الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأضحية أو الفداء.. من الفلسفات والأديان القديمة حتى الإسلام

الفراعنة قدموا القرابين.. المسيح يفدى البشر.. والأضحية فداء لـ«إسماعيل»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يلاحظ المطالع لتاريخ الإنسان على الأرض أنه انتبه لفكرة التقرب إلى الله فى وقت مبكر جدا، فالذى يقرأ قصة ابنى آدم والتى تناولها القرآن الكريم: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ» يلاحظ ذلك جليا، وقد اختلف حول طبيعة ذلك القربان بين النباتى والحيواني، وقد مالت أكثر الأديان والفلسفات التى جاءت بعد ذلك للقربان الحيواني، وقد ساد الاعتقاد فى العصور القديمة أن تلك الأضحيات التى يقدمها الإنسان لا يجوز له أن ينتفع منها بعد ذلك فهى خالصة للآلهة.
ففى الحضارات القديمة، قدم الفراعنة القرابين للآلهة كفداء لهم وتنقية لهم من الذنوب واستجلاب رضا الآلهة فقدموا الفواكه والبخور والذهب والحنطة وغيرها مما يقدم، وفى الحضارة الأكادية تقدم القربان من قِبل أهل الميت وأصدقائه لتخفيف البلوى على روح الميت التى تنزل إلى العالم السفلى الحزين، بينما يتلقى الإله بوذا القرابين المكونة من الفاكهة والبخور والأزهار، والبوذية ديانة منتشرة فى الهند واليابان والصين وكوريا حيث يُعتقد أنه فى يوم معين تُفتح أبواب العالم الآخر كى يزور الموتى الأحياء.
وفى الكتاب المقدس يتم ذكر الفداء والأضاحي، فقد افتدى الرب ابن إبراهيم بكبش أخذه إبراهيم وذبحه أضحية للرب، كما قدم نوح عليه السلام ذبائح من الحيوانات الطاهرة التى صعدت معه للسفينة، فبعد انتهاء الطوفان قدمها نوح تقربا لله الذى تنسم الرضا وغفر للإنسان.
وفى العقيدة المسيحية تتجلى فكرة الفداء أكثر مما تتجلى فى العشاء الأخير الذى أقامه السيد المسيح لتلاميذه فأطعمهم الخبز تعبيرا عن جسده الذى يفديهم من خطاياهم، كما تقوم العقيدة المسيحية على فكر فداء السيد المسيح نفسه، فهم يعتقدون أنه قدم نفسه للصلب ليفدى الآدميين ويكفر عن ذنب الخطيئة الأولى لآدم حين أكل من الشجرة، والذى انتقل إثمها لجميع نسله ولسوف يظل عالقا بهم حتى يخلصهم المسيح من تلك الخطيئة بتقديمه على الصليب.
ومثلما عرفت الأديان السماوية الأضحية أو الفداء، فإن الدين الإسلامى عرف ذلك، وتأصل بقصة إبراهيم الذى اختبره الله بذبح ابنه فاستجاب للأمر وصعد بالغلام حتى يذبحه لكن الملائكة نادته أنه صدق الرؤيا وتم فداء الابن بكبش عظيم، «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» وصار ذلك عيدا للمسلمين، يعقب الانتهاء من الوقوف بعرفة، ويمثل فيما يمثله قصة إبراهيم عليه السلام، فالطواف بين الصفا والمروة كان من قبل حيرة السيدة هاجر فى البحث عن أحد يمر من تلك المنطقة المقفرة، والطواف بالبيت الحرام هى عادة العرب التى ورثوها عن إبراهيم عليه السلام.
وابتعد الفكر الإسلامى عن تلك الانحرافات الفكرية التى وقعت فيها الفلسفات والأديان الأرضية التى استبقت فكرة الفداء، فلم يكن الذبح من باب حب الآلهة للدماء ومنظر القتل، ولم يكن الطقس من قبيل أعمال السحر والشعوذة على طريقة الدجالين، لكنه أصبح طقسا إسلاميا يمتلئ بمشاعر الصفاء والنقاء والخلاص من آثام الدنيا ليرجع كيوم ولدته أمه، وليصبح رمزا للمشاركة الاجتماعية فهى صنيعة الأغنياء وتوزع على الفقراء، وجعل الأضحية مقصورة على الأنعام مأكولة اللحم، وجعلها مظهرا من مظاهر طاعة الله، وقرر أنه تعالى لا ينال - من لحومها ولا دمائها- شيئا وإنما قال: «فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير».