الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أولاد حارتنا.. "شعير" يرسم لوحة لمصر قبل نشر رواية "نجيب المحرمة"

أولاد حارتنا
أولاد حارتنا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قد يفسر البعض تبريرات الأديب العالمى نجيب محفوظ المختلفة إلى حد التناقض، فى كل مرة يجيب فيها عن دافعه لكتابة رواية «أولاد حارتنا» وماذا كان يقصد بها؟ وهل صور رسل الديانات السماوية ضمن شخصيات العمل؟ وهل «الجبلاوي» هو رمز للإله؟ وهل انتصر بالعلم على الأديان فى نهاية المطاف؟ على أن «محفوظ» كان يخشى المجتمع وتحديدًا السلطة الدينية المتمثلة فى المشايخ وكذلك الأزهر، ربما أيضًا النظام السياسي، وهو الطرح الذى ذهبت إليه الدكتورة سيزا قاسم فى حفل توقيع ومناقشة كتاب «أولاد حارتنا: سيرة الرواية المحرمة» الصادر حديثًا عن دار «العين» للكاتب محمد شعير.
ينطلق «شعير» فى كتابه بتوضيح للظرف السياسى والاجتماعى والاقتصادى الذى كانت تمر به مصر والعالم العربى، بل والعالم أجمع قبل صدور نشر رواية «أولاد حارتنا» فى حلقات مسلسلة عبر صفحات جريدة «الأهرام». كان محفوظ قد قرر التوقف عن الكتابة لمدة خمس سنوات أسماها «سنوات اليأس» أو سنوات الجفاف والتفرغ للكتابة للسينما، وذلك لسببين: الأول هو زواجه ومن ثم تحمل أعباء ومسئوليات إضافية إلى جانب والدته وشقيقته. السبب الآخر هو ما قاله محفوظ عندما سأله الصحفيون عن سر هذا التوقف، أنه وجد نفسه مجهدا وأن رؤيته قد أشبعت بعد أن كتب «الثلاثية»، ويضاف فى قول آخر لا يبعد كثيرا عن سابقيه بل يفسره «الثورة حققت الأهداف، والمجتمع لم يعد فيه القضايا التى تستفزني» وفى قول ثالث يقول: «إن كاتب الواقعية قد مل الواقعية، زهق من الآم الناس ومظاهر حياتهم المباشرة، ولم يعد جديد يكتبه عنهم، وعندما يكتب مرة أخرى سوف يكتب بطريقة جديدة لم تتحدد معالمها فى ذهنه حتى الآن، وإلا سيهجر الأدب إلى الأدب».. فكانت اتجاهه إلى الرمزية وكانت رواية «أولاد حارتنا».
فى أثناء نشر الرواية على صفحات جريدة «الأهرام» التى كان يترأسها فى ذلك الوقت الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، طالب علماء الأزهر بوقف نشرها، وهو ما لم يستجب له «هيكل» بل وكتب عدة مقالات مدافعا عن حرية الرأى والتعبير، ومنذ ذلك الوقت لم تنشر الرواية مرة أخرى باستثناء مرة واحدة عبر جريدة «الأهالى» كملحق مع العدد، عقب فوز محفوظ بنوبل، وأحدث صدورها آنذاك صدى واسعًا فى أوساط المثقفين، وظل محفوظ على رأس الرافضين لنشرها مجمعة فى كتاب بدون أن يكتب لها أحد علماء الأزهر مقدمة!.
من بين كل تبريرات محفوظ وتفسيراته للرواية كان أبرزها ما قاله عقب نشرها فى ١٩٥٩ أثناء ندوته الأسبوعية فيقول: «هذه الرواية أقصد بها قصة البشرية.. وأبعد ما يكون عن ذهنى أن أكتب سير الأنبياء فى حارة، ولكن أود أن أبلغ الرجل العادى أنه حتى لو كانت حياته فى حارة فإن الظروف تقتضيه أن يقتدى تماما بما فعله النبى أى نبي». وتعددت رؤى محفوظ حول الرواية من حوار لآخر فيقول فى حوار آخر: «حين كنت مشغولا بالحياة ودلالتها، كان أنسب أسلوب لى هو الأسلوب الواقعى الذى قدمت به أعمالى لسنوات طويلة.. أما حين بدأت الأفكار، والإحساس بها يشغلني، لم تعد البيئة هنا، ولا الأشخاص ولا الأحداث مطلوبة لذاتها. الشخصية صارت أقرب إلى النموذج أو الرمز».
بعد فوزه بجائزة نوبل فى ١٩٨٨ وبعد محاولة اغتياله ١٩٩٤ بدأ «محفوظ» يردد بأن الرواية لها تفسير سياسي: «أريد أن أقول من خلال هذا لرجال الثورة فى الآخر: أنتم مع أى فريق، فريق الفتوات، أم مع فريق الرسل؟ فالرواية عمل سياسى فى المقام الأول، عمل يقدم رؤية سياسية، والمقصود بالعمل فهموا معناه، وعرفوا من المقصود بالفتوات لذلك أرجح أنهم كانوا وراء تحويل الأمر إلى الناحية الدينية لكى أقع فى شر أعمالي».
ربما أيقن «محفوظ» أن الأنظمة السياسية وتحديدًا ما بعد ثورة ٥٢ قد ذهبت، وذهب رجالها، ومن ثم مواجهتهم قد تصبح أمرا أكثر سهولة، بينما العداء مع السلطة الدينية لن ينتهى بموت شيخ أوعالم دين، وربما أيضًا يريد كما قال فى أسباب منع نشر الرواية كاملة فى مصر، أنه يريد أن يقرأها القارئ ليفهمها كأى عمل أدبى يشع بالمعانى وليس للبحث عن تفسيرات، أو بغرض البحث عن الرموز.
الدقة والحيادية والموضوعية وغيرها من الصفات التى يلتزم بها الباحث، سار الكاتب محمد شعير على هذا النهج فى كتابه، محاولًا عرض الحقائق كاملة بالوثائق والأدلة دون أن يجيب على تساؤلات أو يقدم تأويلات لرأى أو موقف.