الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

حنا مينة.. وداعا صاحب المصابيح الزرق

حنا مينة.. وداعًا
حنا مينة.. وداعًا صاحب المصابيح الزرق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد الكثير من الشائعات التي انتشرت في الأعوام الأخيرة حول الحالة الصحية للأديب السوري حنا مينة، أحد عمالقة الرواية في سوريا والوطن العربي، رحل عن عالمنا اليوم عن عمر يناهز الرابعة والتسعين عامًا، ليطوي تاريخ الأدب صفحة أخرى كان صاحبها ذا مُساهمة كبيرة في إغناء الرواية العربية.
عشق الراحل، الذي اعتبره البعض مؤسس الرواية العربية السورية، البحر، وساهمت الكثير من رواياته وقصصه التي يتحدث في معظمها عن البحر، ويصف حياة البحارة في مدينة اللاذقية، وصراعهم على متن المراكب والسفن ومع أخطار البحر، في تجسيد صورة الحياة هناك؛ لتُخلّد أعماله الصدق، والكفاح، والواقعية، والحب، والجمال؛ وتبقى سوريا التي وصفها بإبداعه.
في عام 1924 اخترقت مدينة اللاذقية بسوريا أولى صرخات مينة، الذي كان ابنًا لعائلة فقيرة، قضى طفولته في حي المستنقع، الواقع بإحدى قرى لواء الاسكندرون على الساحل السوري، ولبث هناك حتى بلغ الخامسة عشرة، ثم عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية، التي كانت دومًا عشقه وملهمته بجبالها وبحرها؛ وهناك كافح كثيرًا متنقلًا بين عِدة أعمال، فعمل حلاقًا وحمالًا في ميناء اللاذقية، ثم صار بحارًا على السفن والمراكب، وعمل في مهن كثيرة أخرى منها مُصلّح دراجات، ومُربّي أطفال، وعامل في صيدلية، ثم جذبته الكتابة فعمل صحفيا، وكاتب مسلسلات إذاعية للإذاعة السورية باللهجة العامية، ثُم موظف في الحكومة، حتى استقر إلى العمل كروائي.
أخطأ البعض عندما وصفوا البداية الأدبية للكاتب الشاب بأنها متواضعة؛ بل الأوقع أنها كانت متدرجة، فمن كتابة الرسائل للجيران، ثم كتابة العرائض للحكومة، انتقل بعدها إلى كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان، ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة؛ وكان قد أرسل أعماله القصصية الأولى إلى الصحف السورية في دمشق، ثم انتقل إلى العاصمة اللبنانية بيروت في سن السادسة والعشرين بحثًا عن عمل، وبعد استقلال سوريا عاد إليها عام 1947، واستقر به الحال بالعاصمة دمشق، فعمل في جريدة "الإنشاء" الدمشقية التي تدرج في العمل بها حتى أصبح رئيس تحريرها.
بدأ الراحل حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية، والتي للأسف -حسب قوله في واحد من أحاديثه الصحفية- ضاعت من مكتبته، فابتعد عن الكتابة للمسرح، واتجه إلى كتابة الروايات والقصص بعد ذلك، والتي زادت لأكثر من ثلاثين رواية بخلاف القصص القصيرة، منها عدة روايات خصصها للبحر الذي عشقه واسترسل في حكاياته، وكانت أولى رواياته الطويلة التي كتبها كانت "المصابيح الزرق" عام 1954، وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، والتي تحوّل الكثير منها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية في سوريا.
دخل الأديب الكبير المعترك السياسي الحزبي وهو في الثانية عشرة من عمره، وناضل مع رفاقه ضد الانتداب الفرنسي، إلا أنه سرعان هجر الانتماء الحزبي في منتصف الستينيات، حيث كرّس حياته للأدب، وكتابة الرواية تحديدًا، ورغم ذلك تنقّل بشكلٍ قاسٍ في حلات طويلة، فانطلق من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مرورًا باسكندرونة، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوج، لكنه تشرد مع عائلته لظروف قاهرة، فتنقل بين البلاد وعبر أوروبا وصولًا إلى الصين، حيث أقام هناك خمس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، والذي دام لعشرة أعوام، في الوقت الذي كان فيه أب لخمسة أولاد، بينهم سليم، الذي توفي في الخمسينيات وسط ظروف النضال والحرمان والشقاء.
شارك مينة في تأسيس "رابطة الكُتّاب السوريين" مع مجموعة من الكُتّاب اليساريين في سوريا عام 1951؛ وفي عام 1954 نظّمت الرابطة "المؤتمر الأول للكُتّاب العرب"، والذي شارك فيه عدد من الكُتّاب الوطنيين والديمقراطيين في سوريا والبلاد العربية، وكان له دورًا كبيرًا في التواصل مع الكُتّاب العرب في جميع أنحاء الوطن العربي، وهو أيضًا ساهم بشكل كبير في تأسيس اتحاد الكُتّاب العرب، وفي مؤتمر الإعداد للاتحاد العربي -والذي عُقد في مصيف بلودان في سوريا عام 1956- كان له دوره الواضح في الدعوة إلى إنشاء اتحاد عربي للكُتّاب، وتم تأسيس "اتحاد الكُتّاب العرب" عام 1969.