الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خرافة الطب النبوي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى ظل هذه الأجواء المحبطة يساهم الكثير ممن يدعون مخافة الله والحرص على المسلمين كذبًا ورياءً على نشر الشعوذة والنصب والتدليس لإيهام المؤمنين والبسطاء وإيقاعهم فى فخاخ وأحابيل (المتاجرة بالدين). أولئك الفاسدون الذين استمرأوا نشر الخزعبلات والترهات وتسويق الدجل والتضليل، باسمه وباسم قدسيته، فلم ننته من شعوذة الإعجاز العلمى فى القرآن، حتى يجرى إنهاض شعوذة أخرى تحت مسمى فاقع ومتخلف هو «الطب النبوي» ومما يثير الحيرة والاستغراب أن تتولى منظمات وفضائيات معروفة وشخصيات تحمل درجات علمية الترويج له، كما تنشره مواقع كثيرة على الإنترنت، والأنكى من ذلك أن يعقد مؤتمر دولي يروج لهذه الشعوذة وهذا الدجل ويوصى بإنشاء مركز بحثى «للطب النبوي» برعاية دكاترة مزعومين وتشجيع رجال دين مخادعين.
ومفهوم (الطب النبوي) نشأ تاريخيًا على يد مجموعة من الفقهاء الذين ألفوا الكتب المختلفة فيه وكان الأشهر بينهم الفقيه الدمشقى ابن قيم الجوزية «٦٩١-٧٥١» هجرية الذى ألف كتابًا (سماه الطب النبوى) وهو مختزل أو مستند على كتاب شهير اسمه (زاد المعاد فى هدى خير العباد) للمؤلف نفسه... ويقول الباحث والكاتب العراقى طلال شاكر فى دراسته لموقع الحوار المتمدين: إن كتاب الطب النبوى هذا استند فى جله إلى مجموعة من الأحاديث النبوية المتواترة التى تتعامل مع قائمة من الأمراض المعروفة آنذاك، ويشكل سلوك النبى العملى فى أقواله واجتهاداته وكيفية معالجتها والمعتمد على (إذن الله فى شفائها) استلهامًا لفكرة الكتاب وروحه مثلا. إذا عانى الرسول من صداع فى رأسه فإنه يلجأ إلى الحناء لتغليف رأسه أو أن يحتجم من علة ما فذلك يعنى أسوة لغيره للتطبب بها ضف إلى ذلك وصاياه ونصائحه بخصوص ما يصادفه من حالات مرضية لمن يلتقيه من المسلمين وأصحابه، واتخذت من كتاب ابن قيم الجوزية هذا منطلقًا لبحث الموضوع متجنبًا الاستغراق فى تفاصيله ومصادره واقتباساته المختلفة التى ستصدع رأس القارئ بلا داع مفيد..الكتاب وغيره معروف لمن أراد الاستزادة... كتاب الطب النبوى لابن قيم فى المعيار العلمى الحديث هو كتاب بدائى ومتخلف بأفكاره ومنطلقاته ومعالجاته، حيث يقوم (الطب النبوي) على ركائز (علاجية)، محددة تشمل مجموعة من الأمراض وطرق معالجتها، وهى تشمل التداوى بالأعشاب المختلفة ومنها مثلًا وليس حصرًا.. الحبة السوداء، والحناء، والمسهلات وكذلك الزيت، والعسل إضافة إلى وصفات أخرى وهذا يمثل المستوى الأول... والمستوى الثانى عبارة عن مداخلات جراحية بسيطة بأدوات بدائية، إضافة الى الحجامة والفصد، والكى بالنار، ويترابط مع هذين المستويين منحى ثالث وهو روحانى إيمانى متداخل ومتشابك بقوة معهما كركيزة علاجية حاسمة فى (الطب النبوي) كالاسترقاء بالرقى المكتوبة كأحراز وأدعية بكلام الله، ثم الاستشفاء بالقرآن بكتابة آيات منه وفقًا لشروط وترتيبات معينة أو أدعية وكثيرا ما تخلط الأدعية بالماء ليشرب منها المريض وهى تخص مجموعة غير قليلة من الأمراض بما فيها عسر الولادة أو معالجة عرق النسا ومكافحة الحيوانات المفترسة والأفاعى والعقارب والحشرات الضارة وكذلك معالجة من كان مسحورًا أو مختلًا أو محسودًا.... والجدير بالذكرهنا أن أغلب شعوب الأرض تمتلك قيمًا مشتركة فى الموقف والاتقاء من الأرواح الشريرة والشياطين والاحتراز من أذاها وشرورها، ومعظمها قائم على أسس ومفاهيم بدائية ووثنية وهى ثقافة قائمة ومنتشرة لحد الآن رغم اختزال الكثير منها وترتيبها فى منظومات (دينية.. شرعية) من قبل الأديان التوحيدية، لكن الملاحظ اقتران طب باسم نبى لم يأت إلا لدى المسلمين فقط.
إن هذا الإصرار فى الدعوة على تقديم النبى وكأنه طبيب استثنائي مقتدر واستحضارهم لطب يقترن باسمه هو فى كل الأحوال إساءة للرسول وتشويه لدوره، ورسالته، فلماذا يثورون على كاريكاتير ينال من الرسول فى صحيفة دنماركية؟ ويغضون البصر عما يفعلونه وما يثيرونه من ترهات تصل حد السخرية؟.
هنالك مثال آخر لقد لقد جاء فى الصحيحين «مسلم والبخاري» أن النبى محمد قال إن «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين» من الناحية الطبية الحديثة لا يمكن الركون الى هذه الوصفة والتداوى بها لأنها تتعارض كليًا ومفهوم التشخيص والعلاج الحديث لأمراض العيون المختلفة، وعندما تفرض حاجة المريض الاستعانة بعلاج طبى حديث لعيونه المريضة سيعنى هذا إعراضًا ورفضًا منه لأى دواء آخر لايحمل نجاعته حتى وإن أسند إلى إذن الله أو بركة نبي، أو معجزة قديس.. ومن هنا ينشأ التعارض بين ما هو مقدس وما هو علمي.
وأخيرا،، اذا كان البعض يعتقد فى الطب النبوى ويصر أن المعالجة بالقرآن والاستشفاء به فكرة مجدية ولا بد منها، لارتباط ذلك بكتاب الله المنزل والمبارك، فالسؤال لماذا لا نسخر هذه (الفكرة) وتحويلها إلى وسيلة عملية واستخدامها بشكل منهجى مدروس على يد علماء دين وبمشاركة حكومية من خلال القيام بحملة منظمة تستهدف مئات الآلاف من المجانين والمرضى النفسيين الذين تعج بهم المستشفيات والعيادات النفسية فى بلداننا ومعالجتهم بالقرآن ولا يجد المرء أكبر من هذا ثوابًا وأجرا، ومنفعة للمجتمع..؟!!!

الإصرار فى الدعوة على تقديم النبى، وكأنه طبيب استثنائي مقتدر واستحضارهم لطب يقترن باسمه هو فى كل الأحوال إساءة للرسول وتشويه لدوره، ورسالته، فلماذا يثورون على كاريكاتير ينال من الرسول فى صحيفة دنماركية؟ ويغضون البصر عما يفعلونه وما يثيرونه من ترهات تصل حد السخرية؟