الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الهجرة عبر المتوسط".. ملف تفشل القارة العجوز في مواجهته.. "دول الاتحاد" تواجه تزايد أعداد المهاجرين بتعطيل عمل سفن الإنقاذ

الهجرة عبر المتوسط
الهجرة عبر المتوسط
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زالت أزمة تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا تلقى بظلالها على اجتماعات مسئولى دول الاتحاد الأوروبي، خاصة فى ظل استمرار تدفق موجات الهجرة غير النظامية عبر المتوسط منطلقة من شمال وغرب أفريقيا تجاه العواصم الأوروبية؛ حيث يعانى المهاجرون من ويلات الحروب الأهلية فى دولهم، ما جعلهم يخاطرون بأرواحهم هروبًا من استمرار العيش فى هذا الواقع الأليم. وعليه فقد تزايدت أعداد المهاجرين بالتوازى مع زيادة عدد السفن والمراكب التابعة لبعض المنظمات الدولية غير الحكومية لإنقاذهم من الغرق، ولكن جهود الإنقاذ واجهت العديد من الصعوبات واصطدمت بقيود الحكومات اليمينية الأوروبية.

ونتيجة لحالة عدم الاستقرار التى تواجهها العواصم الأوروبية منذ تدفق موجات الهجرة، اجتمع قادة العالم فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى محاولة منهم لتسوية الأوضاع بما يحقق الأمن والاستقرار للعالم، وذلك من خلال إصدار إعلان نيويورك للاجئين والمهاجرين فى سبتمبر ٢٠١٦، الذى اعتمدته الدول الأعضاء؛ حيث وضع نهجًا للتعاطى مع الظاهرة يعتمد على التعاون والتنسيق بين الدول التى سوف تتوج باعتماد الميثاق العالمى للهجرة فى عام ٢٠١٨. كما تعهدت الدول بالنظر لوضع مبادئ توجيهية غير ملزمة، ومبادئ توجيهية طوعية بشأن معاملة المهاجرين.
سفن إغاثة المهاجرين
بدأت سفن الإغاثة فى العمل فى إطار مبادرات لمنظمات غير حكومية تبحر فى المتوسط بين ٢٠١٥ و٢٠١٦؛ حيث قامت منظمة «ميغران أوفشور آيد ستاسيون» الممولة من قبل أثرياء من مالطة، بتخصيص سفينة «فونيكس» لهذا الغرض، كما ساهمت عدد من المنظمات غير معنية بشئون الهجرة فى هذه المبادرات مثل منظمة «السلام الأخضر» التى حاولت التدخل لإنقاذ المهاجرين، لكنها لم تستمر فى العمل نتيجة ما واجهته من ضغوط أعاقت عملهم، علاوة على ضعف التمويل الذى يعتمد فى كثير من الأحيان على التبرعات والمساهمات المالية من قبل رجال الأعمال، مما أدى إلى انخفاض أعدادهم بشكل ملحوظ لم يتبق منها إلا أربع سفن وهما أكواريوس، لايف لاين، لوسي - واتش٣، وأوبن آرمس. جدير بالذكر؛ أن فكرة الإغاثة لم تكن وليدة اللحظة؛ فقد قامت الحكومة الإيطالية بعدد من المبادرات الخاصة بعمليات الإغاثة لإنقاذ المهاجرين فى عهد الاشتراكى «إنريكو ليطا»، فى ٢٠١٣، من خلال إطلاق عملية الإنقاذ «مار نوستروم» عقب غرق قارب المهاجرين أمام جزيرة «لامبيدوزا» وبالفعل تمكنت من إنقاذ ألف مهاجر. 

«أكواريوس» طوق النجاة
تعد السفينة «أكواريوس» التابعة لمؤسسة «نجد المتوسط» من أبرز سفن الإنقاذ لما لها من نشاطات واسعة النطاق فى التعامل مع المهاجرين؛ وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهى أن هذه السفينة لا تبحر فى المتوسط إلا بموافقة مسبقة من قبل «مكتب تنسيق عمليات النجدة البحرية الإيطالي»، التابع لوزارة النقل، وذلك فى سياق القوانين البحرية الدولية الخاصة بعمليات الإنقاذ فى المياه الإقليمية والدولية، إلا أنه من حق الحكومة فى روما الرفض فى استقبالهم. وبالتالى تُسند مهام المهاجرين على السفينة إلى كل من منظمتى «إس أو إس ميديتيراني»، خاصة فيما يتعلق بعمليات الإنقاذ، و«أطباء بلا حدود» فيما يتعلق بالعلاج، فضلًا عن إمكانية التدخل الجوى من قبل الحكومة الإيطالية عند اللزوم، كما تبلغ الطاقة الاستيعابية لها ما يقرب من ٦٠٠ شخص، ويمكن أن تصل الطاقة الاستيعابية إلى أكثر من ذلك. 
اصطدام بين اليمين وسفن الإغاثة 
فى المقابل ساهم صعود اليمين المتطرف داخل عدد من العواصم الأوروبية وتحديدًا فى إيطاليا إلى المطالبة بوضع سياسات جديدة تجاه المهاجرين واللاجئين، وذلك نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وما تواجه من تحديات ناجمة عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين، لذا فقد بدأت باتخاذ عدد من التدابير لتصدى لهذه الظاهرة تجسدت فى طلب خفر السواحل الإيطالى من سفن الإغاثة التى تنشط فى البحر المتوسط عدم التوجه للشواطئ الإيطالية فى حالات الإغاثة.
إذ رفضت استقبال عدد من السفن وذلك بعد أن تنصلت من استقبالها، وفتح موانئها لهم، مما أدى إلى حدوث أزمة دبلوماسية مع باقى الدول الأوروبية مثل فرنسا التى انتقدت الموقف الإيطالي.
كما تجلت سياسة التصادم مع سياسات الاتحاد الأوروبى فى النهج الذى اتبعه السياسى المتطرف وزير الداخلية «ماتيو سالفيني» الذى رفض فتح الموانئ فى وجه سفن الإغاثة مبررًا أنها تشكل خطرًا على النظام العام فى روما، وقد انتهى المطاف بالسفن بالتوجه نحو إسبانيا، - فعلى سبيل المثال - انتهى المطاف بالسفينة أكواريوس التى كانت تقل ٦٣٠ مهاجرًا، فيما انتهى المطاف بالسفينة لايف لاين التى كانت تقل ٢٣٠ مهاجرًا فى مالطا. 

غرب المتوسط محط أنظار المهاجرين
بالتالى أصبح غرب المتوسط فى مرمى المهاجرين فى الآونة الأخيرة، نتيجة ما واجهته سفن الإنقاذ من معوقات قبالة السواحل الأوروبية، خاصة من قبل روما وأثينا وفاليتا عاصمة مالطا، لذا فقد أصبح مسار غرب المتوسط الطريق الأكثر نشاطًا للهجرة غير النظامية إلى أوروبا؛ حيث بلغ المهاجرون منذ بداية العام الحالى وحتى منتصف أغسطس ٢٦.٣٥٠ أى ثلاثة أضعاف عدد الوافدين فى الأشهر السبعة الأولى من عام ٢٠١٧، ففى يوليو وحده، وصل ٨.٨٠٠ لاجئ ومهاجر إلى إسبانيا، أى أربعة أضعاف عدد الوافدين فى يوليو من العام الماضي. ويأتى هذا الانخفاض نتيجة لتدابير جديدة للحد من الهجرة غير النظامية التى تبنتها الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، بما فى ذلك زيادة التعاون مع ليبيا، التى كانت البلد الرئيسى فى الانطلاق فى طريق الهجرة وسط البحر المتوسط، حتى هذا الوقت من العام الحالي، قام حرس السواحل الليبية باعتراض ١٢.١٥٢ لاجئًا ومهاجر كانوا على متن قوارب التهريب «أكثر من ضعف العدد الإجمالى لعمليات الاعتراض فى عام ٢٠١٧». 
كما انعكس على تراجع أعداد المهاجرين واللاجئين، وعلى سبيل المثال تأتى نيجيريا وإريتريا فى مقدمة الدول التى تقصد روما كوجهة لها، وعليه فقد بلغ عدد المهاجرين واللاجئين النيجيريين والإرتيريين الذين وصلوا إلى روما فى ٢٠١٥ (٥٠٠١٨) وبانخفاض طفيف (٠٩٦ ٤٧) فى العام التالي. ثم بلغ عددهم بين عامى ٢٠١٦ و٢٠١٧؛ حيث انخفض العدد الإجمالى للوافدين النيجيريين والإرتيريين إلى إيطاليا بنسبة ٦٦٪ كان الانخفاض أكثر أهمية فى عام ٢٠١٨؛ فى النصف الأول من هذا العام؛ حيث بلغ عددهم ٢٨١٢ فقط. كما ينطبق الشيء نفسه على اللاجئين والمهاجرين من بنجلاديش والسودان والصومال - الذين كانوا أيضًا مدرجين فى قائمة أكثر بلدان المنشأ شيوعًا بين الوافدين إلى روما.

وفى النهاية فإن ظاهرة الهجرة غير النظامية مازالت من أهم التحديدات التى تواجه الدول الأوروبية وأصبحت من الملفات الشائكة بينهم، نتيجة تزايد حدة الضغوط الداخلية التى تواجه الدول التى تجسدت فى زيادة عدد الحركات الانفصالية، وتعرض بعض المدن لعمليات إرهابية، بجانب الأزمات الاقتصادية التى لم تتعاف منها منذ الأزمة الاقتصادية فى ٢٠٠٨، الأمر الذى ساهم فى صعود اليمين المتطرف والقوى الشعبوية المطالبة بالعزلة، وعدم اتباع نهج الاتحاد الأوروبى فى التعامل مع الأزمات الدولية والإقليمية المتلاحقة لأنها أصبحت غير مُجدية للصالح العام بل أدت إلى تفاهم الأزمات ومنها تزايد أعداد المهاجرين إلى حد الخروج عن السيطرة. وفى هذا السياق، لابد على القادة الأوروبيين اتخاذ التدابير اللازمة وفقًا لما تقتضيه المصلحة الوطنية لكل دولة بالتنسيق مع سياسات الاتحاد، حتى يسهل التصدى لهذه الظاهرة مع التركيز على معالجة جذور الأزمة والتفاعل معها سواء داخل الدول التى انطلقت منها أو دول المعبر بالتنسيق مع دول الشمال الأفريقى بالتوازى مع اتباع سياسات أمنية أكثر كفاءة تعمل على إحباط محاولات التهريب التى تتم عبر الحدود؛ عليه لابد من انتهاج تدابير تحمل فى طياتها البعد الإنسانى والأمني.