الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

اقتصاد

"الصين– إفريقيا" يؤسس لمرحلة الشراكة الشاملة بين بكين والقارة السمراء

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشكل قمة منتدى التعاون الصينى- الإفريقى الذى يعقد فى بكين، بمشاركة زعماء الصين والدول الإفريقية، وفى مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى بداية سبتمبر المقبل، نقطة تحول فى مسيرة التعاون الاقتصادى والتجارى بين الجانبين، ومن المقرر أن تؤسس القمة لمرحلة الشراكة الكاملة فى إطار الاستفادة من الفرص الاستثمارية والتجارية المتاحة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.
وبدا حرص الجانب الصينى على مشاركة الرئيس السيسى فى القمة جليًّا فى تأكيد وزير خارجية الصين وانج يى مؤخرًا على المكانة الكبيرة التي تحظى بها مصر لدى الصين، وتطلع بلاده إلى مشاركة الرئيس السيسى في القمة.
وفى المقابل أكدت مصر– على لسان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى مؤخرًا- حرصها على تعظيم الاستفادة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين، وتعزيز التعاون على الأصعدة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والصناعية، لتمويل وتنفيذ المشروعات القومية والخدمية التنموية، وضخ استثمارات فى قطاعات مهمة.
وثمّنت الحكومة المصرية دور الاستثمارات الصينية في المشروعات القومية الكبرى، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ومحطتي توليد الكهرباء من الفحم بالحمراوين، ومشروع عتاقة لضخ وتخزين الكهرباء، ومشروع القطار المكهرب (مدينة السلام– العاشر من رمضان/ بلبيس)، ومشروع تطوير سكك حديد أبو قير– الإسكندرية، ومشروع مجمع فوسفات الوادي الجديد لإنتاج حامض الفوسفوريك، وتوسعة المرحلة الأولى من مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة بشمال غرب خليج السويس، والتعاون في مجال الاستشعار عن بُعد، ومشروعات تطوير شبكات الصرف الصحي بالقرى المصرية، فضلا عن مشروع تطوير ميناء العين السخنة.
من جانبها أبدت الصين اهتمامًا بالاستفادة من موقع مصر الجغرافى وخاصة محور قناة السويس لتعزيز علاقتها مع إفريقيا، فى إطار مبادرة الحزام والطريق.
فى هذا الصدد أكد الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس رئيس المنطقة الاقتصادية للقناة مؤخرًا، أن مصر تتطلع لزيادة التعاون بين الصين وإفريقيا من خلال موانئ المنطقة الاقتصادية الستة، لافتًا إلى أن محور قناة السويس يدعم التعاون بين الصين وإفريقيا في مختلف المجالات.
فى السياق نفسه تزايد اهتمام الشركات الصينية بالسوق المصرية خلال الأعوام الأربعة الماضية نتيجة تحسن بيئة الاستثمار وتدشين المشروعات القومية الكبرى والإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها الحكومة المصرية.
فى ذلك الصدد أكدت الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، أن العلاقات الاستثمارية المصرية الصينية شهدت تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، معربة عن تطلع الحكومة المصرية لأن تصبح الصين ضمن أكبر 10 دول مستثمرة بمصر، وزيادة عدد الشركات الصينية في مصر والبالغ عددها 1558 شركة بقطاعات تكنولوجيا المعلومات والكهرباء والاتصالات والمواصلات والنقل.
ويشكل قطاع الاتصالات مجالًا مواتيًا للاستثمارات الصينية بمصر، حيث أكد الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مؤخرًا الدور الفاعل للشركات الصينية العاملة بالسوق المصرية في مجال الاتصالات وتصنيع الألياف الضوئية، والعدادات الذكية وغيرها من الصناعات ذات الصلة.
وتسعى الصين لتعظيم الاستفادة من طريق الحرير فى مضاعفة تجارتها مع الدول الإفريقية لتصل إلى 400 مليار دولار بحلول 2020 من خلال الاستفادة من المزايا التفضيلية التى تتمتع بها مصر، ومن بينها السوق الضخمة التى تضم حوالى 100 مليون مستهلك، فضلًا عن كونها بوابة لأكثر من مليار مستهلك يقطنون في الدول التي تتمتع فيها السلع المنتجة بمصر بمعاملة تفضيلية مثل دول الاتحاد الأوروبي والكوميسا والدول العربية والولايات المتحدة.
كما تهدف الصين من وراء تعزيز تعاونها الاقتصادى والتجارى مع مصر إلى تدعيم تواجدها التجارى بالقارة الإفريقية عن طريق الاستفادة من منطقة التجارة الحرة التى أقرها زعماء الدول الأعضاء بالتكتلات الإفريقية الثلاثة (الكوميسا/ سادك/ تكتل شرق إفريقيا)، خلال قمتهم بشرم الشيخ فى العاشر من يونيو 2015 والتى تعد الأكبر على مستوى القارة الإفريقية، حيث تضم 26 دولة، من بينها مصر، ويمثل الناتج المحلى الإجمالى لها حوالى 60% من إجمالى الناتج المحلى للقارة الإفريقية/ حوالى 1.2 تريليون دولار/ وتضم أكثر من 56% من سكان القارة.
وتشير إحصائيات المصلحة العامة للجمارك الصينية إلى أن حجم التجارة بين مصر والصين زاد بنسبة 24% على أساس سنوي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالى، ليصل إلى 7.5 مليار دولار، من بينها صادرات صينية بقيمة 6.5 مليار دولار، بزيادة 22.6% على أساس سنوي، في حين بلغت الواردات الصينية من مصر مليار دولار أمريكي بزيادة 34.1% على أساس سنوي.
وبلغ حجم التجارة بين البلدين خلال يوليو الماضى 1.298 مليار دولار، من بينها صادرات صينية لمصر بقيمة 1.07ر1 مليار دولار مقابل واردات صينية من مصر بقيمة 223 مليون دولار.
وفى محاولة لتعزيز حجم التبادل التجارى مع الصين أعلنت مصر– على لسان محافظ البنك المركزى المصرى طارق عامر مؤخرًا– أنه سيجري تجديد اتفاقية مبادلة العملات مع الصين بقيمة 2.7 مليار دولار في ديسمبر المقبل.
من جهة أخرى أوضحت دراسة أصدرتها جمعية رجال الأعمال المصريين أن مصر ستجنى العديد من المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية حال انضمامها رسميًّا إلى الاتحاد التجارى للحزام الاقتصادى لطريق الحرير الذى يضم حاليًّا أكثر من 50 دولة، مشيرة إلى أن انضمام مصر إلى طريق الحرير البحرى، من شأنه تنشيط التجارة الداخلية والخارجية مع دول أعضاء الاتحاد/ طريق الحرير البحرى.
كان الرئيس الصينى قد أطلق مبادرة "إحياء طريق الحرير" خلال جولته بدول أسيا الوسطى ودول جنوب شرقى آسيا فى سبتمبر وأكتوبر 2013 على التوالى، تحت عنوان "التشارك فى بناء الحزام الاقتصادى لطريق الحرير"، و"طريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين.
من ناحية أخرى شهدت العلاقات التجارية بين الصين والقارة الإفريقية نموًّا ملحوظًا خلال الأعوام الخمسة الماضية مدعومة بتعهد بكين بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا ورغبتها فى تأمين احتياجاتها من المواد الأولية والطاقة.
وأعلنت المصلحة العامة للجمارك الصينية أن قيمة التجارة بين الصين وإفريقيا خلال النصف الأول من العام الحالى بلغت 99.84 مليار دولار أمريكي بزيادة 17.3%، مشيرة إلى أن قيمة صادرات الصين إلى إفريقيا بلغت 37ر50 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالى، بزيادة 8.1%، فيما بلغت قيمة وارداتها من إفريقيا 47ر48 مليار دولار ، بزيادة 6ر28%، حيث انخفض الفائض التجاري بين الجانبين بنحو 6ر78% على أساس سنوي ليصل إلى 1.9 مليار دولار لصالح الصين.
وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التجارة بين الصين وإفريقيا بلغ 57ر154 مليار دولار أمريكي في الفترة يناير- نوفمبر عام 2017، بزيادة 8ر14% على أساس سنوي لتتجاوز نسبة النمو العامة للتجارة الخارجية الصينية في نفس الفترة بـ8ر2 نقطة مئوية.
وبلغ حجم الصادرات الصينية إلى إفريقيا 83ر85 مليار دولار أمريكي، بزيادة 3ر2% على أساس سنوي في الفترة يناير- نوفمبر 2017، بينما بلغ حجم الواردات من إفريقيا 74ر68 مليار دولار أمريكي بزيادة 4ر35%.
فى السياق نفسه أعلنت الصين– التى تسعى من خلال مبادرة طريق الحرير التي تضم دول الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري والبحري إلى بناء شبكة تجارية، وتأسيس بنية تحتية تربط قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا- مؤخرًا عزمها استثمار حوالى 60 مليار دولار إضافية فى إفريقيا.
وبنهاية عام 2016، وصل حجم الاستثمارات الصينية في إفريقيا إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي ، مقابل 20 مليار دولار عام 2012، و10 مليارات دولار عام 2009، و5 مليارات دولار عام 2006، وأسهمت الاستثمارات الصينية فى خلق 130750 فرصة عمل بالقارة الإفريقية خلال الفترة ما بين 2005 و2016.
وتسارعت وتيرة استثمارات الشركات الصينية بالقارة الإفريقية، حيث أظهر تقرير حديث لمؤسسة ماكنزى العالمية أن إجمالي عدد الشركات الصينية فى إفريقيا بلغ حوالى 10 آلاف شركة عام 2017.
ورسمت سياسة الصين تجاه إفريقيا منذ حوالى 5 سنوات خارطة طريق لمستقبل العلاقات الصينية- الإفريقية؛ بهدف تعزيز الصداقة التقليدية والتعاون والثقة السياسية المتبادلة بين الطرفين ترتكز على مبادئ الإخلاص والنتائج الملموسة والتقارب وحسن النية.
واستنادًا إلى هذه المبادئ، رسمت الصين وإفريقيا مسارًا للتنمية المشتركة وبناء علاقات أقوى من أي وقت مضى بين الجانبين اللذين يضمّان معًا ما يزيد على حوالى 2.5 مليار نسمة، أي نحو ثلث سكان العالم.
فى ذلك الصدد قال نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان مؤخرًا: إن قادة الصين وإفريقيا سيضعون مخططًا من أجل إقامة علاقات أوثق خلال قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي المقبلة، والتى ستركز على سبل الدمج بين الاستراتيجيات التنموية للجانبين وتنسيق السياسات في إطار مبادرة الحزام والطريق وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وأجندة الاتحاد الإفريقي 2063.
وارتكزت العلاقات الصينية- الإفريقية على أسس سياسية واقتصادية أوسع وأعمق من المفهوم الضيق للاستحواذ الصينى على الموارد الطبيعية خاصة في ظل تداخل عوامل داخلية وخارجية صينية كان لها دور مهم في تشكيل السياسة الصينية تجاه إفريقيا.
وأسهمت قمة منتدى التعاون الصينى الإفريقى التى عقدت في ديسمبر 2015 بجوهانسبرج، فى دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إفريقيا والصين إلى الأمام، حيث وجه المشاركون بالقمة رسالة قوية إلى المجتمع الدولى مفادها أن الصين وإفريقيا تقفان معًا من أجل التنمية من خلال اتفاقيات التعاون التى غطت مجالات التصنيع والزراعة والبنية التحتية والمالية والتجارة والحد من الفقر والصحة العامة وغيرها.
وتحولت الصين إلى أهم شريك اقتصادي لإفريقيا خلال عقدين من الزمان، حيث جلبت الشركات الصينية المزيد من استثمارات رأس المال والتكنولوجيا وفنون الإدارة ومهارات تنظيم الأعمال لعدد كبير من الدول الإفريقية، وأسهمت فى تسريع تقدم الاقتصادات الإفريقية.
ويرى محللون اقتصاديون أن الصين تقود ما يطلق عليه "عولمة بديلة" لمواجهة العولمة التي تقودها القوى الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة، وترتكز على المنفعة والفائدة المتبادلة مع الدول الأخرى، وخاصة الدول الإفريقية بعيدًا عن الضغوط السياسية. 
من جهة أخرى أشادت الدول الإفريقية بإسقاط الصين جزءًا كبيرًا من الديون الإفريقية المستحقة لها، حيث أكد مسئولو تلك الدول أن الإعفاء من الديون يلعب دورًا إيجابيًّا فى مساعدة الدول المدينة بتخفيف أعباء ديونها، ودفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من جانبها قدمت الصين مساعدات ومعونات بمختلف أشكالها إلى 53 دولة إفريقية، فى إطار ما يسمى "التعاون بين دول الجنوب" لدعم جهودها لتنفيذ حزمة متكاملة من المشروعات التنموية فى مجالات الزراعة، والصناعة، والنقل، والاتصالات، والرى، والثقافة والتعليم والصحة.
ويرى محللون اقتصاديون أن الصين بإعطائها الأولوية فى الاستثمار والتجارة مع الدول الإفريقية نجحت فى وضع الأخيرة على خريطة العولمة العالمية بعد أن كانت تسهم بنحو 1% فقط من حجم التصنيع العالمى عام 2011 رغم امتلاكها نحو 30% من احتياطيات العالم من الهيدروكربونات و14% من إجمالي سكان العالم.
وأقرّت الصين العديد من المبادرات لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إفريقيا، من بينها استراتيجية جديدة للتنمية فى إفريقيا عام 2001، وخطة عمل لتسريع التنمية الصناعية فى إفريقيا عام 2007، وخطة تنمية البنية التحتية فى إفريقيا عام 2013 ودعم رؤية إفريقيا 2063 لتعزيز تواجدها الاقتصادى والتجارى بالقارة الإفريقية.
وفى عام 2014 أطلق رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ ما يسمى "إطار 461 للتعاون الإفريقي الصينى"، ويتضمن أربعة مبادئ أساسية للتعاون تتمثل فى المساواة والبرجماتية والإخلاص والثقة المتبادلة، علاوة على ست قطاعات رئيسية هى الصناعة والتمويل وتقليص الفقر وحماية البيئة والتبادلات الثقافية والسلام والأمن، تحت إطار واحد وهو منتدى الصين– إفريقيا.
وفى ديسمبر عام 2015 أعطى الرئيس الصينى شى جين بينغ دعمًا إضافيًّا للمنتدى حيث اقترح 5 ركائز أساسية للتعاون الصينى الإفريقي خلال الفترة من 2016 حتى 2018 تتمثل فى بناء علاقات بين الجانبين على أساس المساواة السياسية والثقة المتبادلة والتعاون الاقتصادى البناء والتبادلات الثقافية والتعليم المشترك والمساعدات المتبادلة فى الأمن، والتضامن والتعاون فى الشئون الدولية.
وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي عقود الإنشاءات التى تنفذها الشركات الصينية فى أفريقيا بلغ حوالى 7ر466 مليار دولار عام 2014.
وتؤكد المؤشرات أن قمة منتدى التعاون الصينى الإفريقى سترسى قواعد المشاركة الشاملة بين بكين والقارة السمراء رغم مساعى الدول الكبرى لكبح النفوذ الصينى الاقتصادى فى إفريقيا.