الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أزمة القراءة بين تحديات الصحافة ومحنة الكتاب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تلقي ظاهرة العزوف عن القراءة أو ما يسمى "بأزمة القراءة" بظلال قاتمة حول العالم بقدر ما باتت هذه الظاهرة حاضرة في النقاش العام بين المثقفين بشأن التحديات التي تواجه الصحافة ناهيك عن محنة الكتاب وصناعة النشر ككل. 
ومع تعدد الأسباب المطروحة للنقاش بشأن التحديات التي تواجه الصحافة يتفق الكثير من الكتاب والمعلقين على أن ما يعرف "بأزمة القراءة احد اهم هذه التحديات" وإن اعتبر البعض أن هذه الأزمة تخص الصحافة الورقية اكثر من الصحافة الرقمية لعزوف الشباب عن شراء الصحف الورقية وهي ظاهرة أيضا في الكتب الأدبية والإصدارات الثقافية على وجه العموم حيث يؤكد خبراء أن الكتاب الورقي في طريقه للانقراض.
ورأى الكاتب الصحفي الكبير في جريدة الأهرام صلاح منتصر ان انخفاض توزيع الصحف "جاء بسبب ظهور أجيال لم تعرف قراءة الصحف" فيما ذهب إلى أن عدد السكان الذين تعلموا في المدارس زاد "ولكن نقص عدد القراء لأن عددا كبيرا من الأجيال الصاعدة لم يتعلم أو يتعود قراءة الصحف في بيوتهم".
وأضاف ان "مشكلة الصحافة ليست مصرية بل عالمية" موضحا أن توزيع الصحف الورقية انخفض في كل أنحاء العالم جراء اتجاه الشباب الى الوسائل الالكترونية وهو ما أفضى "لتحول صحف ورقية كثيرة الى الكترونية".
وفي إشارة دالة وجامعة مابين التحديات التي تواجه الصحافة والكتب معا قال صلاح منتصر ان من يتمعن من القراء في كيف بدأ هو تعلم قراءة الصحف وتعود الإمساك بالصحيفة يجد ان هذه العادة بدأت في البيت من صحيفة وكتاب في مكتبة جمع فيها الأب الكتب التي قرأها فامتدت اليها يد الطفل "وعرف معنى الكتاب".
والذي حدث- في قول الكاتب الكبير صلاح منتصر- ان المشهد تغير "فالأبناء لم يجدوا صحيفة أو كتابا في بيوتهم وبالتالي لم يعرف الأبناء "متعة قراءة صحيفة أو كتاب وهذه هي أصل المشكلة". 
وفي اتجاه مشابه تناول أستاذ القانون الدكتور سليمان عبد المنعم "ظاهرة العزوف عن القراءة" مشيرا إلى أن هناك من يميل إلى تآكل وربما انقراض القراءة كعادة تربوية منذ الصغر لجيل نشأ في بيت لايعرف عادة شراء الصحف ولا ربما اقتناء الكتب عموما. 
واعتبر الدكتور سليمان عبد المنعم ان "ازمة الصحافة جزء من ازمة اعم واشمل هي ازمة المعرفة" التي تشير معدلات القراءة وحركة التأليف والنشر الى تفاقمها فيما كان معلقون وأصحاب اهتمامات وأطروحات ثقافية قد أعربوا عن شعور واضح بالانزعاج حيال مؤشرات وأرقام وإحصاءات معلنة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير لانخفاض معدلات القراءة في مصر.
ومن بين هذه المؤشرات ان عدد مرات التردد على المكتبات العامة والمتخصصة ومكتبات الجامعات والمعاهد بلغ في عام 2015 نحو خمسة ملايين ونصف المليون شخص وهو رقم اتفق العديد من المعنيين بقضايا القراءة واسئلة الكتاب على انه "رقم ضئيل في بلد يصل مجموع من يعرفون فيه القراءة الى نحو 40 مليون شخص". 
وفيما تشير دراسات الى ان العامل الاقتصادي او القدرة الشرائية تنطوي على اهمية كبيرة في مسألة القراءة أوضحت دراسة منشورة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن نسبة قدرها 48 فى المائة من الشباب المصرى فى الفئة العمرية من 15-29 عاما تأتى القراءة فى المرتبة الثالثة ضمن هواياتها، كما أظهرت أهمية المكتبات العامة لأن نسبة تصل إلى 61 فى المائة من بين هذه الفئة تعتبر الاستعارة من المكتبات هى المصدر الأساسى لقراءة الكتب.
وفسر الشباب مسألة عدم الإقبال على القراءة الحرة بشكل عام إلى عدم تشجيع الأسرة وكثرة القنوات التلفزيونية ثم كثرة الأعباء المدرسية وتبين أن 27 فى المائة من الشباب الذين يقومون بالقراءة يخصصون جزءا من دخلهم الشهرى لشراء الكتب ويبلغ المتوسط نحو 34 جنيها شهريا.
وعلى المستوى العربي يفيد "تقرير المعرفة العربي" ان عدد متوسط ساعات القراءة للإنسان العربي يبلغ سنويا نحو 35 ساعة من بينها نحو 15 ساعة للمجالات ذات الصلة بالدراسة أو العمل، كما يوضح التقرير - وهو ثمرة لجهد مشترك بين "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي" - أن المتوسط العربي لعدد الكتب المقروءة سنويا يبلغ نحو 16 كتابا من بينها نحو سبعة كتب للمجالات ذات الصلة بالدراسة او العمل.
ويسلم الناشرون بأهمية العامل الاقتصادى في قضايا القراءة واقتناء الكتاب فيما تنتج مصر نسبة تتجاوز 85 فى المائة من الكتب فى العالم العربى واعتبر بعضهم ان السبيل لصنع "مجتمع قارىء" يتمثل فى قيام الأسر بتنمية عادة القراءة لدى الأبناء واهتمام مؤسسات التعليم بالمكتبات وتيسير سبل الاستعارة والتوسع فى إنشاء المكتبات العامة.
ولأن أسئلة القراءة تشكل هما عالميا وعابرا للثقافات فها هي الكاتبة الأمريكية ايلي كابلان تتناول أهمية القراءة وسبل زيادة معدلاتها مؤكدة على أن "القراءة مفتاح رئيس للنجاح" ومعيدة للأذهان بعض النماذج الشهيرة عالميا كأمثولة للنجاح مثل الملياردير بيل جيتس حيث عمد هذا المبرمج العبقري والمؤسس لشركة" مايكروسوفت" لتكريس حيز كبير من وقته للقراءة.
والأمر المهم عند مثقفة مهمومة بقضايا وأسئلة القراءة مثل ايلي كابلان "تحويل القراءة الى عادة يومية" فيما تنقل عن خبراء ومتخصصين في قضايا القراءة انه إذا كان المرء يريد حقا أن يقرأ فسيجد الوقت للقراءة مثلما يجد الوقت " لممارسة الألعاب ومشاهدة التلفاز وتصفح الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي".
وترى ايلي كابلاناان من فوائد القراءة أنها "تقلل الشعور بالتوتر وتزيد من مستويات التركيز وتساعد على تقوية الذاكرة" لافتة إلى أن هناك "الكثير من الأوقات المهدرة أو الخفية على مدار اليوم يمكن استغلالها في القراءة". 
وفي الغرب ثمة ملاحظة ساخرة منذ سنوات لايفور براون حول احد أسباب أزمة القراءة وهى تلك النزعة الخاطئة من بعض الكتاب أو المؤلفين وهي انهم يكتبون ما يكتبون وعلى القارىء أن يجد التفسير بنفسه وتوهم انه ليس من العبقرية أن تكون الكتابة واضحة..وكان البعض فى مصر والعالم العربى قد جنح بعيدا لحد القول انه غير معنى بالقارىء دون أن يكلف نفسه عناء الإجابة عن سبب نشر أعماله وطرحها فى المجال العام والتوجه لهذا القارىء مادام لا يعنيه ؟!.
وقد تكون الإجابة على هذه النزعة التي تعمد للغلو في الغموض وإرهاق القاريء دون مبرر وإحباط توقعاته بالمتعة بل والتنفير من القراءة عموما هي ما نقلته ايلي كابلان عن خبراء ومتخصصين من انه " لا مانع من ألا يستكمل القاريء الكتاب إذا وجده غير ممتع أو مفيد كما كان يتوقع والبدء بقراءة كتاب آخر مناسب لتفضيلاته".
و حتى على مستوى الكتابة الرقمية أو الانترنتية فثمة نصائح فى الصحافة الثقافية الغربية من اجل جذب المزيد من القراء وهى نصائح موجهة للكتاب مثل ضرورة استغلال جوانب القوة فى الوسيط الالكترونى والبحث عن الأفكار المتفردة والملهمة والاهتمام بجماليات الأسلوب والعرض والسعى لإحداث الانفعال المنشود لدى القارىء بكتابة متقنة ومفعمة بالمشاعر مع اتفاق عام على أن الكاتب هو فى نهاية المطاف "محصلة ما يقرأه".
وإذ يقول القاص والفنان البريطاني مارك بيلينجهام إن "القراءة لابد وان تكون متعة" مؤكدا على انه "ينحي جانبا أي كتاب عندما يفتقر للمتعة أثناء قراءته" فواقع الحال أن قضايا القراءة في العالم أو "علم القراءة" كما يحلو القول للبعض باتت تشكل تخصصا ثقافيا له أعلامه من المثقفين الكبار المهمومين بهذه القضايا مثل الكاتب والروائي والمترجم الأرجنتيني الأصل والكندي الجنسية البرتو مانجويل.
وإذا كان من المطلوب والمفيد أن تبقى أسئلة القراءة مطروحة مصريا وعربيا وعالميا مع تحديات تبحث عن حلول وطموحات باعلاء قيمة الكلمة والكتاب فينبغي ملاحظة ظاهرة دالة في حدث ثقافي مهم مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب وهي الاقبال الكبير على الكتب ذات المحتوى الثقافي الجيد.
والأمر لايختلف كثيرا في النقاش الدائر الآن بزخم ملحوظ حول تحديات الصحافة وسط اتفاق عام على أهمية "تطوير المحتوى التحريري لجذب القارئ" وهي مسألة لا غنى عنها سواء في الصحافة الورقية او الالكترونية.
وإذ يقول الدكتور سليمان عبد المنعم ان الناس مازالت تقبل على ما يستحق القراءة مؤكدا على أهمية "الجاذبية والتطوير والابتكار في المحتوى" فانه يسلم أيضا بأن "سلم التطلعات والقيم اختلف كثيرا" عما كان المجتمع يعرفه من قبل فيما ينفق الكثير من الأشخاص معظم وقتهم واهتمامهم في الفضاء الالكتروني منصرفين عن قراءة الصحف.
ومنذ اكثر من نصف قرن صدر كتاب حول قضايا القراءة في مصر والعالم العربي بعنوان:"لماذا نقرأ"؟ فيما صدرت طبعة جديدة منه مؤخرا وهو يحوي رؤى وطروحات لآباء ثقافيين ومبدعين كبار مثل عباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ويحيي حقي واسماعيل صبري عبدالله وحسين فوزي وحلمي مراد والسيد ابو النجا وجمال العطيفي وصلاح عبد الصبور.
وفي هذا الكتاب يلتقي القاريء العربي بهؤلاء المثقفين الكبار في فصول متتابعة حول "القراءة" وخبرات وآراء وانطباعات مثيرة للدهشة بقدر ماهي ممتعة ومفيدة لاستعادة عادة القراءة في العصر الرقمي.
وفي الآونة الأخيرة وبعد ان توقفت صحف عربية كبرى عن الصدور او تحولت للصيغة الرقمية وحدها توالت أطروحات لكتاب في الصحافة المصرية والعربية ولفت البعض لدراسات ترجح ان يكون "عام 2050 هو العام يكتب كلمة النهاية للصحافة الورقية" كما أشار بعض الكتاب والمعلقين "للبعد البيئي" المتمثل في توجه عالمي مناوئ لاستخدام أخشاب أشجار الغابات في صناعة الورق بغرض حماية البيئة ومواجهة ظاهرة التغير المناخي.
أما على مستوى الكتاب فإن رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور هيثم الحاج علي رأى أن "الكتاب الورقي لن يستمر في المستقبل" بالزخم الذي كان عليه من قبل معتبرا ان "الكتاب الالكتروني" يمكن أن يحل أزمة طباعة الكتب بعد ارتفاع أسعار الورق.
واذا كانت الاتفاقيات بشأن "الكتب المسموعة" بين كيانات عالمية كبرى في عالم النشر تحظى باهتمام وسائل إعلام دولية ضمن تغطيتها للتطورات السريعة على هذا المضمار في الفضاء الالكتروني فان الدكتور هيثم الحاج علي تحدث عن "جيل جديد" في مصر والعالم العربي لا يفضل الكتاب الورقي بل يقرأ على "الكمبيوتر والهاتف والتاب" على حد تعبيره.
ومع انه أشار إلى دراسات عالمية تتوقع اختفاء الكتاب الورقي بحلول عام 2040 ليصبح الكتاب الالكتروني هو الأساس فقد أوضح الدكتور هيثم الحاج علي أن ذلك لا يعني أن الكتاب الالكتروني سيكون بديلا للكتاب الورقي تماما في الخطط المستقبلية للهيئة المصرية العامة للكتاب وهو توجه يتسق مع جديد المتغيرات في عالم النشر.
وفى بلد كبريطانيا التى عرف شعبها بحب القراءة لا تكاد المناقشات تتوقف عن تأثير الانترنت على القراءة فيما يقول جيمس بريدل فى صحيفة الأوبزرفر أن منتديات القراء تزدهر بالفعل على الشبكة العنكبوتية حيث تتردد باستمرار أسئلة مثيرة للارتياح بشأن حال القراءة مثل:" ماهو الكتاب التالى الذى تنصحونى بقراءته؟".
ومع ذلك فهناك على المستوى العالمي هناك حتى الآن من يتحدث بحنين عن مزايا الكتاب الورقي رغم "تغول استحقاقات العصر الرقمي والتحول نحو الكتاب الالكتروني" تماما كما يتحدث البعض عن مزايا الصحيفة الورقية.
وحسب كلمات لفرانسين بروس في طرح نشرته صحيفة الجارديان البريطانية فان من اهم العناصر المحببة في عملية القراءة لكتب وإصدارات ورقية حتى بالنسبة للأطفال ما تنطوي عليه من "خصوصية وحميمية" وهو عنصر تزداد قيمته مع الانتهاكات الحادة والغليظة "للخصوصية" في العصر الرقمي و"التلصص الالكتروني على عادات الآخرين وميولهم على شبكة الانترنت".
وتثير مواقع التواصل الاجتماعي جدلا ثقافيا بين المبدعين الذين يؤيد بعضهم استخدام مواقع مثل "فيس بوك" و"تويتر" و"انستجرام" بينما يشعر البعض الآخر بالنفور حيال هذه المواقع المعروفة "بالسوشيال ميديا".
ولئن بات السؤال المطروح في الغرب والشرق معا:"هل تخدم مواقع التواصل الاجتماعي الأدب أم تضره وتعادي الإبداع الحقيقي" ها هي الأديبة البريطانية زادي سميث تقول إن استخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي يهدد كتاباتها موضحة أن تفادي استخدام مواقع مثل تويتر وانستجرام "يحمي حقها في الخطأ ويحول دون تعرضها لردود الفعل الفورية من جانب جمهور المتلقين" غير ان هذه الردود الفورية او التفاعل سواء في الصحافة او الأدب يشكل عنصر قوة في تقدير الكثير من خبراء الإعلام والاتصال الجماهيري. 
ولئن أبدت الروائية البريطانية زادي سميث نفورا من ردود الأفعال الفورية حيال الكتابات الابداعية على مواقع التواصل الاجتماعية فإن بعض المبدعين مثل الشاعر الجزائري ميلود حكيم يرحبون بالتفاعل والتعليقات على هذه المواقع. 
ولئن كانت "ظاهرة كتاب مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك" فرضت نفسها على الفضاء الالكتروني حيث وجد مبدعون في هذا الموقع وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي حيزا للكتابة والتواصل مع المتلقين فان هذه الظاهرة لا تخلو من سلبيات حيث "اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين والجيد بالرديء" مما أثار قلق كثير من النقاد الذين يتمسكون بالمعايير المتعارف عليها للكتابة ناهيك عن الإبداع معتبرين أن "الفيس بوك" لا يمكن أن يحل بديلا للمجلة الثقافية أو الكتاب كوسيط ثقافي.
ولا ريب أن القضية تتسع باتساع الفضاء الافتراضي ومستحدثات ثورة الاتصالات التي طالت عالمنا العربي بقدر ما تشكل تحديات سواء على مستوى الصحافة أو الكتاب وثمة حاجة جوهرية لاستجابات مبتكرة وغير تقليدية في مواجهة هذه التحديات ومن اجل اللقاء المأمول بين الأحلام والخطى.