الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس رامي ناير: جميع الكنائس المصرية تقف ضد زواج المثليين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصراع بين الأصولية الحرفية واللاهوت الليبرالي.. مستمر.. ولا منتصر
الكنيسة لديها الوعى الكافى والإيمان الواعى للتمييز بين الغث والسمين
الحركات الغنوصية المسيحية نشأت فى قلب التجمعات المسيحية
فى البحث فى ما يعرف بالغنوصية وعلاقتها بالمسيحية، وفى مهمة للتعرف على مفهوم «الغنوصية» والكشف حول خفايا الحركات الغنوصية وواقع الصراع بين التيارات المتعددة فى الكنائس، التقت «البوابة» بالقس الإنجيلى رامى ناير، أحد الباحثين فى مجالات أكاديمية عدة، ولقد برع فى البحث حول الغنوصية وعلاقتها بالمسيحية وتطورها.. وإلى الحوار.
كيف بدأت الخدمة الكنسية؟ 
- بدأت كراع لكنيسة محلية بإحدى كنائس الصعيد، وتحديدًا قرية نزلة النخل بمحافظة المنيا، والتى سُيمت فيها قسًا فى مايو ٢٠٠٦، وخدمت بها حتى يوليو ٢٠١٣. وبعدها خدمت بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية حتى يوليو ٢٠١٧. 
وفى أثناء خدمتى تطوعت فى العديد من الأعمال والخدمات الكنسية والعامة. فقد عملت كباحث فى جامعة يال، وكمحاضر فى بعض الكليات والمعاهد والمؤسسات بمصر وخارجها، وكذلك كاستشارى لبعض المؤسسات البحثية ودور النشر.
ما الدراسات والأبحاث التى قمت بها؟ 
- هناك عدد من الدراسات تم نشرها، مثل مشكلات فى العلاقة مع الله رؤية تفسيرية لسفر ملاخى 2012، والمساهمة فى ترجمة كتاب: رسالة إرميا، للمفسر كريستوفر رايت 2014، والمساهمة كمساعد محرر فى التفسير العربى للكتاب المقدس العام الحالي، بالإضافة لعشرات المقالات العلمية والعامة. 
قدمت دراسات حول الغنوصيين.. فمن هم الغنوصيين؟ وما هى أفكارهم؟ 
فى البداية، لا بد أن نفهم أنه لا توجد مجموعة واحدة تسمى الغنوصية، بل هم عبارة عن عديد من الحركات الدينية المسيحية وغير المسيحية، والتى ظهرت بوضوح فى القرنين الثانى والثالث الميلادي. وهذه الحركات تبنت فى الأساس الفلسفة الأفلاطونية الوسطى كجزء من فهمهم الديني. 
ولو ركزنا على الحركات المسيحية الغنوصية، فسنجد أشهرها «الفلانتينية، والسرنتية، والتوماوية، والشيثية، والسيمونية، والباسيليدية، والهرماسية». وهذه الجماعات تتنوع كثيرًا فى تفكيرها ولكنها تشترك فى بعض المفاهيم الأساسية.
وما تلك المفاهيم المشتركة؟
- أشهرها: خلق العالم والخلاص، فمن خلال مفهوم خلق العالم، يرى هؤلاء أن الله الحقيقى قد أَوكل عملية خلق العالم لأحد رؤساء الملائكة، والمعروف أيضًا بالإله المادى لخلقه العالم المادي. ولكن هذا الملاك قد خدع البشر بأن أعلن لهم أنه هو الإله الحقيقي، وطالبهم بعبادته، ويدعو هذا الإله المادى الناس للحرب والصراع والماديات وإلخ. فى حين نجد أن الله الحقيقى من وجهة نظر الغنوصيون هو إله المحبة والسلام والنور والتضحية. 
أما مفهوم الخلاص، فهو التحرر من جهل عدم معرفة الله الحقيقي. وتتم عملية التحرر من الجهل من خلال إعلان يسوع «اللوجوس» عن الله الحقيقي، والإيمان بهذا الإعلان. 
وأنتجت الحركات الغنوصية العديد من الكتابات، ومنها إنجيل الحق، وإنجيل توما، وإنجيل مريم، وإنجيل فيلبس، وأبوكريفا يوحنا. 
لكن.. هل أثرت الأفكار الغنوصية على المسيحية؟
- فى رأيي، أن الحركات الغنوصية المسيحية نشأت فى قلب التجمعات المسيحية؛ ولكن بمرور الوقت تبنى بعضها تفسيرات غير مقبولة من غالبية المسيحيين، وقد ساهم تغيير المناخ الفلسفى والدينى والسياسى فى القرن الرابع على تصنيف هذه الحركات على أنها مختلفة عن التيار المسيحى السائد، مما ساهم فى رفضها العام تدريجيًا.
وبعد اندثار الحركات الغنوصية بشكل رسمى واختفاء كتاباتهم، تم تشويه الحركات الغنوصية عن حق وبدون حق، فبات للجميع الحرية فى نسب أى معلومة شاذة وغريبة للغنوصيين الذين اختفوا من الوجود، ولكن مع إعادة اكتشاف العديد من الكتابات الغنوصية فى القرن العشرين، أصبح لدينا القدرة على إعادة النظر فى الافتراضات والاتهامات للغنوصيين، والتى ثبت مع البحث الأكاديمى صحة بعضها ونفى غالبيتها.
فمثلا، اعتقد الكثير من الباحثين قبل القرن العشرين أن الغنوصيين لا يؤمنون بتألم يسوع المسيح وصلبه، ولكن الثابت الآن، أن بعض الجماعات الغنوصية أشارت لحقيقة موت المسيح بالصليب بصورة مباشرة وغير مباشرة كما هو على سبيل المثال فى إنجيل الحق وإنجيل مريم. 
ولو عدت لسؤالك، ما الأفكار الغنوصية الباقية فى المسيحية؟ فمن الصعب جدا تحديدها، لأن هناك مئات السنين من التفاعل المتراكم بين الآداب المسيحية والمسيحيين والسياقات التاريخية، هذه التفاعلات أنتجت لنا المسيحية الحالية بكل ما فيها من مفاهيم روحية عميقة ومتراكمة. فمثلا، لو ركزنا على مفهوم معرفة الله فى المسيحية المعاصرة ومفهوم معرفة الله الحقيقى عند الغنوصيين، سنجد هناك تداخلا بين المفهومين. لكننا بالطبع لا نستطيع أن نقول إننا ورثنا المفهوم العنوصي، لأن مفهوم معرفة الله الحالى ليس مبنيا فقط على التعاليم الغنوصية، إذ أنه أيضًا مفهوم كتابى «بالكتاب المقدس»، وثقافى «موجود فى الكثير من الأديان والثقافات عبر التاريخ». 
ما صحة القول بأن التلميذ الذى كان يسوع يحبه.. هو مريم المجدلية؟ 
- للإجابة على هذا السؤال نحتاج فى الأساس للوقوف على أمرين: الأول، هو أن الإنجيل الرابع عَرَّفَ الكاتب للإنجيل بأنه «التلميذ المحبوب»، ولكنه لم يذكر اسم هذا التلميذ، ولهذا حاول آباء الكنيسة والباحثون تعريف من هو هذا «التلميذ المحبوب»، والغالبية منهم رأت أنه يوحنا بن زبدي؛ إلا أن الكثيرين قدموا فرضيات أخرى مثل أنه يوحنا الشيخ، أو لعازر، أو إلخ. 
والأمر الثاني، أن كاتب إنجيل مريم يصف مريم بأنها «التلميذ المحبوب» وبالتالى يمكن القول بأنه واحد من الافتراضات التعريفية للتلميذ المحبوب هو أنه مريم، ومريم فى هذا الإنجيل الغنوصى قد تكون: مريم أم يسوع المسيح، أو مريم المجدلية؛ إلا أن الافتراض الشائع هو أنها مريم المجدلية. 
لماذا هاجمك البعض على مواقع التواصل الاجتماعى واعتبر أن هذا رأيكم الخاص؟
- من الصعب عليَّ فهم جميع أسباب الهجوم؛ ولكن ربما توجد ثلاثة أسباب حاضرة الآن فى ذهني، وهذه الأسباب قد لا تكون كل الأسباب التى تفسر هذا الهجوم غير الموضوعي، ويمكن من خلال أحدها أو مركب منها تحليل بعض الهجوم على ما كتبته. 
أولها التنميط: فبعض الناس يتبنى منهجية التنميط فى كثير من أمور الحياة. والصورة النمطية العامة عمن يَكتب عن الغنوصية أنه غنوصي، ومن يكتب عن مريم المجدلية فهو ينادى بزواجها من يسوع المسيح، وبالتالي، تم تنميطى زورا بأننى «مهرطق يدعى زواج يسوع من مريم المجدلية» وهو ادعاء سخيف يدل على عقلية «عبيطة!» فمن غير الممكن أن أدافع عن هرطقة ضد إيمانى أو أن أدعى شيئا غير مثبت تاريخيًا. وبالتالى فأنا أدعو أصحاب العقل التنميطى لأن يقرأوا ما كتبته دون أن يفترضوا افتراضات مسبقة عن أبحاثي. 
وثانيها، تفريغ الضغوط الحياتية: فبعض الأفراد يعانون من ضغوط شديدة متنوعة فى الحياة، سواء كانت ضغوطا فى الحياة المادية أو الروحية، العمل أو البيت. وهؤلاء يريدون تفريغ ضغوطهم فى مجالات لا تضر بحياتهم أو تؤثر سلبًا على مستقبلهم. وللأسف يكون المجال الدينى هو المجال الأوسع لهذا التفريغ غير المنضبط. حيث إن التهكم على القيادات والمؤسسات الدينية لن يؤدى فى الغالب إلى أى ضرر، وأنا هنا أميز بين التفريغ النقدى والنقد الموضوعي، فأنا أرحب وأشجع دائما على النقد الموضوعى المبنى على أمور واقعية يمكن مناقشتها وتصحيحها، فالبحث العلمى الذى أقوم به مبنى فى الأساس على النقد والقابلية للخطأ.
ثالثًا، البطولة الوهمية: يعشق بعض الأفراد الظهور فى ثوب البطل المدافع عن الدين والتدين! والبطولة الوهمية هى أحقر أنواع البطولات وأسوأ أنواع الرياء، لأن صاحبها يعرف الصواب ويتجاهله، يلوى الحقائق عن قصد ليظهر كبطل، يزايد فى الدين والتدين على حساب الإنسان.
ومع كل هذا، فأنا أرى أن غالبية الكنيسة لديها الوعى الكافى والإيمان الواعى للتمييز بين الغث والسمين، فكما أنى قرأت بعضا من الهجوم غير الموضوعى على رأيى أو شخصى على السوشيال ميديا؛ فقد قرأت وقابلت أيضًا من يحاول فهم أبحاثى مُقدمًا لها تحليلا موضوعيا. وبصراحة أنا لا أهتم كثيرًا بالنقد، ولكن عينيَّ دوما على ما يبنى فى المستقبل، فغالبية أبناء الكنيسة المصرية دائما بخير وسيظلون كذلك.
تمر المسيحية حاليا بموجات فكرية متعددة بين الأصولية الحرفية واللاهوت الليبرالي.. كيف ترى أثر هذا الصراع على المسيحية فى مصر؟
- أعتقد أن التنوع فى الكنيسة أمر صحي، لكن الخطورة تبدأ حين ترفض هذه التيارات الحوار فيما بينها، وتدعى أنها تمتلك وحدها المسيحية السليمة. وللأسف بعض هذه التيارات وخاصة الأصولية منها تعتقد فى امتلاكها لكامل الحق الديني. 
أما من سينتصر فهذا أمر معقد، ولن يحدث انتصار كامل لأحد الطرفين. ولكن ستستمر هذه التيارات جنبًا إلى جنب، وستنتقل صراعاتها النظرية حول العقيدة إلى صراعات تمس الحياة العملية للإنسان فى المستقبل. 
ما الموقف حاليا من انتشار زواج الشواذ بالكنائس الغربية؟ 
- من المعروف، أن جميع الكنائس المصرية تقف ضد أى نوع من الزواج غير الزواج التقليدى الذى هو بين رجل واحد وامرأة واحدة، ويكون خاليا أيضًا من القرابة المُحَرِمة للزواج، وفى المقابل نجد فى بعض الدول الغربية، تأييدا للمثلية الجنسية من الدولة والمجتمع وبعض الكنائس. 
وقد أصدرت المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية الشرقية العديد من البيانات التى توضح فيها رأيها الدينى وتستنكر فيها المثلية الجنسية الحادثة ببعض المجتمعات الغربية، وبكل صراحة ينبغى ألا ننشغل كثيرًا بهذا الموضوع، لأنه ليس من أولويات قضايا الإنسان المصرى الحالية. فعلينا أن ننشغل أكثر بما يحدث فى بلدنا ونلتفت أكثر لما يعانيه أبناؤنا من تحديات، وعلينا أن نساعد فى الإصلاح الذى يتم فى مصر، ونساهم فى تخفيف معاناة المواطنين.
القس رامى ناير
ولد «رامى ناير» فى مدينة بورسعيد، وحصل على ليسانس الآداب فى الفلسفة من جامعة القاهرة 2005، وبكالوريوس العلوم اللاهوتية من كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة 2005، وماجستير آداب الدراسات اللاهوتية فى الدراسات الكتابية من كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة 2010، وماجستير فى اللاهوت المقدس فى الدراسات التاريخية من كلية الإلهيات بجامعة يال، أمريكا 2013، ويدرس الآن درجة الدكتوراه فى الدراسات الإسلامية والعلاقات المسيحية- الإسلامية بكلية لاهوت هارتفورد، أمريكا.