الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"البطريرك الراعي": التربية على المواطنة بالمدارس الكاثوليكية تتميز بـ"الديمقراطية التعددية"

البطريرك المارونيّ
البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
افتتح البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، ظهر اليوم المؤتمر السّنويّ الخامس والعشرين للمدارس الكاثوليكيّة بعنوان "إستمراريّة المدرسة الكاثوليكيّة: شروط وتطلّعات"، والّذي يستمرّ لمدّة يومين، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة والأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة.
وكانت للبطريرك الرّاعي كلمة بعنوان "تحرير المدرسة الكاثوليكيّة من أجل وطن أكثر إنسانيّة وتضامن"، قال فيها: "خلود المدرسة الكاثوليكيّة"، لهو في محلّه تمامًا، لأنّكم، إذ تصفون المدرسة الكاثوليكيّة "بالخلود" فأنتم تعلنون أنّ خلودها من صلب طبيعة الكنيسة ورسالتها، فالمسيح أرسلها قائلًا: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم... وعلّموهم... وأنا معكم طول الأيام، حتّى نهاية العالم". وبالتّالي تلتزمون، مع الكنيسة، بالمحافظة عليها، أمانة للمسيح وللرّسالة التّعليميّة الموكولة منه إليها، مهما كانت الصّعوبات والتّحدّيات. وإكمالًا لهذه الّصورة، شبّه القديس بولس الرّسول الكنيسة "بجسد" هو "جسد المسيح": "كما أنّ الجسد واحد وله أعضاء كثيرة.. كذلك المسيح. 
فنحن كلّنا تعمّدنا بروح واحد لنكون جسدًا واحدًا، وارتوينا من روح واحد. إنّ عضويتنا في "جسد المسيح" الذي هو الكنيسة، تعني أنّنا في حالة ترابط مع بعضنا البعض، بعيدًا عن أيّ تقوقع أو انعزاليّة أو انغلاق على المصلحة الذّاتية دون سواها. هكذا يصبح التّرابط نظامًا يرتّب العلاقات بين النّاس على مختلف المستويات الدّينيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة؛ ويولّد مسلكًا أخلاقيًّا واجتماعيًّا بمثابة "فضيلة"، هي "التّضامن"، لا كمجرّد عاطفة تأثّر لما يصيب الغير من شرّ، بل كإرادة ثابتة ومثابرة للالتزام في سبيل الخير العامّ، بحيث نشعر أنّنا كلّنا مسئولون عن كلّنا. التّضامن إذا فضيلة مسيحيّة تلامس المحبّة، هذه الصّفة التي تميّز تلاميذ المسيح. فضيلة تميل إلى تخطّي الذّات، والخروج منها نحو الآخر بروح التّعاون المجانيّ والغفران والمصالحة. عندما ينمو أبناء الوطن الواحد بالأنسنة، ويترابطون في ما بينهم بفضيلة التّضامن، فيشعرون أنّهم كلّهم مسئولون عن كلّهم، وبالتّالي يحتاجون إلى تربية على المواطنة التي تتميّز بالدّيمقراطيّة التّعدديّة. وهذا ما تهدف إليه المدرسة عمومًا والمدرسة الكاثوليكيّة خصوصًا التي تعلّم المبادئ الوطنيّة السّليمة، بعيدًا عن أيّ إيديولوجيّة أو تأثير سياسيّ وحزبيّ أو أغراض خاصّة. إنّ المدرسة الكاثوليكيّة الملتزمة هذه التّربية هي حاجة ماسّة اليوم لوطننا لبنان. عندما نقل لبنان يوم إعلانه في أوّل سبتمبر 1920، بمسعى من البطريرك الكبير خادم الله الياس الحويك، من دولة الانتماء إلى الدّين والمذهب المعادية للدّيمقراطية، إلى دولة الانتماء إلى المواطنة التي تولّد الدّيمقراطيّة التّعدديّة، سار لبنان على هذا الخطّ منظّمًا بالدّستور والميثاق الوطنيّ، وناميًا بالممارسة، حتّى اتّفاق الطّائف (1989). هذا الاتفاق أكد المواطنة على حساب الانتماء المذهبيّ، لكنّ القوى السّياسيّة شوّهته بأدائها، وذهبت إلى إرساء نظام حزبيّ مذهبيّ جديد، أمّنت من خلاله بقاءها في السّلطة وتقاسم الحصص والوظائف وخيرات الدّولة، مع إقصاء الغالبيّة من الشّعب اللّبنانيّ غير الحزبيّة. وهكذا يجد المواطن نفسه أمام شرط الانتماء إلى حزب طائفته لكي يتمكّن من نيل وظيفة أو المشاركة في إدارة شؤون الدّولة. هنا تكمن الأزمة السّياسيّة الرّاهنة، والظّاهرة حاليًّا في أزمة عدم إمكانيّة تأليف الحكومة إلى الآن، والتي تتسبب بالرّكود الشّامل، بل بالشّلل، وبعدم إمكانيّة النّهوض الاقتصاديّ وإجراء الإصلاحات اللّازمة في مختلف الهيكليّات والقطاعات، وبتفشّي الفساد، وسيطرة شريعة الغاب والنّفوذ. 
وأكد البطريرك الراعي على أن تربية الأجيال هي المخرج لكلّ هذه الحالات، وتتمّ بواسطة المدرسة الكاثوليكيّة بشكل خاصّ، ما يقتضي تحرير هذه المدرسة لكي تظلّ أبوابها مفتوحة بوجه الأهالي الذين يرغبون اختيارها لأولادهم، وتأمين التّربية العلميّة الرّفيعة والتّربية على الأنسنة والتّرابط والتّضامن والمواطنة، لأكبر عدد ممكن من شعبنا اللّبنانيّ. هذه التّربية المتعدّدة الوجوه تتوفر ليس فقط للتّلامذة، بل أيضًا لأهلهم وللمعلّمين والموظّفين".