السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

«الحجرة رقم 12».. قصة تحدثت عن زواج السلطة بالمال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى قصة «الحجرة رقم ١٢» والتى نشرت ضمن المجموعة القصصية «الجريمة» والصادرة عام ١٩٧٣، يتناول نجيب محفوظ قضية تزاوج المال مع السلطة، وقدرة الرأسمالية على التوحش ولا سيما عندما ترتكز الثروة فى يد قلة تتوارثه وتلاعب بالسلطة منتجة كما هائلا من الفساد والأزمات، بالإضافة لتراجع فرص نجاح الديمقراطية.
لقد تعرضت كتابات محفوظ للقراءات النقدية المتعددة، وكان من بينها المتناقض، ويبدو أيضا أن الكثير من النقاد أرادوا أن يروا محفوظ بمنظورهم الذاتى لا بمنظوره هو ورؤيته الخاصة، لكن محفوظ أكبر من ذلك، أكبر من أن يتم ضغطه داخل قالب واحد، لذلك تجده من الطبيعى أن يشير إلى فساد الرأسمالية الحرة ولا يعنى هذا مدحه للاشتراكية أو الشيوعية.
ولقد كانت كتابات محفوظ تعبيرا واضحا وشاملا لكل أبعاد الحياة، فنجد مثلا الطالب الثورى والاشتراكى وجيل الستينيات الذى عاش حلم الخلاص من براثن الاستعمار، وعندما تحطمت آمال المصريين فى أعقاب نكسة ٦٧ لاقى ذلك الجيل المهزوم صدى إحباطه وسط كتاباته أيضا، ومع صعود التيارات الإسلامية المتطرفة على الساحة بدعم سياسى واسع إبان حكم السادات، كان ذلك واضحا أيضا فى أعماله.
وخلال قصته القصيرة «الحجرة رقم ١٢» يناقش مسألة شديدة الأهمية وتعتبر مفصلية وحاسمة فى حياة وطننا، وهى تزاوج المال والسلطة، وتوحش الرأسمالية وعدم قدرة الطبقات الفقيرة على اللحاق بالركب أو تحمل عبئهم وأزماتهم وفسادهم.
وفى شكل خيالى رائع يتحدث محفوظ عن السيدة بهيجة الذهبى التى استأجرت غرفة فى أحد الفنادق وكانت مثيرة للدهشة والاستغراب، وعند أول مرة تلتقى فيها بمدير الفندق تثير ذهنه، فيستدعى الفراش الذى حمل حقائبها ويسأله عن أفعالها، فيخبره أنها أمرته بإخلاء السرير من غرفتها فهى لا تأمن النوم على سرير يسمح بمساحة خالية تحته ويمكن لشخص أن يختبئ فيها، ربما كان تخوف المرأة هو نفسه الخوف الذى يستشعره المال فهو كما يصفونه جبان، يخشى المواجهة، ويستسلم للأمن، وعندما أغلقت السيدة غرفتها ظلت تتحدث إلى نفسها بصوت يسمعه المارة من أمام الباب ثم تطلب وجبة شهية تكفى لإطعام ستة أشخاص فتقضى عليها تماما، حتى اتهمها المدير بأنها مصابة بالخوف والنهم.
كانت الليلة ماطرة جدا ومرعدة وقد بدأت السيدة بهيجة فى استقبال زوارها الذين جاءوا تباعا فلقد زارها، رجل وامرة من الصفوة، أربع نساء وأربعة رجال، طبيبة ولادة، مقاول، صاحب معرض أثاث، بقال، قصاب، صاحب محل عطور وأدوات زينة، موظف كبير بمصلحة الضرائب، رئيس مؤسسة، صحفى معروف، تاجر جملة، سمسار شقق مفروشة، وكيل شخصية عربية من أصحاب الملايين، جماعة من الرجال والنساء يرتدون المعاطف مندوبى جمعية إحياء التراث بلغ عددهم عشرة أشخاص، نفر من أساتذة الجامعة ورجال الدين ورجل غامض، ضابط ومخبر.
هل تكفى الحجرة لاستقبال كل هؤلاء فى وقت واحد؟! إن سلوك السيدة بهيجة المريب ونهمها الواضح ومناصب ومكانة هؤلاء الذين يزورونها يثير الكثير من الأسئلة فى ذهن القارئ، ليدرك أن حجرة صغيرة لا تكفى لكل هذا العدد، ويدرك أن مناصبهم ووجاهاتهم تقف عائقا أمام اتخاذ ما يلزم من الإجراءات، فقد ازدحمت الحجرة بعدد مهول من الشخصيات الكبيرة والقوية، وكان من الصعب جدا أن يتحمل المدير مسئولية ذلك، ولا ضجيجهم الذى أزعج الكل، حتى بات من العسير فتح الباب.
هكذا كانت الحجرة التى استقبلت كل هذا العدد واستمروا فى الأكل والشرب والغناء، حتى سمع البعض قولهم: «الدنيا كاس وسيجارة» معبرا عن حالة اللامبالاة التى استسلموا لها.
يعرف مدير الفندق أنه لا بد يأتى وقت ويصطدم بهذه الفئة لكنه كان يؤجل كل هذا خوفا من مكانتهم ومناصبهم، لقد تراجع منتظر الوقت الذى ينفجر فيه البركان، تلك الأحداث الغريبة التى استخدمها محفوظ للدلالة على سوء تصرف أهل المال والسلطة، فقد تعاونوا على الفساد وإزعاج الآخرين.
ويجدر بنا أن نتساءل عن بقية الشعب: أين هم من حجرة السيدة المثيرة والغريبة بهيجة الذهبي؟ لقد زارها جمع من عامة الشعب وحانوتى لكنها أمرت أن ينتظرها فى الاستراحة عند مدير الفندق بينما استمرت فى الإذن للوجهاء والصفوة أن يصعدوا مباشرة لحجرتها، ويواجه الفندق مطرا كبيرا مثل السيل لم يسقط منذ سنين وبدأ الماء يتسرب للحجرات من خلال ثغرات فى سطح الفندق، كانت تلك هى اللحظة التى حتمت على الكل المواجهة، وكان على المدير أن يتصرف بحكمة وسط هذا الطوفان المتلاطم فى قلب الليل، فيأمر الفراشين بسد الثغور فوق السطح بأكياس الرمال.
وفوجئ المدير بقيام عامة الشعب الذين ينتظرون فى الاستراحة بمشاركة الفراشين فى سد الثغرات وحماية الفندق من هجمات المطر القوية فأحس المدير من مشاركتهم ارتياحا كبيرا، وازداد ارتياحه عندما أعطى أوامره بإهمال الغرفة ١٢ ليواجهوا وحدهم الزوبعة التى راحت تزلزل المكان، فكان كأنه قد تخلص من عبء ثقيل واسترد الثقة وصفاء الذهن.