الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ألعَابٌ إخوانيَة خَطِرَة: لُعبَةُ المُصَالحَة..! «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«المصالحة» لُعبة إخوانية لا تلجأ إليها الجماعة إلا وهى فى أشد حالات ضعفها، أو إذا كانت تستشعر الخطر المحدق بها، أما إذا كانت الجماعة تستشعر فى نفسها القوة فلا تلجأ لهذه اللعبة بل تقوم بالتمادى فى التهديد والوعيد وفرض الشروط التعجيزية لأنها فى موقف تعتقد أنه موقف القوة. وقد لاحظنا تطبيقًا فعليًا لهذه الاستراتيجية الإخوانية أثناء اعتصاميْ «رابعة» و«النهضة»؛ فعديدٌ من الوساطات الأمريكية والأوروبية والقطرية والإماراتية، بل وبعض العقلاء من المصريين، تدخلوا للوساطة بين الدولة والجماعة لفض الاعتصام بطريقة سلمية، ولم تأب الدولة ذلك، بل رحبت بكل وساطة تستهدف حقن الدماء؛ لأن الدولة المصرية دائمًا ما تسعى لعدم التفريط فى قطرة دم واحدة مصرية أيًا كان صاحبها، ما دام وُلد على هذه الأرض وتُظلله نفس السماء وشرب من ماء النيل.
وقد فهمت جماعة «الإخوان» خطأً أن ترحيب الدولة بهذه الوساطات هو انعكاسٌ لضعفها وخوفها من الجماعة وأنصارها واعتصامها المسلح والإرهابيين الذين استدعوهم للمشهد وبدأوا أعمالهم الإرهابية فى سيناء بالتنسيق مع الجماعة، فاستبد بها غرور القوة المُتَوَهَمَة، وصارت تُملى شروطها على الدولة من خلال الوسطاء، وكانت شروطًا ثلاثة لا تتغير: «عودة الرئيس المخلوع مرسى إلى قصر الاتحادية، عودة مجلس الشورى الإخواني، عودة دستور الجماعة الذى تم إعداده بليلٍ فى غيبة ممثلين عن مختلف فئات الشعب المصرى الذين قاطعوا جلسات إعداده».
ولم تبدأ أول دعوة إخوانية للمصالحة إلا حينما انقطعت سلسلة الوساطات وامتناع الوسطاء لتعنت الإخوان وصلفهم، وعندما استشعر الإخوان أن الفض قادمٌ لا محالة أرسلوا وسيطًا للمصالحة، إلا أنه ويا للعجب طرح الشروط نفسها للمصالحة، التى سبق أن رفضتها الدولة لأنها شروط تتجاهل المواقف على أرض الواقع، وتتعامى عن ثورة المصريين فى 30 يونيو ضد الجماعة ورئيسها. ويبدو -من وجهة نظرنا- أن هذه المصالحة الصورية التى طرحتها الجماعة، جاءت من قبيل إبراء الذمة لكى تقول إنها عرضت المصالحة لفض الاعتصام سلميًا، إلا أن الدولة أبت ولجأت إلا فض الاعتصام بالقوة لكى تضع الدولة فى موضع الاتهام، وهى لُعبة أخرى تجيدها الجماعة تدعى لُعبة «المظلومية».
والدليل على صِدق مقولتى، أن الجماعة لم تطرح أية مصالحة بعد فض الاعتصام، بل آثرت المواجهة المسلحة مع الدولة المصرية، من خلال عدة آليات للمواجهة، منها تصعيد الأعمال الإرهابية فى سيناء من خلال قطعان الإرهابيين الذين جلبهم مرسى وجماعته من كل حدبٍ وصوب لرفع السلاح فى وجه الدولة إن تم إبعادهم عن الحكم، ومنها الدعوة إلى المواجهة المسلحة مع الدولة يوميْ 31 أغسطس و6 أكتوبر 2013، وهما الحدثان الأكبر فى المواجهة مع الدولة؛ حيث شارك فيهما إرهابيون من دولٍ شتى، تم ضبطهم فى أحداث مسجد «الفتح»، وتم توزيع الرشاشات الآلية التى تحملها السيارات نصف النقل فى ميدان وشارع رمسيس، ومنها استهداف ضباط الشرطة والجيش والقضاة والأكمنة، ومنها تدمير أبراج الكهرباء وامتناع أعضاء الجماعة عن دفع فواتير الماء والكهرباء والغاز، ومنها استهداف مديريتيْ أمن الدقهلية والقاهرة واغتيال النائب العام، ومنها المظاهرات المستمرة ضد الدولة والرئيس، ومنها نشوء الحركات الإخوانية المسلحة مثل حركة «حسم».. لقد قررت الجماعة الانتقام من الرئيس والدولة والشعب والجيش والشرطة والقضاة وكل من اعتقدت أنه كان سببًا فى إزاحتها عن الحُكم الذى حلمت به لمدة 83 سنة وأرادت أن تمكث فيه 500 سنة..!
وبعد أن انكسرت الجماعة أمام قوة الدولة المصرية ووعى الشعب المصرى الذى لم ينضم إليها يومًا فى مظاهرة، ولم يلبى نداءاتها المتكررة بمقاطعة مشروع «قناة السويس» الجديدة، أو مقاطعة الانتخابات الرئاسية الأولى والثانية، وبعد أن وصلت الجماعة إلى أوج ضعفها بانتخاب المصريين الرئيس عبدالفتاح السيسى لفترة رئاسية جديدة بأغلبية غير مسبوقة، بدأت الجماعة فى ممارسة اللُعبة التى تجيدها «لُعبة المصالحة».
فقبل أن يمضى أسبوعٌ على إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية -كما يقول الأستاذ ياسر رزق- أطلق كمال الهلباوى القيادى الإخوانى «السابق»، ما سمّاه «مبادرة للمصالحة»، تبناها إبراهيم منير القيادى الدولي، بتشكيل مجلس حكماء، اختار الهلباوى أعضاءه من شخصيات عربية ومصرية لـ«إنقاذ ما يمكن إنقاذه»، وكأن مصر دولة على شفا الانهيار، لن ينقذها إلا عودة الإخوان للحياة السياسية وربما السلطة!
ومن عجبٍ أن يتم عنونة مبادرات الجماعة أو مبادرات بعض أذرعها السياسية بعناوين عجيبة توحى بأن الدولة هى التى تقبع فى موقف الضعيف وأنهم يعتلون موقف القوى، وكأن الدولة مأزومة والجماعة والمصالحة معها هو الذى سيقيل الدولة من عثراتها وسيخرجها من أزماتها، ومن بين هذه العناوين «الخروج من النفق المظلم»، ولا نعلم يقينًا أى نفق وأى ظلام، هل الذى تعبره الدولة أو ذلك النفق الذى سقطت فيه الجماعة إلى الأبد.
إن المعلوم بالضرورة لكلِ ذى عينيْن أن الدولة المصرية خرجت من النفق المظلم يوم ثارت على الإخوان، وأزاحتهم من على كرسى السلطة التى لم يستخدموها سوى فى جلب الإرهابيين وتمكين الإخوان من كل مفاصل الدولة فى مشروعهم الذى لا يمتلكون غيره وهو «الأخونة»، وكان كشف إنجازاتهم فى عام حكمهم صفرًا كبيرًا لا يسر الناظرين من المصريين، وعندما خرجنا من النفق وعبرنا المرحلة الانتقالية وانتخبنا الرئيس السيسى كانت الإنجازات الكبرى التى لا يمكن إحصاؤها فى الاقتصاد والإسكان وشبكة الطرق والغاز والبترول والكهرباء والزراعة والمزارع السمكية والسياحة والتصنيف الائتمانى والتعليم.
إن الدولة المصرية التى خرجت من النفق المظلم الذى عبرته بعد عام أسود مظلم من حكم الجماعة لن تعود إليه تارةً أخرى، إن المصريين يعشقون النور والحياة وكرهوا ظلامية الجماعة الإرهابية بأفكارها المنغلقة، وظلامهم الذى أعادهم إلى عصر ما قبل اختراع الكهرباء. إن الجماعة عاشت جُل عمرها الطويل كجماعة سرية تحت الأرض فى ذلك النفق المظلم الذى يتحدثون عنه والذى يقبعون فيه، ولن يستدرجوا مصر إلى هذا النفق المظلم مرةً أخرى.. إن مصر انطلقت إلى فضاءاتٍ مفتوحة رحبة على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية، وليس لديها وقتٌ تُهدره فى ألاعيب «المصالحة» الإخوانية، ولا سيما أن هذه «المُصَالحة» لُعْبَةُ خَطِرَة لا تُؤمَنُ عَواقِبُهَا.