الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أبيض وأحمر وبحيرات.. وأزمة سمك!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يبدأ اليوم موسم صيد الأسماك والذي كان عادة يتم فى أجواء ومظاهر احتفالية فرحًا ببدء موسم لتوفير الأسماك باعتبارها من مهام الأمن الغذائي المصري وفرص لتوفير الرزق للعاملين فى قطاع الصيد، فضلًا عن دعم الاقتصاد المصري.

وللأسف الشديد يبدو أن الأمور فى قطاع الصيد لا تسير فى نفس الأجواء القديمة بعد أن تراجع الكثير من المؤشرات والواقع الفعلي لهذا القطاع «صيد وإنتاج الأسماك «ولعل ذلك يرجع لعدة أسباب موضوعية منها انخفاض كبير وحاد فى الإنتاج السمكي فى مصر والإحصاءات الرسمية خير دليل مع قلة المعروض من الأسماك وجنون ارتفاع أسعارها نتيجة الفجوة بين العرض والطلب.

وما يبدو مثيرًا للاندهاش تلك الحالة الغريبة رغم أن الله قد حبا بلادنا بأكبر مسطحات مائية فى العالم، حيث إن مصر لها سواحل على البحرين المتوسط (الأبيض) والأحمر مع نهر النيل العظيم الذي يعتبر ثاني أطول نهر فى العالم بعد نهر الميسيسبي، فضلا عن اتساع العدد الكبير من البحيرات الطبيعية سواء على المياه المالحة أو المياه العذبة «البردويل – البرلس – مريوط – إدكو – قارون – الريان – المنزلة – التمساح – وبورفؤاد وحتي بحيرة ناصر» بالإضافة إلى خليج السويس.

الغريب أنه رغم تلك المسطحات المائية الطبيعية الموجودة فى بلادنا فإنه للأسف الشديد هناك انخفاض وتراجع ملحوظ فى كميات الأسماك، فضلا عن انقراض مجموعات مهمة من الأسماك المصرية الشهيرة منها «القرموط – التعابين – البياضة – البني واللبيس» مع قلة المطروح من الأنواع الأخرى من النباتات البحرية والأصداف وما يسمي فواكه البحر مثل أم الخلول – البقلويظ – القواقع البحرية – المحار وبلح البحر وغيرها.

ولأن الفجوة قد ارتفعت بين العرض والطلب فإنه للأسف توسع الاستيراد للأسماك من الصيد من الصين وفيتنام مثل الأسماك «الالسكا – الكاليماري – الجمبري «وللأسف حتي ما يسمي استيراد مفتتات التونة والسالمون» فضلا عن المعلبات مجهولة المصدر وعمليات التهريب للأسماك المصرية.

ولعل الأسباب الخطيرة التى أدت إلى ذلك التراجع الخطير فى قطاع الصيد باعتباره خطا أحمر للغذاء وبديلا للحوم الحمراء ويكشف:

حجم التعديات على البحيرات بالردم والتجفيف والمتاجرة غير المشروعة فى الأراضي من كبار حيتان ومافيا الأراضي.

يكفي أن نشير إلي كل من بحيرة البرلس التى كانت مساحتها ١٦٥ ألف فدان وأصبحت ١٠٣ وبحيرة إدكو كانت ٣٥ ألف فدان انخفضت إلى ٥ آلاف فدان فقط وهذا للدلالة والنموذج!!.

ارتفاع نسب التلوث بالصرف الصحي.

تزايد الصرف الزراعي والصناعي سواء بإلقاء المخلفات الصناعية أو كيميائية والمصيبة الكبري المواد البترولية المنسكبة بسبب حوادث الناقلات البحرية وانفجار المواسير على السواحل البحرية.

يضاف إلى ذلك كميات القمامة والمخلفات الأخرى المعروفة التى تلقي فى المسطحات المائية.

وقد أدي ذلك لتدمير الشعب المرجانية وقتل الأصداف والمخرجات البحرية الأخرى المعروفة بأنها ضمن مجموعة المأكولات البحرية من غير الأسماك، وقد أصبح قطاع الصيد يعاني ويواجه تحديات كبيرة منها:

الأوضاع الاجتماعية القاسية التى تواجه الصيادين سواء غياب مظلة التأمين الصحي وحتي التأمينات الاجتماعية مع غياب لوجود أي أنواع من الرفع المهاري أو التدريب أو التحديث لهذا القطاع.

اختفاء دور التعاونيات فى عمليات الإنتاج السمكي.

عدم توفير مستلزمات الإنتاج.

غياب الأسطول المصري للصيد الذي كانت تمتلكه الحكومة وعدم تنظيم لما يملكه القطاع الخاص من سفن ومراكب وفلايك صغيرة تستحق المساندة.

كما أدى انخفاض المخزون السمكي وارتفاع التلوث إلى توجه السفن المصرية إلى أعالي البحر نحو الجنوب إلى سواحل اليمن وإثيوبيا وإريتريا والسودان وكذلك التوجه إلى سواحل ليبيا والجزائر وتونس وحتى المغرب مما يدخل الصيادين المصريين فى مشاكل كبيرة سواء باحتجاز المراكب والسفن المصرية أو القبض وسجن الصيادين، فضلا عن المشاكل السياسية التي تنشأ بسبب المغامرة فى البحث عن الرزق من أجل توفير الأسماك للسوق المحلية.

إن الأمر يحتاج إلى كثير من المراجعات والدراسات والتطبيق الواقعي مع المتابعة.. لأن الموضوع أصبح جادا وخطيرا، بل مستهجنا بسبب عدم المصداقية فى التصريحات المعسولة الوهمية حول حل مشاكل هذا القطاع ومن هنا نتساءل: ما هو دور هيئة ما يسمى «تنمية الثروة السمكية»؟ وخططها حول التطوير والتطهير ومواجهة التلوث والتعديات وخطط المتابعة رغم صرف المليارات من الجنيهات خلال السنوات السابقة.. والفساد على عينك يا تاجر تؤكدها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات أو تقارير الرقابة الإدارية.

للأسف أين دور الوزارات المعنية بقطاع الصيد ومنها «الزراعة – الري – الصحة – البيئة – الداخلية» ويضاف لهم هيئة قناة السويس لقد وصلت الأمور من الخطورة إلى أن طالب وأعلن رسميًا رئيس الجمهورية بضرورة الاهتمام بتطهير البحيرات والمسطحات المائية فإن الأمر ما زال محلك سر.

ولعل الأغرب هو اتجاه الحكومة نحو إنشاء مزارع سمكية جديدة بالمليارات وكأن مصر دولة داخلية دون سواحل بحرية أو نهر النيل وخليج وبحيرات.. هل هذا معقول!!.

وكانت تلك المسطحات المائية «بحرين – خليج - نهر – بحيرات» تؤدي بنا إلى الاكتفاء الذاتي من الأسماك.. والمفروض أن تصدر الأسماك للخارج بدلًا من عمليات التهريب للأسماك التى كانت تتم من قبل القطاع الخاص.

إن التصريحات المعسولة والوهمية دون اهتمام حقيقي للتطبيق أو للمتابعة على أرض الواقع تأتى بنتائج عكسية.. لقد حذر خبراء وطنيون فى الثروة السمكية من أن حجم الإنتاج السمكي البحري سوف يزداد انخفاضًا إذا استمرت معدلات التلوث والإهمال بنفس المعدلات.. ومن هنا ندق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان.