الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التعليم ثم التعليم.. أهم من «تقبيل اللحى»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الطبيب الفاشل هو من يعالج الأعراض، ولا يتطرق إلى المرض ذاته، فتزول الأعراض كالسخونة والصداع، لكن يبقى المرض كامنًا فى جسد الإنسان حتى يتمكن منه فى أقرب فرصة أو بمجرد تعرضه لنسمة هواء صيفية، وهذا الأمر ينطبق تمامًا على الأحداث الأخيرة التى شهدتها بعض قرى محافظة المنيا، والتى دأبنا على تسميتها عبر التاريخ بالفتنة الطائفية، هذا التعبير الذى يحمل معناه الكثير من الدلالات، أهمها على الإطلاق أن طرفًا ثالثًا هو من يشعل نيران الفتنة الراقدة بين عنصرى الأمة، وذلك بغية تفتيت وحدتنا وأضعاف الدولة أو القضاء عليها، وهذا منطق لا أستبعده فى ظل المؤامرات التاريخية الثابتة باعتراف أصحابها، سواء من الأجانب أو من المصريين أنفسهم، لكننى وبقدر إيمانى بهذا المنطق وبوجود من ينفخ فى الكير دائمًا فإننى لا أحبذ التعميم، فليست كل أحداث عنف بين مجموعة من المسلمين والمسيحيين فى مصر هى نتاج فتنة لأصحاب أجندة خارجية أو داخلية، وإنما هى ابنة شرعية للجهل الذى عشش فى عقولنا عبر آلاف السنين، ويخطئ من يتصور أن الدولة أو الحكومات المتعاقبة هى من تتحمل وحدها وزر هذا الجهل، فالقصة قديمة يا سادة، والمصرى صاحب المجد والحضارة تعرض لغزوات عديدة أفقرته وألقت به فى بئر الجهل، فالمستعمر لا يريد سوى تحقيق مصالحه التى أتى من أجلها، وهو لن يبنى وطنًا قام باحتلاله، ولن ينشأ المدارس لتعليم أبناء هذا الوطن بل سيعمل على غلقها قدر استطاعته، والذين يتحدثون عن منظومة التعليم قبل ثورة 52 يجب أن يعلموا أن الوطنيين المخلصين هم الذين وضعوا هذه المنظومة لاسيما عقب إنتفاضة الشعب المصرى فى ثورة 19 ضد المحتل، وبزوغ نور الوطنية الذى انطفأ بعد رحيل مصطفى كامل، ولا شك أن حكومة الوفد هم من سعت لإنشاء المدارس وأن الدكتور طه حسين هو من طالب بمجانية التعليم، وأن نجيب الهلالى عمل على ذلك، بينما كان الملك فاروق يرفض هذا بشدة ويتهم طه حسين بأنه يريد نشر الشيوعية فى مصر، وقضية التعليم فى رأيى هى موطن المشكلة، حيث تنمو أفكار التعصب الأعمى فى أرض الجهل الخصبة، ورغم أن الحكومات منذ 52 وحتى الآن قامت ببناء آلاف المدارس وأعلنت مجانية التعليم، لكن الظروف الاقتصادية كانت حائلًا أمام الكثيرين من أبناء الفلاحين والبسطاء، الذين اجتهدوا فى تسريب أبنائهم من المدارس، وذلك للاستفادة بهم فى سوق العمل أو لتسفيرهم إلى الخارج، ولذا فإن نسبة الأمية فى مصر كانت عالية جدًا حتى مطلع التسعينيات، ورغم أن الوعى المجتمعى وانتشار التليفزيون قد قضى على هذه الأمية بشكل كبير، لكنها لم تزل موجودة حتى الآن ولو بنسبة ضئيلة، فليس غريبًا أن تلقى شابًا من صعيد مصر أو ريفها لا يقرأ ولا يكتب، وهنا لا أستطيع أن أبرأ الحكومة من ذنب هذا الشاب، إذ يجب فرض غرامة مالية كبيرة على الأب الذى يسرب أبناؤه من التعليم، ولا بد من تحصيل تلك الغرامة بالقوة وذلك لإجبار الأب على تعليم أبنائه، ونأتى إلى من هو أخطر من الأمى، وهو المتعلم الجاهل، وعن هؤلاء حدث ولا حرج، فهم أبناء ثقافة التعصب التى ابتدعها شيوخ الأفكار المذهبية المتصارعة والتى أجازت قتل المسلم للمسلم حتى وإن رفع كتاب الله أمام قاتله، هؤلاء الذين تصوروا أنهم فوق البشر وأن الله تعالى قد أعطاهم توكيلًا عنه بقتل الناس ومنحهم صكا بدخول الجنة مقابل ذلك، تمامًا مثلما حدث فى العصور الوسطى المسيحية، وتمامًا مثلما تفعل جماعة داعش الأن أو سائر الجماعات الإرهابية الاخرى التى تقتل البشر لاختلاف الفكر والرأي، وليس غائبًا عن الجميع أن التعليم الحقيقى الذى يعتمد على المناهج التربوية العلمية يؤدى إلى تقبل الآخر واحترامه، ونبذ التعصب والابتعاد عن الهمجية، ولذا فمن الضرورى الاهتمام بمحتوى التعليم وإجبار الناس عليه، وأصبح لزامًا على المؤسسات الدينية أن تستجيب لدعوة الرئيس السيسى بتجديد الخطاب الديني، ونشر قيم التسامح والمحبة والايثار ودحض الأفكار المتشددة، وعلاج ما يحدث فى المنيا لن تتم بإقامة سرادق احتفال للصلح بين العائلات بحضور السيد المحافظ والقيادات الأمنية وتقبيل اللحى بين الشيوخ والقساوسة وسماع كلمة من احد الشيوخ عن التسامح فى الإسلام وعن حبنا للسيدة مريم وإيماننا بعيسى عليه السلام وبأن المسيحى هو أقرب للمسلم من أصحاب الديانات الأخرى، ثم سماع كلمة لأحد القساوسة عن المحبة وعن تعاليم السيد المسيح كأحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، فكل هذه المسكنات لن تزيل الورم الخبيث المسمى بالتعصب والذى سكن قلوب هؤلاء الجهلاء، والأمر يا سادتى الكرام يحتاج علاجًا جذريًا وجراحة عاجلة لإستئصال هذا الورم، واعتقد ان هذه الجراحة لن تحدث إلا بنهضة تعليمية حقيقية وبمعلم نال علمًا حقيقيًا، ولم تتلقفه جماعات متطرفة فراح يبث سمومه فى عقول تلاميذه، ولن تحدث أيضًا تلك النهضة بمعلمة ترغم الأطفال على الحجاب وتضربهم عليه، وإذن فالطريق يبدأ بفرز من يصلح للاستمرار فى العمل كمدرس ثم بإعادة تأهيلهم ثقافيًا وذلك بإلزامهم حضور دورة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر، يحاضر فيها علماء وخبراء من شتى المجالات ومن مختلف الدول، وثق أن هذه الدورة وتنوع الثقافات بها ستفتح آفاقًا كانت مغلقة أمام الكثيرين منهم، وستحولهم إلى مدرسين مثقفين، وهذا هو المطلوب لخلق أجيال لا تعرف التعصب ولا تمنع أى انسان عن إقامة شعائره الخاصة به.