الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تلومنَّ إلا أنفسكم!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أيام قليلة ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعى شائعة بوفاة كونداليزا رايز، الدبلوماسية الأمريكية ذات الأصول الأفريقية، والتى شغلت منصب مستشارة الأمن القومى منذ عام 2001 وحتى 2005، ثم وزيرة الخارجية الأمريكية منذ 2005 وحتى 2009، والتى اشتهرت بنظرية «الفوضى الخلاقة» وكانت تعنى بها الكيانات الجديدة التى سوف تنشأ بعد تقسيم الدول العربية، أو ما أطلقوا عليه الشرق الأوسط الجديد، وهو ما شاهدناه بالفعل بعد التخريب والدمار الذى أحدثته الثورات التى صنعوها، والتى أدت إلى الحروب الأهلية والتقسيمات الطائفية وتصاعد الإرهاب وصولا إلى الدول الفاشلة، وما زلنا نحصد النتائج حتى الآن.. وكانت ممن أقنعوا جورج بوش الابن- أثناء شغلها لمنصب مستشارته للأمن القومي- بنظرية «الحرب الاستباقية» أى الذهاب نحو العدو المفترض حتى وإن كانت المعلومات مجرد ظنون وشكوك، وهو ما دأب عليه بوش خلال فترتى رئاسته، حيث قام بغزو أفغانستان والعراق.. ورغم أنها كانت تبرر غزو الدولتين بالرغبة فى تحويلهما لجنتين للديمقراطية وحقوق الإنسان والرخاء الاقتصادي، إلا أنها اعترفت فى 2017 أثناء محاضرة ألقتها فى معهد بروكينغ الأمريكى بأن: «الولايات المتحدة لم تذهب إلى غزو أفغانستان عام 2001، والعراق عام 2003 من أجل تحقيق الديمقراطية، بل للإطاحة بحركة طالبان التى وفرت ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة، وإسقاط حكم الرئيس العراقى صدام حسين فى بغداد، الذى كنا نظن أنه كان يعيد بناء ترسانة من أسلحة الدمار الشامل».. وهو ما يؤكد نواياهم الحقيقية منذ البداية، ويذكرنا بمقولة جومو كينياتا، أحد رؤساء كينيا الأوائل: «عندما جاء المبشرون المسيحيون، كنا نملك الأرض، وكانوا يحملون الأناجيل..علّمونا أن نغلق أعيننا ونصلى لله، وعندما فتحنا أعيننا وجدناهم يملكون الأرض ونحن نمتلك الأناجيل!».. فهم بشرونا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والرخاء الاقتصادي، وفتحنا أعيننا وجدنا بلادنا تسرق من بين أيدينا!!.. وقد أعلنت رايز بدء ميلاد الشرق الأوسط الجديد عام 2006، خلال العدوان الإسرائيلى على لبنان، حيث صرحت بأنه «حان الوقت لميلاد الشرق الأوسط الجديد».. ونظرا لمواقفها وآرائها الداعمة للمصالح الصهيونية لذلك يكن أغلب العرب الكره لها، فعلق الكثيرون منهم على شائعة وفاتها بفرحة وشماتة، لا تليق مع هيبة الموت مهما بلغت درجة الكراهية.. وبعد تكذيب الخبر لم تمر ساعات حتى جاء خبر وفاة السيناتور الأمريكى جون ماكين، اليهودى الصهيونى الذى كان من أبرز الداعمين لحرب العراق، والذى اعترف بعد ذلك فى مذكراته بأنها كانت خطأ، وهو يتحمل جزءا من اللوم بسببها.. وبالتالى فهو أيضا أحد من تسببوا فيما آلت إليه الأوضاع فى العراق، وفى الدول العربية التى تصدعت على إثرها.. وكان كذلك من الداعمين لجماعة الإخوان، ورافضا لثورة 30 يونيو، وله العديد من الآراء التى تنتقد النظام المصرى الحالي.. وبالطبع عبر الكثيرون على مواقع التواصل بفرحتهم بهذا الخبر.. ولكن هل رايز وماكين وغيرهما من السياسيين هم من تسببوا فيما وصلنا إليه؟!.. فرغم أننا جميعا نحصد نتائج مشروعاتهم لتفتيت الدول العربية، إلا أننا يجب أن نلوم أنفسنا أولا، بدلا من أن نصب غضبنا عليهم، فهم يعملون من أجل المصالح العليا لأوطانهم، ويسعون بكل قوتهم لتحقيق أهدافهم ومخططاتهم، بينما نحن نمشى على الخطى التى يرسمونها لنا دون وعى، ثم نكتفى بإخراج طاقتنا والتنفيس عن أنفسنا بسبهم والدعاء عليهم، ونسينا أننا السبب فيما وصلنا إليه، فقد منحنا الله كل الثروات الطبيعية التى لا يمتلكها غيرنا من الشعوب، ومع ذلك ما زلنا نهدرها بسفه!! كذلك وهبنا وحدة الأرض واللغة، ومع ذلك لم نتوحد ولم نستطع حتى توحيد الكلمة والمواقف، بل بكل أسف شاركت بعض الدول العربية فى إسقاط بعضها البعض، ولم تعمل بالمثل السويسرى «من هز بيت جاره سقط بيته».. فلم تتعظ من التدمير الذى لحق ببعض من بلادنا، فانشغلوا بالمصالح والأطماع، ونسوا العدو الحقيقى الذى لا يريد لهذه الأمة أن تقوم من غفوتها، حتى أصبحنا خارج الزمن، الأمم تتقدم من حولنا ونحن لا ننظر سوى تحت أقدامنا.. وأصبح كل همنا توفير أدنى متطلبات الحياة، ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من الدول العربية.. وللأسف تنهال علينا كل يوم التصريحات والمواقف الأمريكية بكل صلف وغرور، لتنتزع جزءا من الحقوق العربية، ونحن لا نملك سوى قبول ما يفرضونه من أمر واقع!!.. لذلك علينا ألا نلوم سوى أنفسنا، ونتعلم من أخطاء الماضى والحاضر، ونغير حالنا بأيدينا حتى نلحق بركاب العالم من حولنا، فكما يقول الله تعالى فى سورة الرعد: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ».