الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

شارل بودلير.. شاعر التنافر والتناقض

الشاعر الفرنسي شارل
الشاعر الفرنسي شارل بودلير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قدَّم الشاعر الفرنسي شارل بودلير رؤيته للشعر الجديد، فكتب قصيدة النثر، محاولًا بذلك إيجاد روح الموسيقى في الشعر بعيدًا عن الكلمات والوزن والقافية، بعيدًا عن النغم والنظرة الكلاسيكية لمفهوم القصيدة، وأيضًا لاستيعاب العديد من تناقضات الحياة اليومية.
هذه المحاولة التي بحثت عن الموسيقى في التنافر والشر وفي السلوك البشري الغريب وفي الحب المنكسر والرغبات المكبوتة وفي العواطف التي لم تجد قلبًا تأنس إليه وتفيض ببوحها تجاهه. 
ففي رسالةٍ له إلى صديق يتحدث بودلير عن رغبته في منجز شعري صاخب ومختلف قال: "فمَنْ منا لم يحلم- في أوج طموحه- بمعجزة نثر شعري، موسيقى بلا إيقاع ولا قافية، سلس ومتنافر بما يكفي للتوافق مع الحركات الغنائية للروح، وتموجات أحلام اليقظة، وانتفاضات الوعي؟".
بودلير، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم الجمعة، كان قد ولد في باريس 9 أبريل 1821، ورحل أيضًا في باريس 31 أغسطس 1867، عمل على خلق اتجاه شعري مغاير، وفي اللحظة نفسها واجه حربًا كبيرة من المحافظين والتقليديين، فكانت رؤيته للشعر أنه مصدر ألم، وأن الشاعر معرض للعذابات والقسوة في هذا العالم ما دام فضّل طوال حياته الشعور بالنغمات الخفية التي يتراقص عليها الكون.
فنراه يقول: 
وَالشَّاعِرُ شَبِيهٌ بِأَمِيرِ الْغُيُوم/ يَغْشَى الْعَاصِفَةَ وَيَهْزَأُ بِالسِّهَام/ مَنْفِيًّا عَلَى الأَرْضِ وَسْطَ صَيْحَاتِ السُّخْرِيَة/ تَعُوقُه أَجْنِحَتُه الْعِمْلاَقَةُ عَن الْمَسِير.
فهو يحلق في عالم بعيدة، يجتاز الصعاب، ويتجاهل السهام بل يهزأ منها، لكنه على كل حال يعيش وحيدًا منفيًّا لأنه يشعر بأشياء لا يحسها أحد ولا ينتبه إليها إلا مرهفو الحس، وهذه المطاردة التي يتعرض لها ذلك الشاعر المتألم تصاحبه منذ الولادة، فماذا تفعل تلك الأم التي تلد شاعرًا، يقول: 
عِنْدَمَا تَجَلَّى الشَّاعِرُ فِي هَذَا الْعَالَمِ الضَّجِر/ بِقَرَارٍ مِنَ الْقُوَى الْعُلْيَا/ أَشْهَرَت أُمُّه المَذْعُورَةُ الطَّافِحَةُ بِالتَّجْدِيف/ قَبْضَتَيْهَا نَحْوَ الرَّب، الَّذِي يُشْفِقُ عَلَيْهَا/ آه! لِمَ لَم أَضَع حَشْدًا مِنَ الْحَيَّات/ أَفْضَلَ مِنْ إِرْضَاعِ هَذَا الْمَسْخ!/ اللَّعْنَةُ عَلَى لَيْلَةِ الْمَلَذَّاتِ الْعَابِرَة/ الَّتِي حَمَلَت فِيهَا بَطْنِي كَفَّارَتِي.
ويلجأ بودلير إلى مصدر الإلهام الخفي للشعر، ليتساءل عما جرى لها في صباح يوم امتلأت نفسه بالرؤى المخيفة وانتشر الرعب بداخله متمنيًا أن تعيد تلك القوى في إلهامه العديد من الصور المتنافرة والموسيقى المختبئة داخل تجاويف روح الشعر فيقول: 
يَا رَبَّةَ شِعْرِيَ العَلِيلَةَ/ وَا أسَفَاه! مَاذَا جَرَى لَكِ هَذَا الصَّباح/ عَيْنَاكِ الْغَائِرَتَانِ مُفْعَمَتَانِ بِالرُّؤَى اللَّيْلِيَّة/ وَعَلَى سِحْنَتِكِ يَنْتَشِرُ، وَاحِدًا وَرَاء الآخَر/ الْجُنُونُ وَالرُّعْبُ، وَالْبُرُودَةُ وَالسُّكُوت/ فَهَل صَبَّت الشَّيْطَانَةُ الْخَضْرَاءُ وَالْعِفْرِيتُ الْوَرْدِي/ عَلَيْكِ الْخَوْفَ وَالْحُبَّ مِنْ جِرَارِهِمَا؟/ هَل أَغْرَقَكِ الْكَابُوسُ، بِقَبْضَةٍ مُسْتَبِدَّةٍ عَاصِيَة/ فِي أَعْمَاقِ مِينتُورن خُرَافِيَّة؟/ كَم أَوَدُّ أَنْ تَغْشَى الأَفْكَارُ الْقَوِيَّة دَائِمًا/ صَدْرَكِ الَّذِي يَفُوحُ بِأَرِيجِ الْعَافِيَة/ وَأَنْ يَنْسَابَ دَمُكِ الْمَسِيحِيُّ فِي دَفْقَاتٍ إِيقَاعِيَّة/ مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْمُوَقَّعَةِ لِلْمَقَاطِعِ الْقَدِيمَة/ الَّتِي يُهَيْمِنُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاوُبِ/ أَبُ الأَغَانِي فُويبُوس، وَبَان الْعَظِيمُ سَيِّدُ الْحَصَاد.