الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مشروع قانون مثير للجدل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، كشف الرئيس «المؤمن» محمد أنور السادات عن نواياه الحقيقية تجاه قضايا الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية، بطل الحرب والسلام تراجع عن وعود كان قد أطلقها فى بداية حكمه بإغلاق السجون وفتح المجال العام وإقامة حياة ديمقراطية سليمة.
ما هى إلا سنوات وظهرت للديمقراطية أنياب، وبدأت عملية «الفرم بالقانون»، وأحيل بعد أحداث 18 و19 يناير 1977 مئات السياسيين والكُتاب إلى السجون، واتخذ السادات عددًا من القرارات والإجراءات استفزت الرأى العام.
من ضمن تلك الإجراءات تمرير قانون «حماية القيم من العيب»، بدعوى «حماية المجتمع وحماية النظام، وليس توقيع عقوبات على أى فرد أو أى معارض، بل معاقبة من يحاول التغرير بالشباب»، بحسب تعبير الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء حينها.
القانون الذى تم تمريره فى النصف الأول من عام 1980، نص على أن «كل من ارتكب ما ينطوى على إنكار الشرائع السماوية أو ما يتنافى مع أحكامها، إما تحريض النشء والشباب على الانحراف عن طريق الدعوة إلى التحلل من القيم الدينية أو عدم الولاء للوطن، يتعرض للعقوبة وذلك وفقا لما نصت عليه المادة ١٧١ من قانون العقوبات هو كل من يتجاوز عمره ٢٥ عامًا ذكرًا أو أنثى».
لاقى قانون «العيب» معارضة واسعة من قبل سياسيين وكتاب، وأطلق عليه صحفيون «القانون سيئ السمعة»، وقالوا إن القانون يعيد البلاد إلى القرن الرابع قبل الميلاد، عندما أعدم الفيلسوف اليونانى سقراط، بتهم مماثلة، ووصفه الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين بالـ«كارثة».
بمجرد نشر نصوص مواده فى جريدة الأهرام قبل أن يصادق عليه البرلمان انطلقت احتجاجات ومظاهرات واسعة فى محيط نقابتى الصحفيين والمحامين بوسط القاهرة، والتف نواب السلطة وعدلوا بعض المواد فى محاولة لامتصاص الغضب، لكن فى النهاية مر القانون الذى استهدف به السادات ملاحقة «شوية العيال اللى بيشوهوا رموز الدولة»، على حد تعبير كبير العائلة المصرية.
بموجب القانون تشكلت محكمتا «القيم» و«القيم العليا»، بهدف ملاحقة كل من يعارض خطة بطل الحرب لإقامة سلام دائم مع العدو الإسرائيلى، لكن وللمفارقة سقط السادات قتيلًا برصاص «أولاده»، وبعدها بشهور أحيل شقيقه عصمت وعدد من أفراد أسرته إلى محكمة القيم، وأمر المستشار أحمد رفعت خفاجى بمصادرة 124 مليون جنيه، وأطلق على المتهمين من عائلة السادات خلال مرافعته «الفئة الطفيلية، والثعالب الضالة، التى تمارس الإرهاب وتفرض الإتاوات بهدف جنى المال الحرام».
مرت الأيام والسنوات وتم إلغاء محكمة القيم عام 2008، إلا أن القانون ظل قائمًا، وفى أكتوبر عام 2017 أعيد تشكيل محكمتى القيم والقيم العليا بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى ومجلس الهيئات القضائية.
قبل أيام أعلن النائب عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، أن الدكتور على عبدالعال، رئيس المجلس، أحال خلال دور الانعقاد الماضى مشروع قانون «تجريم إهانة الرموز» إلى لجنة مشتركة من لجنتى «الشئون الدستورية والتشريعية» و«الإعلام والثقافة والآثار»، لمراجعته وطرحه على البرلمان فى دور الانعقاد المقبل.
الهدف من مشروع القانون بحسب صاحبه حمروش: حماية الرموز والشخصيات التاريخية من العبث وعدم خداع الشعب بتشويه صورتهم، والإضرار بالمجتمع وزعزعة الثقة لدى الشباب فى الرموز والشخصيات التاريخية، وإثارة الجدل حول شخصيات ورموز تاريخية، والتى قد تؤدى إلى آثار خطيرة على المجتمع.
ويحظر مشروع القانون التعرض بالإهانة لأى من الرموز والشخصيات التاريخية، وذلك وفقًا لما يحدده مفهوم القانون واللائحة التنفيذية له، ويقصد بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة فى الكتب والتى تكون جزءًا من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة، وذلك وفقًا لما اللائحة التنفيذية له.
ونصت المادة الثالثة من المشروع: يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف كل من أساء للرموز الشخصيات التاريخية، وفى حالة العودة يُعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 5 سنوات، ولا تزيد على 7 وغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه.
ووفقًا لنص المادة الرابعة: يعفى من العقاب كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات، وذلك فى الدراسات والأبحاث العلمية.
مشروع قانون حمروش كما بدا لا يختلف كثيرًا فى مواده وأهدافه عن قانون العيب، ولا تختلف عقوباته عما جاء فى العديد من القوانين المقيدة للحريات، والتى تم تشريعها لحصار حرية الرأى والتعبير فى مصر عبر عقود.
يبدو أن النائب مقدم القانون لا يعلم أن قانون العقوبات المصرى محمل بترسانة من المواد السالبة للحريات والمقيدة لحق حرية الرأى والتعبير، فوفق ما رصده مراقبون هناك نحو 32 مادة تجرم السب والقذف وإهانة الرموز وتعاقب بالحبس والغرامة.
مجرد مناقشة القانون فى البرلمان، لا يعيدنا إلى قانون السادات فقط بل يعيدنا إلى أزمان الحضرة الخديوية الغابرة، التى صدرت فيها قوانين تجرم «العيب فى الذات الخديوية» ثم «العيب فى الذات الملكية»، وأحيل بموجبها صحفيون وكُتاب إلى محاكمات سجن فيها العشرات، منهم الأساتذة أحمد حلمى ومحمود عزمى وعبدالعزيز جاويش.
أنصح سيادة النائب بأن يسحب مشروعه، فالمجتمع المصرى لا يحتاج مزيدًا من الوصاية والحسبة، فمثل هذه القوانين لن تمنع العيب ولن توقف إهانة من اعتبرهم رموزًا، بل تضع مزيدًا من القيود على الحريات العامة.