الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

نجيب محفوظ.. فيلسوف الرواية العربية

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قدم الروائي الكبير نجيب محفوظ نفسه عبر تاريخ ممتد من المثابرة والعمل الدءوب، تميز بالبساطة والإنسانية، وأتاح حبه للناس البسطاء أن يبادلوه الحب نفسه، ولا تحتاج نصوصه إلى تعريف فقد عَرفها، بل حفظها القاصي والداني محليًا وإقليميًا وعالميًا؛ عرفها رجل الشارع عبر شخصيات رآها على الشاشة، وقد تماست معه تمامًا.
محفوظ، الذي تحتفي الأوساط الأدبية والثقافية بمصر والعالم، بذكرى رحيله الـ12، حيث رحل عن عالمنا في 30 أغسطس من العام 2006.
نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا ولد في 11 ديسمبر 1911 بميدان بيت القاضي بحي الجمالية بالقاهرة، وأمضى في هذا الحي طفولته، واستلهم منه أركان رواياته التي كتبها فصعد معها إلى آفاق الأدب الإنساني.
تنحدر أسرة نجيب محفوظ من مدينة رشيد، وكان جده قد نزح إلى القاهرة ولقب "بالسبيلجي" لأنه يملك سبيلا يشرب منه عابرو السبيل، وهو أول عربي حائز على جائزة نوبل في الأدب، كتب نجيب محفوظ منذ بداية الأربعينيات واستمر حتى 2004. 
تدور أحداث جميع رواياته في مصر، وتظهر فيها الحارة التي تعادل العالم، يُصنف أدبه باعتباره أدبًا واقعيًا، ويعد أكثر أديب عربي حولت أعماله إلى السينما والتليفزيون.
سُمي نجيب محفوظ باسمٍ مركب تقديرًا من والده عبد العزيز إبراهيم للطبيب المعروف نجيب باشا محفوظ الذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة.
يصف نجيب والدته بأنها: "سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزنا للثقافة الشعبية، وكانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار، والغريب أن والدتي أيضًا كانت دائمة التردد على المتحف المصري، وتحب قضاء أغلب الوقت في حجرة المومياوات.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير "مار جرجس، وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين و"مار جرجس" في نفس الوقت تقول "كلهم بركة" وتعتبرهم "سلسلة واحدة"" وتأثر محفوظ بهذا التسامح الجميل فبرأيه الشعب المصري لم يعرف التعصب، وهذه هي روح الإسلام الحقيقية". 
وكان محفوظ أضعف أطفال الكتاب في حفظ القرآن، وكان يقرأ اللوح ثلاثين مرة، فيشعر أنه في حاجة ليقرأه ثلاثين مرة أخرى لكى يحفظه، كما كان محفوظ أضعفهم بنية، حيث يروي: "كانت عظامي كالشماعة، وجلدى معلق فوقها كالرداء وكان يخطف زملائه منى "ربع رطل الحلاوة" التي تلفه لي أمي كل صباح، ويلقون بقشر البيض المسلوق في وجهي، وكانت بطلة المعارك في خطف الطعام طفلة تدعى "عيشة" وإذا حاول أحد الاقتراب منها تنشب معركة حقيقية.. وكان يهرب منها محفوظ بالارتماء على "الحصير" ولف نفسه بها حتى تتحول لـ"حصنه الحصين".
وفي مدرسة "البراموني الأولية" تعلم محفوظ "سيرة العفاريت"، والتي كان يتحدث عنها مدرس العربي لحصص بأكملها، وكانت لا تخرج أبدًا من ظهر الأرض إلا إذا سرق أحدهم الطباشير أو نسى الواجب.. ويقول محفوظ كنت أغني وأنا صغير أغنية فيها اسم "زرمبيحة" فطلب الجيران من أمي أن توقفني عن ذلك وإلا ظهرت لنا العفريتة "زرمبيحة"!
أما عن حلم الطفولة فيحكي محفوظ في سيرته التي دونها إبراهيم عبد العزيز في كتابه "أنا نجيب محفوظ" أنه كان يحلم بأن يكون "سائقا للترام"، لأنه كان شيئا عجيبًا بالنسبة له وهو صغير وكان الناس يدعون الترام بـ"العفريت".
ويقر محفوظ أنه كان في صغره "بليدا" كارها للدراسة، فكانت بالنسبة له البعبع التي تسرق أجمل لحظات حياته وبداية لعصر الإرهاب بالنسبة له، فكان لا يقوم بواجباته حتى يضرب، حتى جاء يوم ومرض فيه، فتغيرت معاملة الأسرة لتصبح أكثر رقة ولطفًا وأغرقوه بالهدايا، وبعد أن شفي أراد لتلك المعاملة الطيبة أن تستمر ومن وقتها أصبح مجتهدًا في الدراسة.
ثالثة ابتدائي كانت بداية حب محفوظ للأدب حين أعطاه صديق "رواية بوليسية"، ومن هذا اليوم لم يتوقف أديبنا الصغير عن القراءة، فكانت القراءة تسليته الوحيدة لعدم امتلاك أسرته لتليفزيون.
كان لمحفوظ في صغره أربع هوايات: "لعب الكرة في الشارع، وسماع أغاني سيد درويش ومنيرة المهدية، وسلامة حجازي، وقراءة كل ما كتب".
كان نجيب محفوظ يعشق كرة القدم ولعبها لمدة عشر سنوات ولم يأخذه منها سوى الأدب، وأول ما جذب محفوظ للكرة عندما فاز الفريق المصري على الإنجليزي، وكان يعتقد أن الإنجليز لا ينهزمون، ليكتشف أن الكرة هي الشيء الوحيد الذى نستطيع ضربهم فيه دون أن يتمكنوا من ضربنا، فكنا بالكرة نجابهم بلا خوف وننتصر عليهم.
كتب العديد من الأعمال التي لاقت نجاحا كبيرا وانتشار واسعا على مستوى العالم مثل: ملحمة الحرافيش، الثلاثية، أولاد حارتنا، بداية ونهاية، زقاق المدق، عصر الحب، الشحاذ، اللص والكلاب، الطريق، الجريمة، عبث الأقدار، رادوبيس، وغيرها الكثير.
في أكتوبر 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته "أولاد حارتنا"، أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدما.
وظل متمتعًا بالحياة والطاقة الإبداعية لمزيد من العمر حتى توفي في 30 أغسطس من العام 2006.