السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

طرقت باب «الرجاء» فلم يخذلني الرب.. "العذراء" في خدمة ذوي القدرات الخاصة طوال 21 سنة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حنان نيقولا: سمات إيجابية للأولاد.. وأصبح بينهم حفظة ألحان وشمامسة
تأسيس فريقى كورال وكشافة من ملائكة أسرة القديسة مهرائيل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال الآونة الحالية بمرور 100 عام على تأسيس مدارس الأحد بالكنائس، بالتزامن مع إعلان عام 2018 عامًا لذوى القدرات الخاصة ومن هنا، تسلط «البوابة» الضوء على خدمة ذوى الاحتياجات الخاصة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتى بدأت فى الظهور بين جدران كنائس مصر منذ حوالى 29 عاما.
وفى كنيسة السيدة العذراء مريم بمسرة، وتحديدا أسرة القديسة مهرائيل لذوى الإحتياجات الخاصة «الرجاء»، تلك الأسرة التى يقول القائمون عليها بأن الهدف منها كان إدخال البهجة على تلك الفئة من الأبناء «المظلومين»، وإخراجهم من القمقم الذى يعيشون فيه، لا هدف سوى ذلك ولا هدف أنبل منه فى الأساس، تلك «الأسرة» ـ والتى يطلق عليها أسرة لأنها بالفعل كذلك، فهى لم تكن مجرد خدمة بالشكل الروتينى والمنتشر كأقرانها، فكانت تهدف لإسعاد الأولاد وأهاليهم فقط، حيث لا نية منها للتأهيل أو ما شبه، رغم تحقق ذلك بالفعل ولكن بشكل طفيف.
وباتت أسرة القديسة مهرائيل تقدم أنشطتها وخدماتها ومساعدتها لـ«الحلوين» طيلة 21 عاما حتى اللحظة، وباتت أيضا بركة الله متجلية بها فى كل الأوقات، فرغم المجهود الجبار الذى يحتاجه مخدومو الخدمة، إلا أن الله دوما ما يسدد ذلك حتى حال ندرة الخدام، وأما عن أموال دعم الخدمة والتى تُجمع بشكل ذاتى عن طريق خدامها والمسئولين عنها، ومن يريدون التبرع لأولئك الأطفال، كانت دوما كافية وتفيض، تلك الخدمة التى يؤمن عشرات الخدام الذين شاركوا فيها بأنها ستكون بوابة دخولهم للسماء، بعد أن خدموا عبر خط عمرها أكثر من 100 مخدوم، تلك الخدمة التى اهتمت بتأهيل الخادم ومشورة الأهل وفرحة الابن ورضا الله، تلك الخدمة التى سنحاول خلال السطور التالية أن نستعرض مراحل تكوينها منذ أن كانت فكرة وحتى الآن.
البداية
كانت البداية، عندما فكر مجموعة من خدام كنيسة السيدة العذراء مريم بمسرة، فى خدمة ذوى القدرات الخاصة، وبدأت الفكرة فى ظهور ملامحها وتبلور أركانها وأخذ حيز البداية فى التنفيذ فى سبتمبر من عام 1997، بعد موافقة أمين التربية الكنسية آنذاك المهندس الراحل خليل زكي.

أصحاب الخبرة
ويروى القائمون على تأسيس الخدمة أنه خلال أول اجتماع لهم كان الشغل الشاغل هو كيف نبدأ تلك الخدمة، خاصة أنهم ليسوا ذوى أصحاب خبرة فى التعامل مع تلك الفئة من الملائكة، إلا أنهم وجدوا ضالتهم فى ثقل معلوماتهم فى الأمر بالاستعانة بخبرات سابقة، وبالفعل تم التواصل مع أمناء الخدمات المشابهة فى الكنائس المحيطة، وكان لخدام ذات الأسر بكنيستى مار مرقس شبرا، والعذراء روض الفرج «أسرة البركة» الفضل فى تشجيع الخدام على اكتمال هدفهم.
اختيار الخدام
كانت المهمة الأولى لأولئك الخدام هى جمع الحالات بمحيط الكنيسة، حيث تم الأمر بمساعدة خدام الكنيستين السابق ذكرهم، فجمع الأسماء والأعداد وأنواع الحالات وتصنيفها، كان أولى مراحل العمل الميدانى فى عملية التأسيس، حتى يتثنى الوقوف على كل الحالات التى تحتاج لتلك الخدمة، وكان عدد المخدومين حينها حوالى 20 مخدوما، هم من بدأت عليهم الخدمة، وكان عدد الخدام لهم حوالى 15، وكان عدد الخدام كبيرا جدا بالنسبة لعدد المخدومين مقارنة بالخدمات الأخرى بالكنيسة، إلا أن طبيعة الحالات كانت تحتم ذلك، حتى يستطيع كل خادم أن يتكفل بالعناية والاهتمام بمخدومه.
بداية العمل
حدد القائمون على الخدمة حينها موعد البداية والعمل، وكان ذلك فى الجمعة الأولى من صوم الميلاد «الصيام الصغير»، والموافق يوم الجمعة 28 نوفمبر عام 1997، بعد أن تم اختيار اسم للأسرة وشفيعًا لها، والذين كانوا (أسرة الرجاء، والقديسة مهرائيل)، وكان يجمع المخدومين حينها ميكروباص الكنيسة مع الاستعانة بأربع سيارات خاصة للخدام، تجوب محيط الكنيسة حسب التوزيع الجغرافى لأماكن سكنهم، ونوع حالتهم، «من يستطيع الصعود للميكروباص ومن يحتاج إلى سيارة ملاكى لسهولة الركوب»، كما تم تحديد موعد الخدمة يوم الجمعة، نظرا لذهاب المخدومين لمدارس خاصة بهم طيلة الأسبوع، ومنها المدارس الداخلية، كما أن ذلك اليوم مناسب جدًا لوجود وفرة فى الخدام، وأيضا لعدم تضاربه مع موعد خدمات ذات الأولاد بالكنائس الأخرى.
التغلب على المشاكل
واجهت الأسرة ببدايتها عدة عواقب متعلقة بكيفية الخدمة، منها وجود مكان مناسب لإقامة الاجتماعات وممارسة الأنشطة المختلفة بشكل يتناسب مع إعاقات الحركة لبعض المخدومين، فهناك صعوبة فى انعقاد الخدمة بصحن الكنيسة وممارسة الألعاب بداخلها، وأيضا قاعات مبنى خدمات الكنيسة بسبب الأدوار العليا، وعدم وجود مكان آخر يتسع للأعداد وطبيعة الحركة، إلا أن الحل جاء سريعا من الله بإتاحة عقد الخدمة فى نادى الكنيسة المواجه لها، حيث كان ذلك موعد اجتماع خدام الكنيسة بالنادي، إلا أنه عقب عرض الأمر عليها رحبوا بالاستغناء عن جزء من وقتهم لملائكة الكنيسة الجدد.
أفكار جديدة
بدأت يد الله تمتد لخدام أسرة الرجاء، فالـ15 عددهم زاد فزادت الأفكار وأساليب التعليم والترفيه، والـ4 سيارات أصبحت رتلا وأصبح كل مخدوم يحضر من منزله مباشرة دون الحاجة لأماكن تجمع، وبدلا من أن يكون الدرس فى اليوم لمجموعة مختلفة الأعمار والتصنيفات، بات هناك تقسيم حسب العمر الذهنى ودرجة الإعاقة، الأمر الذى خلق أفكارا جديدة للخدمة وتعديل السلوك اليومى لبعض المخدومين، لتدخل خدمات أخرى فى مساعدة الأسرة الوليدة، ومنها مسرح العرائس، حيث تم خلق خصية كرتونية خاصة بالأسرة وهى «كرنبة هانم وكركر بيه»، وهما الشخصيتان اللذان لاقى قبولا رهيبا من المخدومين، مكن الخدام من خلالهم من توصيل السلوكيات والمعلومات الدينية المراد تعليمها بشكل مبسط وفكاهي.
حفلات.. ورحلات
اتسعت دائرة عمل الأسرة، وبات الخروج خارج حيز الكنيسة أمرا مطلوبا، فمن هنا بدأ التفكير فى أمور جديدة، منها إقامة الحفلات وتنظيم الرحلات وأيضا إقامة مؤتمرات خارجية، فبالنسبة للشق الأول فإن حفلات أعياد الميلاد وعيدى الميلاد والقيامة أظهرت حب المخدومين لذلك اللون من المناسبات، فتم اعتماد الفكرة بشكل أكبر على مدار السنة، وذلك على شاكلة العرائس والموسيقى واللعب، الأمر الذى يساعد ذوى الإعاقة فى إخراج طاقاتهم.
أما بالنسبة للشق الثاني، فتم تنظيم رحلات مختلفة سواء دينية أو ترفيهية أو تعليمية، فالملاهى والمصايف وحديقة الحيوان وطاحونة البابا كيرلس كانت البداية، لتستكمل اليوم بكنيسة القديس بشنونة ودير سمعان الخراز ورحلات «الداى يوز» بحمامات السباحة، والتى تقام بشكل دورى وفى أماكن قريبة من الكنيسة.
أما المؤتمرات فبات للكنيسة مؤتمر سنوى للأطفال وذويهم «مصيف» وتنوعت بيوت المؤتمرات التى زارتها الأسرة، حسب ظروف كل عام، إلا أن وجود خدمات ملائمة لذوى الإعاقة هو أهم ركن فى اختيار مكان إقامة المؤتمرات.
نمو روحى
كان النمو الروحى هو أصعب ما يواجه الخدام فى المخدومين، نظرا لصعوبة الاستيعاب، إلا أن الخدام لاقوا فى القداس الإلهى وسر التناول ضالتهم، ولأن علاقة الإنسان بالله هى الشغل الشاغل للجميع، فقد قررت الأسرة تنظيم يوم لحضور القداس بصحبة المخدومين، كى يحصلوا فيه على سر التناول، أحد أسرار الكنيسة السبعة، ويعد التناول من أهمها، وقد كان للأمر مردود بالغ السعادة على القائمين على الخدمة، وتم ذلك بتكرار مرور السيارات على المخدومين أحد أيام الجمعة من كل شهر.
البشاير
بعد التأكد من اصطحاب المخدومين إلى الله عن طريق التناول، وبعد أن تم تنمية بعض مهاراتهم السلوكية، وبعد أن انتشى المخدومون من الفقرات الترفيهية، بدأ عليهم ظهور بعض القدرات الإضافية، وبزوغ نجم قدراتهم التى لم تكتشف من ذى قبل، فالوقت الذى يقضونه بصحبة خدامهم، كشف الكثير والكثير من القدرات التى تحتاج للتبني، ومن هنأ بدأ تقديم نشاطات مختلفة بالكنيسة، بعد تدريبهم بكثافة، ومنها المسرح والكورال، وبدأ التقديم فى حفلى رأس السنة أسوة بالخدمات الأخرى فى الكنيسة، الأمر الذى لاقى انبهارا من المصلين، إلا أن تطور الأمر وبدأوا فى تنظيم معارض بصوم السيدة العذراء خلال النهضة لأعمالهم الفنية، فعامل الخشب والخرز والرسم على الزجاج كان أهم المشغولات التى تعرض.
رعاية وعناية
خصصت أسرة الرجاء، مجموعة من الخدام بها وذلك لافتقاد المخدومين بمنازلهم، وذلك للوقوف على تصرفاتهم الحياتية اليومية، ولمعرفة ما إذا كان المخدوم فى حاجة لعناية إضافية أم لا، وأيضا للتواصل مع أسرته ومحاولة وضع أى خطط أول حلول لمشكلات قد تظهر على المخدوم، كما أن الأمر لاقى ترحابا شديدا سواء من المخدومين الذين تضفى مثل تلك الزيارات البهجة على قلبه، أو للأهالى الذين يجدون فى ذلك فرصة للتواصل مع الخدام والشعور بقيمة أبنائهم.
فريق كورال وكشافة
وباتت ثمار الخدمة جلية للجميع، ففى الوقت التى ينشغل فيه الخدام فى تحضير الدروس الأسبوعية، باتت هناك أفكار يتم عرضها على المسئولين عن الخدمة، تعكس أهمية وحجم ما يقدم ويبذل من مجهود، فها هناك مطالبات بتأسيس بيت كامل لخدمة ورعاية الأطفال، إلا أن المسئولين عن الخدمة يرون بأن ما يقدمونه عظيم أمام الله، وأن هناك متخصصين لذلك الأمر وهناك مشروعات تجارية خاصة ومنتشرة بكثرة.
أما من الأمور التى تعكس تطور الخدمة، فتم الآن تأسيس فرق كورال وفريق كشافة من ملائكة الأسرة، يمارسون النشاطين بالطريقة التى تناسبهما، والتى دوما ما يثنى القائمون عليهم مما يقدمه المخدومون بهم.
ثمرات العمل
يدرك جميع القائمين على الخدمة بأن حب أولئك الملائكة كالمغناطيس، فمبجرد التعامل معهم تجد نفسك تنجذب إليهم بشكل عجيب، وأن الأولاد يقدمون لهم حبا عجيبا، حيث سرد لـ «البوابة» أحد القائمين على الخدمة موقفا قائلا: «هناك أهالى لا يتصلون بأبنائهم خلال سفرنا بالمؤتمرات، إلى أنه ذات مرة أخذ أحد الخدام الهاتف وقام بمكالمة الطفل وكأنه والده، الذى ظهرت عليه ملامح الفرحة العارمة والإطراء بكلمات متلعثمة بالحب الشديد، والتشديد على حبهم لسماع صوتهم دائما» ليعكس الموقف العطاء الشديد فى الحب من قبلهم، كما سردت إحدى الخادمات رواية أخرى تقول فيها، توفى والدى بالتزامن مع عيد ميلاد المخدومة المسئولة مني، وفور علمهم بأننى أنوى الحضور لمنزلها للاحتفال بعيد الميلاد رفضوا تماما احتراما لمشاعري، الأمر الذى كان له أثر عظيم داخلي، فى حين قال آخر، كنت بالخدمة العسكرية وبدأت فى الانقطاع عن الخدمة لتلك الظروف، وكانت أمورى صعبة للغاية، إلا أن أحد الخدام جعل المخدومين يذكروننى فى صلواتهم يوم الخدمة، الأمر الذى جعلنى أنتظر دوما حدوث شىء جيد يوم الجمعة وهو ما كان يحدث بالفعل.
سقوط حبات
يروى خدام الأسرة، أن أوقات فقدان أحد المخدومين تعد من الأوقات الصعبة عليهم، وأن الأمر يجعلهم يمرون بظرون نفسية سيئة، فيقول أحد الخدام، «على قد فرحتنا بشفيع جديد لينا فى السما، على قد ما بنبقى موجوعين»، وخلال السنوات الماضية فقد كل من « نادر، كرم، مجدي، كرستين، شيرين، جورج، ناهد، ماهر، رفلة، مارلين».
العين الخبيرة
تقول الدكتورة حنان نيقولا، استشارى الإعاقة الذهنية بمركز سيتى المتخصص، أن خدمة ذوى القدرات الخاصة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية بدأت فى نوفمبر 1989 من خلال أسرة القديس أبانوب بكنيسة السيدة العذراء مريم بأرض الجولف، لتليها مباشرًا تأسيس ذات الخدمة بكنيسة العذراء بروض الفرج «أسرة البركة» عام 1990، وهى الأسرة التى كانت تخدم كل منطقة شبرا بأكملها، إلى أن قامت بـ«نقل نموذج» للعديد من الكنائس، لتأسيس ذات الخدمات بها، ازداد عدد المخدومين وقل الخدام، ولم تكن هناك مساحات مناسبة لاستقبال المخدومين، فتمت عملية مساعدة الكنائس على البدء بالخدمة لديهم.
وأوضحت استشارى الإعاقة، أن لمثل تلك الخدمة مردودا إيجابيا جدا على جميع الأصعدة، سواء أكانوا مخدومين أو خداما أو أهالى أو كنيسة ككل، فها نحن بعد أن كانت الملائكة حبيسى الأربع حيطان هم وأهاليهم، باتوا يرون النور فى أجواء تعليمية ومفرحة، كما أن أهاليهم بدأوا فى مواجهة خوفهم من نظرة المجتمع لهم ولأبنائهم، خاصة أنه أصبحت هناك محاولات لتذليل مشكلات ذويهم، وأضافت «نيقولا»: كان الأمر عبارة عن «عملية دمج مجتمعى جزئي» موضحة أن الدمج الكلى هو أن يتعايش ذوو الإعاقات مع أقرانهم فى نفس المرحلة بشكل طبيعي، مشيرا إلى أن فكرة تخصيص جزء لهم من الأساس يعد شيئا إيجابيا.
وأشارت، إلى أنه ظهر جليا على الأولاد سمات إيجابية جدا بفضل الخدمة، ومنها، الاعتماد على ذاتهم، الثقة فى النفس، اختلاف طرق تعاملهم من الأشخاص، وأخيرا خروج بعضهم للعمل، ملفتة إلى أن التطور ظهر جليا سواء روحيا وسلوكيا ومجتمعيا، فبعد أن كان شغلنا الشاغل أن تعلمهم الصلاة على سبيل المثال، فها قد أصبح بينهم حفظة ألحان وشمامسة.
وأضافت «نيقولا»، أن حالة من الرضا العام حاليا حتى على المسئولين، لما يرونه من تطور للمخدومين، حتى أن الكنيسة الأرثوذكسية خصصت منافسات لذوى الإعاقة بمهرجان الكرازة، أسوة بالأسوياء، كما أن كنيسة العذراء بروض الفرج أنشأت هى الأخرى مهرجان «البركة» وهى المهرجانات التى أبرزت مواهب أبنائنا.
واختتمت، رغم التطور الدائم والتوسع الكبير لنا فى خدمة ذوى القدرات، إلا أننا هدفنا الأساسى روحي، وبسؤالها هل تساهم الكنيسة فى محاولات تعيين المخدومين بنسبة الـ5%، أكدت أن ذلك ليس دور الكنيسة، ولكننا نحث أولياء الأمور على محاولة البحث عن حقوق أبنائهم من خلال عقد لقاءات دورية معهم.