الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: "الغيرة والحسد السبب الأول للنزاعات" (1)

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كتاب "سياسة الحسد" الذي صدر عام 1994، يتوقف الكاتب دوك باندو عند النتائج السلبية التي يسبّبها الحسد في المجتمع، فيقول: "الحسد دخل كل حقل من حقول المجتمع: الحقل السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والمالي. أما مؤسس مدرسة علم النفس التحليلية، سيجموند فرويد، فرأى أن الحسد هو من العوائق الكبيرة التي تقف في وجه تطور الانسان والمجتمع.
تعني كلمة "الحسد"، شعور الانسان بالمرارة والانزعاج حيال ما يملكه الاخر، من مال، أو مركز، أو ثقة الناس، أو سمعة جيدة، أو جمال، أو غيرها من الأمور، الذي يعتبرها جيدة، ويرافق شعور الانزعاج هذا، اما رغبة شديدة بالامتلاك الشخصي لما يملكه ذاك الآخر، أو برغبة شديدة بفقدان أو حرمان ذاك الاخر مما يملكه. وحين نتكلم عن الحسد، فإن الكلمة الأخرى التي غالبا ما ترافق كلمة الحسد هي، "الغيرة"، لهذا، لا بد من التوقف عند هذه الكلمة لتعريف معناها، في حين أن لكلمة "الحسد" معنى واحدا هو سلبي، للغيرة معنيان: سلبي، وايجابي. فالغيرة في المعنى السلبي، "هي شعور الانسان بالانزعاج والمرارة، عندما يحصل انسان آخر يعرفه على مكسب ما، من سلطة، أو مركز، أو مال، أو ثقة الناس، أو غيرها من الأمور الأخرى، الذي يرى الانسان نفسه أكثر استحقاقا او أهلية من ذاك الاخر للحصول عليه". كما تعني الكلمة في معناها السلبي، "خوف الانسان وانزعاجه الشديد من أن يأخذ أو ينتزع شخصا آخر المكسب الذي هو حاصل عليه ويتمتع به ويعتبره ملكه الشخصي"، وبالتالي فان "الغيرة" في معناها السلبي، تلتقي مع معنى كلمة "الحسد" كون أن الكلمتين، تعبّران عن نفس مشاعر المرارة والانزعاج في قلوب حامليهما، أما المعنى الايجابي "للغيرة"، فهو الشعور بالحماس والاندفاع والالتزام، العاطفي والارادي والفكري الكامل، بشخص ما أو قضية ما. وهذا المعنى هو ليس موضوع بحثنا في هذه المقالة.
في كتابه، "كيف نفكّر في المشاعر"، الذي صدر عام 1985، ذكر المعالج النفسي المسيحي ليكارت، خمسة دوافع رئيسية وراء "الحسد والغيرة" هي: "رغبة الانسان الشديدة بالربح الشخصي، اهتمام الانسان الزائد بحقوقه الشخصية، عدم قدرة الانسان على المشاركة مع الاخرين، شهوة الانسان القوية للوصول الى المراكز وتحقيق الانجازات، واقتناص الانسان لنفسه نجاحات الاخر". وبادراكنا لهذه الأسباب الخمسة التي تغذّي الحسد والغيرة، نرى أن المشكلة الأساسية، تكمن في "خطيئة الانسان" كما يسمّيها الكتاب المقدس، والتي تتمظهر في أنانيته وتمركزه حول ذاته ورغبته في تملّك كل شيء، وتغييب الله والاخر عن حياته.
منذ قرون عديدة، قامت الكنيسة الكاثوليكية بتصنيف الخطايا الى صنفين: الصنف الاول، الخطايا العرضيّة الاقل خطورة، التي لا تقود بمقترفها الى انفصال كامل عن الله، والصنف الثاني، الخطايا المميتة، التي تقود بمقترفها الى انفصال كامل عن الله، وقد حدّدتها الكنيسة بسبع خطايا هي: الغضب الطمع، اللامبالاة، الكبرياء، الشهوة، الشراهة، وايضا خطية الحسد، وفي تعريفها للخطية المميتة، ذكرت الكنيسة الكاثوليكية بأنها مميتة لأنها: تهاجم القيمة الجوهرية في الحياة التي هي قيمة المحبة، وتدمّر تدريجيا حياة النعمة الداخلية، وتولّد بل تقود الى اقتراف خطايا اخرى مهددة الانسان بالموت الابدي، فمع ان هذا النوع من التصنيف ليس من نهج الانجيليين، اذ أن كل انواع الخطايا تعيق علاقتنا بالله وتؤدي بنا الى الهلاك الأبدي، اذا لم تعترف بها ونتوب الى الله، الا ان هذا الوصف للخطية المميتة، ينطبق الى حد بعيد على ما تقوم به خطيئتا الحسد والغيرة في حياتنا، فهما يهاجمان المحبة والنعمة فينا، ويقودانا الى اقتراف خطايا أخرى تؤدي الى انفصالنا الكامل عن الله.
من الأعمال الأدبية المشهورة والمعروفة التي كتبت في القرن الرابع عشر والتي لا تزال تدرّس في الجامعات حتى اليوم، "الكوميديا الالهية"، التي كتبها الكاتب الايطالي دانتي ألكيريري، وهي ملحمة أدبية شعرية، والمقصود بالكوميديا آنذاك، ليست قصة مضحكة كما هي اليوم، وانما قصة تنتهي بنهاية سعيدة، فهذه الملحمة تتحدث عن رحلة الكاتب الخيالية، يرافقه الشاعر فيرجيل، الى جهنم والمطهر والفردوس، وهي رحله مجازية تعكس رحلة النفس الى الله، وفي هذه الرحلة يلتقي الكاتب، الكثير من الخطاة الذين فعلوا الشر في حياتهم على الأرض، لهذا هم يتعرضون للعقاب في المطهر وجهنم، ومن بين هؤلاء، الحاسدين الذين ثقبت أعينهم بأسلاك معدنية عقابا لهم على فرحهم بالاثم وتمتّعهم بسعادة واهية خاطئة نابعة من التمتع برؤية الآم الاخرين. وانطلاقا من هذه الفكرة، رسم صديق الكاتب دانتي، الرسام غروتي، على حائط كنيسة، لوحة كاريكاتورية، صوّر فيها الحاسد كشخص له أذنان طويلتان للتّنصت ورصد كل خبرية واشاعة وفضيحة، ولسان كلسان الأفعى ليسمّم به كل سمعة انسان جيّدة، ولسانه طويل جدا الى حد أنه يرجع الى الوراء ليفقر عيون صاحبه، فيصبح أعمى غير قادر على رؤية الأمور والأحداث بموضوعية، لا شك أن هذه الصورة الكاريكاتورية تصف مشاعر الحاسد وان لم يرد أن يفصح عنها، يشبّه كاتب سفر الأمثال "الحسد"، بالسرطان الذي يفتك بالانسان وينخر بعظامه، فيقول " نخر العظام الحسد" (أمثال 14: 30)، الا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، كيف نواجه الحسد والغيرة في حياتنا؟ لا شك أن الحسد هو مشكلة كبيرة بل خطية كبيرة في حياة معظم الناس.وقد شبّهه كاتب سفر الأمثال بالعائق الكبير الذي يقف في وجه العلاقة الصحيحة مع الله ومع الآخرين، فقال: "من يقف قدام الحسد؟ (أمثال 27: 4).
في التحليل النفسي لدوافع الحسد والغيرة في حياة الانسان، تقول الكاتبة والمرشدة النفسية والمرسلة المسيحية اليزابيت كورنر، أن أحد الأمور التي يشير اليها الحسد والغيرة، هو النقص في ثقتنا بأنفسنا، وغياب نظرتنا الصحيحة وتقديرنا لفرادتنا وقيمتنا الحقيقية في نظر أنفسنا وفي نظر الله، يرافقه شعور في النقص في قدراتنا ومواهبنا، لهذا ومن باب التفكير في مواجهة الحسد والغيرة تقول الكاتبة، لنتذكّر دائما بأن كل منا قيمة فريدة بحد ذاتها، ونحن مميّزون في عيني الله أولا، وليس في عيني الناس، لأن الله خلقنا على صورته ومثاله، وأن لكل منا موهبة ثمينة مميزة يقدّمها للمجتمع، لا يملكها الشخص الاخر.