الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الدولة القومية".. الكيان الصهيوني يواصل ابتلاع فلسطين

الكينست الإسرائيلى
الكينست الإسرائيلى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الكنيست» يقر قانونا يقصر تقرير المصير على اليهود ويحارب اللغة العربية
الأمم المتحدة: من حق الدول تحديد شخصيتها الدستورية مع مراعاة حق الأقليات

أقر الكينست الإسرائيلى يوم الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٨، قانونًا جديدًا يُكرس الهيمنة الإسرائيلية على الأراضى العربية والمعروف باسم «قانون الدولة القومية اليهودية»، وذلك بأغلبية ٦٢ صوتًا لصالح «القانون الأساسي» ومعارضة ٥٥ نائبًا وامتناع نائبين عن التصويت.
ويقضى القانون بأن القاضى بأن «إسرائيل» دولة قومية لليهود، شاملة كل مناطقها الإدارية الـ ١١، ومؤكدًا على أن القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، ومشددًا على زيادة عدد المستوطنات اليهودية بوصفها قيمة فى حد ذاتها لتكوين هوية الدولة الناشئة، فضلًا عن منحه حق تقرير المصير لهم على حساب الأقلية العربية التى تجاوز عددها ١٧٪ من عدد السكان «عرب ٤٨»، علاوة على جعل اللغة الأساسية للدولة هى العبرية على حساب اللغة العربية. وعلق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو على إقرار القانون: قائلًا: عاشت دولة إسرائيل، فقد حفرنا لغتنا وعلمنا ونشيدنا على حجر القانون، وغذينا حقيقة أن إسرائيل هى الدولة الأم للشعب اليهودي». 
والجدير بالذكر؛ أن مشروع القانون ظل موضع نقاش منذ تقديمه فى عام ٢٠١١، ومر بعدد من التعديلات، حتى تم التوافق عليه بالأغلبية، ليعد القانون الرابع عشر ضمن تلك التشريعات الأساسية؛ حيث يفتقد الكيان الصهيونى لدستور دائم، لذا فقد شرعت منذ نشأتها عددًا من القوانين الأساسية التى باتت تمتلك وضعية دستورية.
الموقف الدولى من القرار
جاء الموقف الدولى معارضًا للقانون نتيجة تعارضه مع مبادئ القانون الدولى وحقوق الإنسان على كل الأصعدة.
وأوضح فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن من حق الدول تحديد شخصيتها الدستورية، ولكن فى سياق تمثيل المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، بما فى ذلك حماية حقوق الأقليات، مؤكدًا على حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى عبر حل الدولتين بشكل سلمى تفاوضي، بما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية، لإحلال السلام الدائم والعادل. 
أما الموقف الإسلامي؛ فقد جاء فى رفض الأزهر الشريف للقانون، معتبرًا ذلك خطوة فى سياق العنصرية البغيضة التى تمارسها إسرائيل، التى بدأت بوعد بلفور، ثم أخذت منحنى مستمرا توالى منذ قيامها فى نهاية الخمسينيات، وصولًا إلى قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، باعتبارها عاصمة للكيان الإسرائيلي، مؤكدًا أن فلسطين ستبقى عربية. وأعرب الاتحاد الأوروبى عن «قلقه» إزاء القانون، لما له من تداعيات وانعكاسات سلبية على قضية السلام بين إسرائيل وفلسطين، وعليه فقد أوضحت المتحدثة باسم وزيرة الخارجية الأوروبية، فيديريكا موجيريني، أن الاتحاد يحترم سيادة إسرائيل، ولكن لا بد عليها من احترام المبادئ الأساسية وخاصة المتعلقة بحقوق الأقليات.
وفى هذا الصدد رفضت «موجريني» التعليق على القانون معربةً عن أن حل الدولتين هو الهدف الذى يبحث عنه الاتحاد يدافع عنه لتسوية القضية. 
وأدانت الجامعة العربية القانون لما ينطوى عليه من إنكار لحقوق الشعب الفلسطينى على أرضه التاريخية وامتدادًا للإرث الاستعمارى وترسيخًا للممارسات العنصرية، وذلك لضم الضفة الغربية ومواصلة الاستيطان.
فيما أعربت مصر عن رفضها للقانون القاضى بتكريس مفهوم الاحتلال والفصل العنصري، وتقويض فرص تحقيق السلام والتسوية العادلة للقضية الفلسطينية، فضلًا عما ينطوى عليه من آثار سلبية على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كما طالبت القاهرة المجتمع الدولى بالحفاظ على الحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، والعمل على استئناف المفاوضات لدفع عملية السلام على أساس حل الدولتين وفقًا لمقررات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وأعربت اللجنة اليهودية الأمريكية، التى تمثل الشتات اليهودى عن عدم موافقتها عن القانون لأنه يُعرض إسرائيل والالتزام المؤسسى التى قامت عليه بكونها دولة يهودية وديمقراطية للخطر.
فيما أوضح جيريمى بن عامي، رئيس مجموعة «جيه ستريت» الموالية لـ«تل أبيب» فى واشنطن، أن الهدف من القانون هو إرسال رسالة إلى المجتمع العربي، والأقليات الأخرى فى إسرائيل، مفادها أنهم لن يكونوا ولن يتساووا أبدًا مع المواطنين الإسرائيليين؛ حيث ترتكز العلاقة القوية بين إسرائيل واليهود فى جميع أنحاء العالم على هذه القيم بأن إسرائيل هى دولة يهودية وديمقراطية على حد سواء، مشيرًا إلى مخاوف من أن القانون «سيضعف ديمقراطية إسرائيل».
دلالات القانون 
ساهم القانون القاضى باعتبار إسرائيل دولة قومية لليهود فى ترسيخ عدد من المفاهيم الجديدة التى مثلت نقطة تحول هيكلية فى تاريخ الصراع الدائر، من حيث انكشاف حقيقة الكيان الصهيوني؛ فقد كرس القانون لمرحلة كاشفة للكيان الصهيونى التى حاول إنكارها ليظهر نفسه بأنه كيان ديمقراطى ينعم بالمساواة واحترام الحقوق والحريات لجميع سكان دولة الاحتلال، دون النظر إلى عقيدة أو عرق أو جنس إلا أن إقرار القانون مثل نقطة تحول نوعية فى الصراع الدائر على الأراضى الفلسطينية، رغم أنها كانت جزءًا أساسيًا من وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل فى ١٩٤٨، ليكسر التوازن الشكلى القائم. 
كذلك يؤدى القانون إلى تبديل هوية الصراع؛ مثل إقرار حلقة جديدة فى سلسلة الانتهاكات القائمة تجاه الفلسطينيين عبر تبديل هوية الصراع من كونه صراعا مسلحا عسكريا بين سلطات الاحتلال والسكان الأصليين، إلى صراع دينى قائم على هيمنة الديانة اليهودية على حساب الديانات والمعتقدات الأخرى، وبالتالى جسد إقرار القانون إنكارًا واضحًا للحقوق الأصلية والتاريخية والدينية للشعب الفلسطيني. 
كما يكرس القانون نظام «الأبارتهيد»؛ حيث جاء ليُمكن الكيان الصهيونى من تحقيق أهدافه فى إلغاء حق العودة للاجئين، وإنهاء عمل منظمة «الأونروا» التى شهدت فى الآونة الأخيرة العديد من الضغوط الخارجية لإنهاء عملها ولطمس سعيها لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، علاوة على تقنين عمليات الفصل العنصرى التى سيتم تكريسها بموجب القانون تجاه العرب والفلسطينيين، ما يعنى استكمال عمليات التهجير القسرى والتطهير العرقى لبناء المستوطنات حول الأماكن المقدسة.
وسيعمل القانون أيضا على تطويق الهوية العربية؛ يعد قانون الدولة القومية اليهودية أو ما يعرف بالقانون الأساسى من أخطر القوانين التى جسدت تطويق للهوية العربية والفلسطينية علاوة على اللغة العربية من خلال اعتماد اللغة العبرية اللغة الرسمية، كما يعزز من تراجع الإرث العربى مقابل التاريخ المزيف للكيان الصهيوني. ويعد قانون الدولة القومية الذى أقره الكنيست الإسرائيلى بمثابة انطلاقة قانونية جديدة فى تمكين الكيان الصهيونى بشكل عميق من احتلال الأراضى العربية والفلسطينية بدون قيود، علاوة على تقنينه أوضاع الشتات اليهودى داخل الأراضى الإسرائيلية بما يعزز من طرد العرب واستمرار عمليات الاستيطان، فضلًا عن تنامى موجات الهجرة التى قد تراجعت فى الآونة الأخيرة لإعادة التوازن الديموجرافى لصالح الكيان الصهيوني. 
واستطاعت دولة الاحتلال استغلال المتغيرات الدولية والإقليمية المتلاحقة التى يشهدها النظام العالمى لصالح مخططاتها الرامية لإقامة الدولة الإسرائيلية عاصمتها القدس الموحدة بدون إطلاق رصاصة واحدة مستغلة التراجع العربى والدعم الأمريكي.