الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف أفسدنا على عقولنا متعة الإبداع؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما قرأت عن تاريخ العقل الإنسانى، وأقصد هنا ذكاء هذا الكائن المسمى بالإنسان أصبت بالدوار وبالإحباط لما نحن فيه من تخلف ـ لعظمة تاريخ هذه الآلية الجهنمية المسماة بـ«عقل الإنسان وكيف تطور هذا العقل» ـ لنبدأ برحلة عزيزى القارئ محفوفة بالمخاطر عندما أتعرض لما فعلناه كمصريين بعقولنا ـ هذا العقل يا صديقى نتاج خبرات لتطور التاريخ الإنسانى ـ عقل ينضج من جيل إلى جيل مكتسبا خبرته الجماعية، وليكون النتاج تقدم حضارة إنسانية المحتوى ـ لأن هذا العقل يحكى عن حركة تطور إنسانية جماعية، وبالنتيجة فالحضارة المفروض أن تكون جماعية أيضا. ليصبح الإنسان ملتزما بما يملك من وعى ومن عقل بالمساهمة فى تطوير شكل الحياة على هذه الأرض. 
صديقى القارئ أرجوك ألا تنحاز لأى فكره وأنت تصاحبنى فى رحلتى التى هى تحرر لا أكثر، يقول استيفن هوكنز ـ فى كتابه «التاريخ الموجز للزمن»، أنه من المستحيل أن نفهم علم الفيزياء الآن ـ دون الأخذ فى الاعتبار المخ البشرى وخواصه الأساسية ـ ومقدرته التى تكونت من خلال ملايين السنين من «الانتخاب الطبيعى»، ولتعريف الانتخاب الطبيعى ـ نرجع إلى عمنا داروين فى ظل التكاثر ـ هناك صراع على المكان والغذاء، وقد أطلق داروين على هذا الصراع اسم ـ الانتخاب الطبيعى ـ وأطلق عليه زميله هربرت سبنسر «البقاء للأصلح» وتوافقا على التسميتين.
وبمناسبة الانتخاب الطبيعى أو البقاء للأصلح ـ يقول ناعوم تشومسكى عالم اللغويات المعروف «أن تقدم شعب من الشعوب يمكن أن يقاس بمدى تفهمه للتطور» (من مقدمة د. سمير حنا صادق ـ لكتاب «أصل الأنواع» المركز القومى للترجمة والنشر.
من المحتم عندما نتحدث عن تطور هذا الكائن الفريد فى رقيه (الإنسان) إلا أن نذكر آخر الأدلة الحاسمة على صحة التطور والانتخاب الطبيعى، ونقصد به أول اكتشاف رئيسى فى الثورة البيولوجية الحديثة ـ فى عام ١٩٥٣م، حين اكتشف واطسون الأمريكى وكريك الإنجليزى ـ تركيب الحامض النووى D. N. A المكون الأساسى للجينات والكروموزومات، ليتمكن العلماء من اكتشاف الفروق بين الكائنات المختلفة، وما يعرف بـ«دراسة الجين»، وهى الحروف الأبجدية للوراثة فى كل الكائنات الحية الموجودة والمندثرة على سطح الكرة الأرضية ـ التى أثبت أنها كلها من أصل واحد مشترك؛ حيث اتضح من دراسة جينوم الكائنات الحية المختلفة مدى التشابه بينها وبين جينوم الإنسان؛ حيث يتماثل جينوم الإنسان مع جينوم الذبابة بنسبة ٤٧ ٪ ـ ومع جينوم الفأر ٧٠ ٪ ـ أما بالنسبة للشمبانزى ٩٦ ٪ أو أكثر (ليعلم الجميع أنه توجد هناك صلة قرابة وثيقة بين كل الكائنات المتطورة دائما على سطح وتحت سطح كوكبنا).
وقبل أن نواصل نقول لقد تمكن العلم من تحديد عمر الحفريات التى عثر عليه، وذلك باستخدام اختبار الكربون ١٤ المشع ـ وباستخدام امتصاص العظام لمادة الفلورين (الموجودة فى التربة) والطريقتان إذا اجتمعتا معا فإنهما تقللان احتمالات الخطأ فى التقدير لا تزيد على مائة عام.
وبمناسبة ذكر الحقائق العلمية ـ لقد عثر العلماء على هيكل عظمى يعد أقدم ما عثر عليه لجد الإنسان الحديث ويقدر فريق العلماء الأمريكيين والإثيوبيين الذين عثروا على هذا الهيكل بشمال شرق إثيوبيا، أن عمره يرجع إلى أكثر من أربعة ملايين من السنين ـ وهو هيكل الإنسان الجد شبيه الإنسان وسموه «المتأنسن»، وهو هيكل المرحلة التى تسبق تطور الإنسان الحديث ـ وأكد فريق العلماء أن هذا الكائن كان يمشى على رجلين مثل الإنسان الحديث؛ حيث عثر على هذا الهيكل فى مكان لا يبعد عن مكان العثور على الجدة «لوسى» التى عثر على هيكلها كاملا فى عام ١٩٧٤م؛ حيث قدر عمرها بـ٣.٢ مليون سنة، وكان يعتقد وقتها أنها أول جدة للإنسان الحديث، إلى أن نشر العالم «برونيه» فى أكتوبر عام ٢٠٠٩م، عن اكتشافه ـ وجود هيكل عظمى لحفرية أنثى سميت الجدة «أروى»، وبالدراسة وجد أن هذه الجدة عاشت منذ ٤.٤ مليون سنة؛ حيث سميت بالإنسان الساحلى لاكتشافها عند ساحل أفريقيا ـ وقال «برونيه» إن هذه الحفرية هى أقرب لنقطة التفرع بين الإنسان البدائى والشمبانزى من أى حفريات سابقة، وما زالت الاكتشافات المذهلة تتوالى.
وما يحدث من اكتشافات لحفريات ما هو إلا تعديل فى كتاب أو ما شابه ـ فالداروينية والانتخاب الطبيعى سيظلان على رسوخهما ـ لأنهما الطريقة العلمية الوحيدة لفهم علم البيولوجى. ولطالما تكلم أصحاب النشوء والارتقاء عن الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان ـ وهى تلك المرحلة التى بدأ فيها حجم المخ يكبر ـ وبدأ فيها هذا الكائن يسير قائما وليس على أربع كالقردة، ويقول العلماء إن أصل الإنسان هو هذا الجد «المتأنسن»، ومن قبله الجدة «أروى»، ومن بعده الجدة «لوسى» ـ حلا لتلك المعضلة، والتى كانت الحلقة المفقودة لجدنا داروين.
من أين وإلى أين: لقد صممت جينات الدماغ (العقل) فى هذا المكان من الجسم كما قلنا لتقوم بدور المدير لأعمال الجسم ـ وعندما كبر جسم إنسان «جاوه»، الذى كان وزن المخ فيه ٥٠٠ جم، وأصبح ١٤٠٠ جم للإنسان الحديث. وكبرت وظائف العقل، ومع مرور ملايين السنين أبدعت جينات هذا العقل ـ تلك الحضارة التى نتسول منتج إبداعها ـ للاستخدام والاستهلاك. وا عجبا أننا بفعل فاعل أفقدنا هذه الجينات وظيفتها فى العمل والإبداع لدرجة أننى أعتقد أنها تضمر أن لم تكن ضمرت على مدار السنين عندنا لعدم استخدامها والاستفادة منها فى بلادنا، لأننا نملك تراثا ضد إعمال العقل يحميه جمهور كبير جدا من المؤمنين بالمشعوذين والسحرة وللعجب نجده يجمع بين الجاهل والمتعلم أصحاب الخلفية الثقافية البائسة التى يمكننا أن نقول إن الشعوذة أصبحت ثقافة شعبية فى مصر يتسيد فيها الفكر الخرافى مسيطرا على العقول ـ مستغلا الفكر الدينى المتزمت حتى إننا أصبحنا نرى للدين شكلا كرنفاليا عبثيا لكائنات تلتحى بالسواد فى مجتمع ترتفع فيه أصوات الحناجر الغبية لتغييب العقول، اعتمادا على نسبة الأمية العالية التى يعانى منها المصريون حتى صارت الشعوذة ثقافة الأغلبية تمحيكا فى بعض المفاهيم الدينية التى يتبناها المتطرفون والمشعوذون، حتى إنها أصبحت تجارة لنهب اقتصاد غلابة العقول من المؤمنين بعذاب القبر والثعبان الأقرع- فى ظل انحطاط الوعى الثقافى والاجتماعى لنشر هذه الخزعبلات والخرافات، حتى أصبح لا حاجة للمجتمع ظلما.. للعقل!
لا أملك إلا الصرخة بالثورة على كل مفاهيم التخلف بأهالى مصر المحروسة، بأهالى العقل إن بقى هناك عقل ـ لقد وهبتنا الطبيعة، عقلا كما رأينا تاريخه مبدعا.. ورجاء معاودة قراءة هذا المقال لنفهم الإجابة عن السؤال: لماذا أفسدنا على عقولنا متعة الإبداع؟!