على هذا النهج لإقناعى بأفكارهم، وكنت وقتها لا أفقه فى الدين شيئا إلا ما يقوله شيوخ التليفزيون، وهم أيضا للأسف الشديد يقولون ما قرأته فى تلك الكتب، وتأثرت بشدة وشعرت أن جهنم تطاردنى كونى خلقت امرأة، وارتديت النقاب ولم أشاهد فى التليفزيون سوى الأخبار والبرامج الدينية، وهاجمت المفكرين مثل الدكتورة نوال السعداوي، والدكتور طه حسين، ونجيب محفوظ، وكثيرين من أهل الفكر، واعتقدت أن المفكرين (كفرة) يهاجمون الإسلام وكتبت كتابًا عنهم وسمّيته (سفراء الجحيم)، رغم أنى لم أقرأ لهم وقتها، بل (سمعت) فقط من الشيوخ، وللأسف منهم أزهريون، وأنا أعتذر عن كتابة هذا الكتاب (الملعون)؛ لأنه كان فى فترة تخبط فكري، وكانت هذه السلفية. تنصحنى بشدة بعدم التعامل مع (النصارى)، كما يسميهم السلفيون، ولا أذهب لطبيبة (نصرانية)، ودائما تسبهم وتلعنهم فكنت أنفر من هذا القول وأناقشها، وأقول لها أليسوا أهل كتاب ودين سماوى من عند الله؟ لماذا كل هذا الكره لهم، فهم طيبون ومتسامحون وشركاء الوطن والدم فى حرب سيناء، فتجيبني: «ولكنهم نصارى كفار، وديننا يفرض علينا أن نجاهد الكافرين أعداء الدين، وأقل جهاد (حاليًا) المقاطعة لهم».
تناقشنا كثيرا فى هذا الأمر، وأنا غاضبة منها، ومن شيوخها الذين يفتون بذلك، وظللت على هذه الحالة أكثر من سنة، حتى أصابنى الاكتئاب، فكنت أجلس ليلا أنظر إلى السماء وأناجى ربي، وأنا أبكى وأقول، يارب هذا الدين قتل وسبى وقهر للمرأة وكراهية للآخر، لم أرتح لتلك التعاليم يا الله، وأشعر أن هناك خطأ ما، أنا أؤمن بأن لهذا الكون إلها عظيما رحمانا رحيما عادلا، فكيف هذا الإله العظيم أن يرسل رسالة تقوم على القتل وإيذاء الآخر المخالف لنا، واستضعاف وضرب وإهانة المرأة، وفعل أشياء يرفضها العقل والمنطق والإنسانية، مثل إرضاع الكبير، ونكاح البهيمة والزوجة الميتة، وزواج الأب من ابنته من الزنى، وأن الملائكة تبات الليل تلعن فى المرأة التى يغضب منها زوجها، وأن تباع وتغتصب الزوجات والبنات تحت مسمى (جارية)، هذه أشياء ضد الإنسانية.
أسئلة كثيرة كادت أن تصل بى إلى الجنون، وكنت كل ليلة أتحدث إلى الله وأنا حائرة تائهة لا أعرف أين الحقيقة، وكنت أستمع لشيخ دائما تَعرض أحاديثه القنوات المصرية منذ زمن، وهو يفتى بقتل تارك الصلاة وتحريم زراعة الأعضاء البشرية، وإنقاذ المرضى فى غرف الإنعاش، فيزداد شكى وضيقي، وكنت أعتقد وقتها أن هؤلاء الشيوخ هم الدين نفسه، ونقدهم حرام، وفجأة تذكرت دكتور أزهرى وهو قريبى وهاجر إلى أمريكا بعد أن كفروه وأقالوه من الأزهر؛ لأنه انتقد أحاديث فى كتاب البخاري، مثل: قطع يد السارق، وقتل تارك الصلاة، وكذب عذاب القبر... إلخ من شرحه وتفسيره لأشياء كثيرة فى كتب الفقهاء، فقرأت له وللشهيد فرج فودة وأسماء كثيرة جدًا لا حصر لها من أهل الفكر والتنوير، فارتاحت نفسى وعرفت عظمة الإسلام ورحمة القرآن، وخلق الرسول الكريم، وأن كل ما قرأته من كتب متشددة وآراء شيوخ قدماء ليس له علاقة بالإسلام وتعاليمه، حتى إنهم اختلفوا فيما بينهم وكل فرقة كفّرت الأخري، وهدأت نفسى وتأكدت أن الإسلام العظيم نزل من السماء لينشر الحب والسلام والعدل والمساواة، ولا فضل لرجل على امرأة، ولا لشخص على الآخر، إلا بعمله ونفعه للبشرية، فكلنا أمام الله سواء من يخطئ يحاسبه الله فالآيات الكريمة تقول: المؤمنين والمؤمنات، والصادقين والصادقات، والزانية والزانى.... إلى آخره من هذه المعاني، وهذا يدل على أن المحرم على المرأة محرم على الرجل، لا نقص ولا زيادة لأحدهما عن الآخر، وعرفت أيضا أن الحلال والحرام ما ذكره الله فى القرآن الكريم فقط، وما دونه اجتهادات بشرية لسنا ملزمين بها.
ارتاحت نفسى واطمأن قلبى لعدل الإسلام، وحمدت الله أنه نور بصيرتى لأقرأ المعانى والتفسيرات الصحيحة للقرآن العظيم، ومن تجربتى هذه أناشد المسئولين فى الأزهر، بأن يتحملوا المسئولية لإنقاذ الشباب المسلم من (الشك فى الدين)، بسبب كتب وفتاوى ضد آيات القرآن وضد العقل والإنسانية، ويروج لها عبر الفضائيات للأسف شيوخ وداعيات من الأزهر،
فهذه مسئوليتهم أمام الله وأمام مليار مسلم، فعليهم تنقيح كتب التفاسير والأحاديث وكل كتب التراث، لإنقاذ الأمة من التطرف والعنف، وكراهية الآخر باسم الدين.