الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

حسام العادلي يتحدث لـ"البوابة نيوز": تناولت أسباب ثورة 25 يناير في رواية "أيام الخريف" من كواليس الحزب الوطني.. التابوهات والمحظورات سبب ضيق أفق الرواية العربية

حسام العادلى يتحدث
حسام العادلى يتحدث لـ«البوابة نيوز»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مثل رسام محترف، يدقق فى تصوير تفاصيل شخصياته؛ يجيد رسم موضع قدمه جيدا، يحسب خطواته بشكل دقيق، يرى أن ما حققه من نجاح لا يزال ضيقًا على مقاس أحلامه، لا تقلقه ثنائية «الروائي/القاضي».. إنه المستشار حسام العادلى، الذى يستعد للاحتفال بصدور الطبعة الثالثة من روايته الأولى «أيام الخريف»... التقيناه فى هذا الحوار لنتعرف على الرواية عن قرب، بعد أن نجح كاتبها فى أن يفسح لنفسه مكانا يليق به فى عالم الروائيين الكبار، وإلى نص الحوار.

■ كيف رأيت ردود الأفعال حول الرواية؟
- ردود الأفعال جاءت إيجابية فى مجملها؛ فقبل النشر لمست ترحيبا ممن أخذت رأيهم فى الرواية، وعندما عرضتها على الدار المصرية اللبنانية لنشرها، جاء تقرير لجنة القراءة إيجابيا، ولم نغير فيها كلمة، ولم نتطرق إلى بناء الشخصيات ولا فى البناء الدرامي، وهو أمر عادة لا يحدث مع كثير من الكتاب، عندما تم نشر الرواية فى بداية شهر فبراير الماضي، نفدت الطبعة الأولى بسرعة قياسية لم أتخيلها، وطرحنا الطبعة الثانية بعد شهرين من صدور الرواية.
■ لماذا اخترت الفترة التى سبقت ثورة يناير مباشرة لتدور فيها أحداث الرواية؟
- تدور الرواية فى فترة أعتبرها من أهم الفترات فى القرن الواحد والعشرين، باعتبار أن الأشهر القليلة التى تسبق الثورات تشهد ذروة التفاعل الاجتماعى، وعادة ما تكون فى غاية الروعة، كما حدث مع الثورة الفرنسية التى شهدت نهضة ثقافية ومسرحية كبيرة قبيل اندلاعها، وقد دأب المؤلفون فى تناولهم للثورات على أن يختموا أعمالهم باندلاع الثورة، أو يوظفو أحداث الثورات داخل أعمالهم وهكذا، ولا أحد يقترب من أسباب اندلاع الثورات، وفى تناولى لهذه الرواية لم أتطرق إلى هذه الجزئية بشكل مباشر، وإنما تعاملت مع النص باعتباره نصا إبداعيا وليس تاريخيا.
■ ولكن ألا ترى أن للأدب دورا مهما فى توثيق اللحظات الحاسمة فى حياة الشعوب؟
- ليس من أدوار الرواية التأريخ للشعوب، رغم أن البعض يرى ذلك ويتعامل مع بعض النصوص مثل «ثلاثية غرناطة» على أنها رواية تاريخية، بل ويستقى معلومات عن الأندلس من هذه الرواية، وعموما فالرواية فى الأساس تهتم بالإنسان، وتشير إلى مواضع الخلل الاجتماعي، ولا تشير بصرامة ولا تقدم حلولا حتى لا تنتقل إلى كتب التنمية البشرية.
■ اخترت فى «أيام الخريف» الطبقة العليا من المجتمع ولم تتناول المهمشين أو العشوائية كما درج الكثير من المؤلفين.. هل كان ذلك مقصودا؟
- منطق اتخاذ القرار السياسى فى هذه الفترة هو الذى فرض على أن أتناول هذه الطبقة دون غيرها، وقد حرصت على أن أكون موضوعيا ولا أسود الأحداث، ولذا فتحت مبنى الحزب الوطنى للقراء، وتخيلت ما كان يدور به من اختيارات قبيل الثورة، ولم أرد أن أدخل علب «الصفيح» التى كان يعرف الجميع ما يدور بها من أحداث تناولتها عشرات الأفلام والروايات، وعرجت إلى غرف مكيفة وسيارات فارهة وقرارات تتخذ بمنتهى الرعونة، والرواية فى مجملها اجتماعية تتناول علاقة غريبة بين سيدة أرستقراطية من ذوى النفوذ والسلطة، وبين خطيب ابنتها وهو شاب يصغرها بكثير، وتشرح الرواية كيف تعاملت هذه السيدة التى تمر بفترة المراهقة المتأخرة بهذا الشاب.


■ ألم يساورك القلق بسبب التركيز على هذه العلاقة ضمن الأحداث؟ وكيف نجحت فى إبرازها دون اللجوء إلى الإسفاف كما يفعل بعض الروائيين؟
- الحكى أو القصص أو سرد الأحداث هى غية إنسانية، وهذه الحكاية إذا لم تحمل بين طياتها العديد من المفارقات لن تجد من يقرأها، والمشكلة هنا أن الرواية العربية مكبلة بسلاسل التابوهات المعروفة «الدين، الجنس، والسياسة»، بينما حياتنا محاصرة بهذه المحاذير، ولا يستطيع أحد أن يعيش حياته بشكل طبيعى دون هذه التابوهات، ولذا فإن أفق الرواية العربية محدود نظرًا لحداثة هذا الفن نفسه، فلم يتجاوز عمرها قرنا من الزمن بينما فى أوروبا تخطت أربعة قرون ونصف، ومرت بوعكات كثيرة وفترات انحطاط وتوهج، ومع ذلك فالرواية الأوروبية راسخة، وكنت أتوقع أن تتوجه أسهم النقد إلى هذه المنطقة لـ«أيام الخريف»، ولكن ما حدث عكس ذلك تماما، ولم يشر أحد لى بأن تناولى لهذه القضية خدش حياءه، ولم أكن أقصد ذلك، لأنه ليس غاية فى حد ذاته، وكتبته بلغة صوفية تحقق المعنى المقصود وفق مشهدية الحدث.
■ جمعت شخصية «ليلى المرعشلي» بنت الإقطاع فى الرواية بين ثورة يناير وثورة يوليو ربما بشكل غير مقصود.. ما الفارق بين الثورتين من وجهة نظرك؟
- لا أستطيع المقارنة بين الثورتين، لأن الزمن والمعطيات مختلفة، وهناك ثلاثة أجيال بين الثورتين، وثلاثة أنظمة سياسية مختلفة، ولكن النوازع الإنسانية واحدة، وربما يكون ما حدث فى ٥٢ هو تمهيد لثورة يناير ٢٠١١، لأن «ليلى» هى حفيدة رئيس وزراء مصر فى عهد الملكية، وأصبحت فى نفس مكانة جدها بعد مرور كل هذه العقود.

■ هل كان هذا مقصودا؟
- لم يكن مقصودا، ولكنه ربما قفز من منطقة اللاوعي، ولكن ما كان مقصودا هو علاقتها بـ«فدوى الجريتلى» التى جاءت من قاع المجتمع، وتشعر من ناحية «ليلى» بنقص شديد، وهذا هو الامتزاج بين الطبقات، إلى أن تزوجت «ليلى» من «كامل الحلوانى» الفقير الذى جاء نتاجا لما تمخضت عنه ثورة يوليو من القضاء على الإقطاع، ونفى جدها وغير ذلك من تفاصيل، وهنا أشير إلى أن المجتمع تقلب أكثر من مرة، ولكن تبقى «ليلى» ذات النزعة العنصرية التى تشعر بزهو لا يجاريها فيه أحد، ولكن الطامة الكبرى عليها عندما علمت بأن والدتها حملت فيها سفاحا، وكانت امرأة فى إحدى الحانات التقطها أبوها من حوارى باريس، وتكتشف ذلك على عنجهيتها، والرواية تعتمد على الصدمات الإنسانية والمفارقات التى تصيب الإنسان، وقد لا يتصور القارئ أن تكون «ليلى» بهذا الضعف أمام «هشام» وهو فتى غرير.
■ مرت مؤخرا ذكرى ثورة يوليو وقد شهدت هجومًا من بعض الأقلام عليها.. ما رأيك؟
- رأيى الشخصى أنه هجوم غير مبرر، فالثورة تعنى التجديد وإذا لم يحدث تغيير فليست ثورة، فالأمية قبل ثورة ٥٢ كانت ٨٢٪، وكان لدينا مشروع الطربوش ومقاومة الحفاء وليس لدينا إلا ٣ أشخاص يحملون درجة الدكتوراه، بعد الثورة تضاعفت النسبة إلى أكثر من ٣٥٠٠ دكتور، وغيرها من الفوارق الكبيرة، ويكفى أنها أوجدت طبقة متوسطة، فأغلب الأطباء والمهندسين والقضاة والضباط كانوا من طبقة ريفية لا تفكر قط فى الخروج من قريتها، وكانت المناصب محتكرة، ولولا الطبقة الوسطى التى تعد صمام الأمان، فإن المجتمع مؤهل للانفجار فى أى وقت، لأنها أشبه بأقطاب الجرافيت الموجودة على جانبى المفاعل النووي.
وفى الرواية ناقشت هذه القضية من خلال شخصية «كامل الحلوانى» الذى يشعر بأنه وضيع، ورغم أن الثورة نفعته وطبقته، إلا أنهم يتنصلون منها، لدرجة أنه يستعر من أخته ويختبئ منها، بينما يتزوج «ليلى» ليحاول أن يوهم نفسه والناس أنه ابن باشاوات، وهذا هو ما يقوم به من يهاجمون ثورة يوليو الآن، فمع الوقت ينسى كامل الحلوانى ومن على شاكلته، أن قرارات ثورة ٥٢ هى صاحبة الفضل عليه، ولولاها لكان مصيره أن يرعى فى أرض الباشا الإقطاعي، ولكنه يهرب من الماضى ويتزوج بنت الإقطاعى رغم أنه يعلم أنها تحتقره، وهى مستمتعة بالانتقام لأسلافها من هذا الفلاح وأمثاله بهذا الشكل، لأنها ترى أنهم نزعوهم ملكهم وأرضهم ونفوذهم.

■ كتبت الرواية بروح القصة القصيرة.. فما الذى دفعك إلى ذلك؟
- دائما ما أفهم بشكل خاطئ فى هذه الجزئية، لأن فن الرواية مختلف عن القصة القصيرة، وقد نشرت مجموعة قصصية فى وقت سابق فى نطاق ضيق ولم تأخذ حظها ولم أنشرها مرة أخرى، لأنى سأضيف لها قصصا جديدة خلال الفترة المقبلة، وأنا بالفعل أقدم الرواية بروح القصة، لأن البعض يظن أنه طالما يقدم رواية فإنه يحمل رخصة لـ«الرغي» ولا بد أن تكون من الحجم الكبير تتجاوز الـ٧٠٠ صفحة مثلا، ولكنى أرى أن روح القصة القصيرة هى التعامل مع اللحظة، فأصول القصة القصيرة لا تصلح مع الرواية، وهى التكثيف والاختزال وغيرها، وتكثيف السرد يختلف عن تكثيف الحدث، وأقوم الآن بكتابة رواية تدور أحداثها فى ٨ ساعات، والرواية يجب أن تتجاوز حاجز الزمان والمكان، بحيث تكون عالمية وإنسانية لتصلح لكل زمان ومكان، ومعنى أن تكون الرواية بروح القصة أن تكون مكثفة وبها إزاحة للزمن، فلا أتصور أن أكتب رواية تبدأ عام ١٩٢٠ وتنتهى ٢٠١٠ مثلا، حتى لو كتبتها بأى أسلوب لا بد أن تتهلهل، وكلما ضاقت القماشة زاد الإبداع. 
■ من أين بدأ اهتمامك بالأدب؟
- أغلبنا قرأ لنبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، وكانت اهتماماتى بالكتب السياسية أكثر، وأول قصة كتبتها كان لدى ١٠ سنوات، وما زلت محتفظا بمسودتها وهى حوالى ٤٠ صفحة.

■ هل أضاف لك عملك بالقضاء خبرة فى العمل الروائي؟
- بالطبع.. وهناك عملان يرى فيهما صاحبهما الإنسان على حقيقته، «القاضى والطبيب»، لأنه يرى الإنسان فى فترات ضعفه، إما وهو مهدد بالسجن أو حياته مهددة بالمرض أو الموت، والوظيفتان تمنحان صاحبهما مساحة ثرية من استخراج الكثير من الحكايات والخبرات، ولكن هناك العديد من الضوابط التى تفصل بين مجرد سرد القصص والحكايات وبين العمل الروائى المحكم، وإلا فكان من السهل على أى قاض أو طبيب أن يتحول إلى روائي، وعندما أجلس على منصة القضاء أنسى عملى الروائى تماما، وأتعامل بنصوص وضعها المشرع بكل حيادية، ولذا أعتقد أن القاضى يمكن أن يمارس العمل الإبداعي، ولكنه لا يمكن أن ينزلق إلى العمل السياسي، لأن الجمهور لا يمكن أن يأمن حياديته.
■ ما الجديد الذى تعمل عليه الآن؟
- أعمل حاليا على إنجاز كتاب جديد فى مجال الفكر وليس الرواية، حول مبحث التاريخ العالمي، وهو مبحث مختلف عن مفهوم التاريخ الذى يعمل عليه المؤرخون، وللأسف هذه الدراسة مهملة تماما فى العالم العربي، ودورها يختلف عن التاريخ بالشكل المعروف لدينا، فالتاريخ المعروف يتعلق بتفاصيل الأحداث التاريخية المعروفة بالحكام والشعوب وغيرها، أما «التاريخ العالمي» فهو يعنى بدراسة التاريخ من أعلى بنظرة كلية، لدراسة كيف يسير التاريخ وتتغير أحوال الأمم والشعوب، وما شجعنى على استكمال الدراسة التى أقوم بها حول التاريخ العالمى هو التخبط الفكرى الذى نعانى منه الآن، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط منطقة ثرية للغاية، وهى أصل التراث العالمي، وما نعانى منه الآن عانت منه أوروبا فى فترة القرون الوسطى، والمادة الأولية للبحث جاهزة لدي، وتحدثت فيها مع عدد من الباحثين خارج مصر، ومن المقرر أن أقدم هذه الدراسة تحت إشراف أحد أهم الباحثين فى جامعة هارفارد، وما ينقصنى الآن هى المراجع الحديثة التى أعمل على استكمالها الآن.