الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الكنيسة تعترف بعقيدة رقاد العذراء في القرن السادس الميلادي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الكتاب المقدس لا يتحدث عن رقاد العذراء... والتقليد المسيحى تحدث عن وفاتها
لا يُذكر الكتاب المقدّس شيئًا عن رقاد السيدة العذراء، أمّا أساس هذه العقيدة المسيحية فيأتى من التقليد الكنسى، الذى توارثته الكنيسة عبر الأجيال من خلال الكتب والمخطوطات.
المصدر الذى استقى منه الآباء خبر رقاد العذراء وانتقالها إلى السماء بالجسد، هو الكتاب الذى كان متداولًا لدى جماعة الغنوصيين فى القرن الثالث، والذى يورد خبر رقادها وصعودها إلى السّماء بالجسد، هذا الكتاب هو من جملة كتب الأبوكريفا التى تحمل سيرة مريم العذراء، والتى أخذت عنها الكنيسة.
وبدأت الكنيسة تتداول رواية رقاد العذراء فى القرون الأولى بتحفّظ شديد ما بين القبول والرفض، حتى القرن السادس، ولكن بسبب ظهور البدعة النسطورية تقبلّت الكنيسة كلّ ما يختص بتمجيد العذراء وكرامتها من التراث التقليدى المتوارث، وقام كثيرون من الآباء بتثبيت هذه الرواية فى كتاباتهم وعظاتهم، ومن أبرزهم القدّيس مودستيوس الأورشليمى واندراوس الكريتي.
وفى أواخر القرن السادس، كتب القدّيس غريغوريوس الكبير، كتابه فى الأسرار، فأورد فيه قصّة رقاد مريم العذراء وانتقالها، وفى أواخر القرن السادس أيضا كتب القدّيس غريغوريوس أسقف تور كتابًا بعنوان «بمجد الشهداء» وقال فيه: «إن الرب رفع جسد البتول ونقلها بين السحب إلى السماء».
وأيضا نجد عظات شهيرة تشهد لهذا العيد، ألقاها القدّيس جرمانوس بطريرك القسطنطينية والقدّيس يوحنا الدمشقي، كما تكلّم على العيد القدّيس يوحنا التسالونيكى فى النصف الأول من القرن السابع.
لم تُوضّح فكرة انتقال العذراء إلى السّماء إلا مع بداية القرن السابع ونهاية القرن السادس، أمّا فى القرون الأربعة الأولى، فليس من شهادة تتكلم على رقاد العذراء سوى فقرة من كتاب الأسماء الإلهية المنسوب إلى ديونيسيوس الاريوباجي.
كذلك وجدت أيضًا فى تاريخ يوسابيوس القيصرى جملة تقول: «إنّه فى السنة 48 من الميلاد أُخذت مريمُ شخصيًا إلى السماء بحسب ما وجد مُدَوَّنا عن أشخاص شهدوا أن ذلك أُعلن لهم شخصيًا»، كما توجد عظة تتناول الموضوع نفسه وهى منسوبة إلى أوغسطين، لكن البعض يقول إنها تعود إلى القديس جيروم. 
أما سبب قلّة المعلومات ونقص الاهتمام بتفاصيل رقاد مريم العذراء وانتقالها إلى السماء، وتأخّر ظهور العيد إلى القرن السادس وليس قبله، فهو يعود إلى أن الكنيسة كانت تخشى أنّ التفريط فى تكريم العذراء قد يؤدى بالمؤمنين إلى نوع من عبادة الأصنام، شأن الوثنيين الذين عبدوا كثيرًا من والدات الآلهة الكاذبة. فالعبادة لا تجب إلا لله وحده.
إلى جانب الاضطهادات التى عانت منها الكنيسة فى القرون الأولى، فلم تمارس كلّ طقوسها وعبادتها إلا بعد انتهاء الاضطهادات العشر الكبرى.
تحديد تاريخ عيد رقاد العذراء
أول من حدد هذا العيد فى 15 أغسطس، والذى تحتفل طبقًا به الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية البيزنطية، فيما تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والتى تضمن الكنيسة القبطية والسريانية والإريترية والأرمنية فى 22 أغسطس، وأمر أن يحتفل به فى كلّ المشرق بمزيد الحفاوة والتكريم، كان الإمبراطور موريتيوس فى عام 600 ميلاديًا.
وفى السنة نفسها أصدر البابا غريغوريوس الكبير، أمرًا بالاحتفال بالعيد، بعد أن كان يحتفل بهذا العيد فى الغرب، قبل هذا التاريخ، فى 18 نوفمبر، وكذلك، فالبابا ثاوذورس الأول هو من أدخل العيد إلى روزنامة الكنيسة فى روما. 
وفى القرن السابع أضاف البابا سرجيوس زيّاحًا ليزيد من رونق العيد وبهائه، ثمّ فى القرن التاسع جعله البابا لاون الرابع من الأعياد التى يحتفل بها ثمانية أيام، وجعل له عيد وداع ثم حدّد له سهرانية رهبانية تستمرّ كلّ الليل، وصياما مدّته أربعة عشر يومًا من 1 إلى 15 أغسطس.
ولقد كرّس الإمبراطور اندرونيكوس كلّ شهر آب لتمجيد العذراء وإكرامها وكان ذلك فى السنة 1297، لذلك تدعو الكنيسة هذا الشهر شهر مريم العذراء.
لاهوت عيد رقاد السيّدة
أُستعملت كلمة «رقاد» بدلًا من كلمة «موت» أو «وفاة» لسببين رئيسيين، الأول أنه لا موت فى المسيحيّة، ففى دستور الإيمان مثلًا لا نقول عن المسيح إنّه مات بل «صلب عنا على عهد بيلاطس البنطيّ، تألّم وقبر وقام من بين الأموات»، والسبب الثانى أنّه طبقًا للتقليد الكنسى فإنه تم إصعادها بالجسد بعد أن رقدت واضّجعت فى القبر ولم يلحقها فساد.
العذراء فى عيون «الطوائف»
تؤمن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بصعود جسد السيدة العذراء مريم، فعندما تنيحت العذراء مريم، كان القديس توما، أحد تلاميذ السيد المسيح، يكرز بالإنجيل فى الهند، وشاهد بنفسه جسدها صاعدًا ولكن لا نعرف إلى أين.
وعندما عاد القديس توما إلى أورشاليم، حيث كان التلاميذ مجتمعين، سأل عن «أم النور» وعلم أنها تنيحت، فأخبرهم بقصة «صعودها» التى رآها بنفسه، وزاد، ذهب التلاميذ إلى القبر للاطمئنان على جسدها، فوجدوا القبر فارغًا.
السينكسار الأرثوذكسى، الذى يتضمن سير جميع القديسين، به عيد صعود السيدة العذراء، وكذلك فإن تقليد الآباء ذكر قصة صعودها للسماوات، ولهذا نؤمن ونعترف بأن جسد العذراء مكرم، ولم ير فساد التراب والأرض.
كما تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بصعود السيدة العذراء مريم بالجسد إلى السماء، وقد أعلن البابا بيوس الثانى عشر عام ١٩٥٠ عقيدة انتقال العذراء إلى السماء بالنفس والجسد، التى تنص: «نؤكد ونعلن ونحدد عقيدة أوحى بها الله، وهى أن مريم أم الله الطاهرة، مريم الدائمة البتولية، بعدما أتمت مسيرة حياتها فى الأرض، رفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماوي».
وفى الوقت الذى يرى الكاثوليك أن عقيدة الحبل بلا دنس «أى أن العذراء نفسها وُلدت من حنة ويواقيم وهى لا تحمل الخطية الأصلية»، يرون أنها شريكة فى عمل الفداء، ويعتقدون أنه لا تأتى نعمة إلى البشر إلا عن طريق العذراء ويسمونها «سيدة المطهر».
أما الأرثوذكس فيرونها وارثة لخطية آدم مثل سائر البشر، وتحتاج لخلاص المسيح، ولكنها ولدته ولها كرامة عظيمة، «تعظم نفسى الرب وتبتهج».
وفى الكنيسة الإنجيلية، أكَّد المصلحون الأوائل مثل المُصلِح مارتن لوثر، والمُصلِح جون كالفن، وغيرهما أهمية وقدسيِّة وقيمة القديسة العذراء مريم، فكتب لوثر عنها قائلًا: «إنّ مريم العذراء ليست مثالَ المؤمن المسيحيّ فحسب، بل هى مثال الكنيسة، إنّها رمز الكنيسة فى إطاعتها لأمر الروح القدس، وفى تواضعها وفى دعوتها العظيمة. وهى تاليًا تجسيم للنعمة غير المستحَقَّة».