تصدرت أزمة رفع أسعار الصحف المطبوعة مناقشات وتدوينات معظم العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة خلال الأيام الماضية، تحديدا منذ اجتماع الهيئة الوطنية للصحافة بممثلى الصحف القومية والحزبية والخاصة الأسبوع الماضى لمناقشة زيادة أسعار ورق طباعة الصحف وبحث الإجراءات التى يمكن اتخاذها لمواجهة هذا الأمر.
الاجتماع الذى جرى بمقر الهيئة الأربعاء الماضى انتهى إلى عدد من التوصيات منها:
- النظر فى رفع أسعار الإصدارات الصحفية بشكل عام وفقًا لزيادة التكاليف اعتبارا من أول سبتمبر، وذلك بعد إجراء دراسة مستفيضة بهذا الشأن.
- تشكيل لجنة مكونة من المؤسسات الصحفية القومية «الأهرام» و«أخبار اليوم» و«دار التحرير» و«دار المعارف» لإعادة دراسة نظام التوزيع بالمؤسسات والبحث عن منافذ توزيع جديدة.
- إجراء دراسة جدوى لإنشاء مصنع لإنتاج الورق سواء بالتعاون مع المؤسسات الصحفية القومية أو جهات آخرى، وكذلك بحث سبل دعم ورق الطباعة.
التوصية برفع سعر الصحف والتى لم يصدر بها قرار حتى كتابة هذه السطور، أثارت حالة من الجدل بين العاملين بالمهنة والمهتمين بها، فنقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة «الأهرام» عبدالمحسن سلامة اعتبر أن زيادة أسعار الصحف «دواء مُرّ لا بد منه»، مشيرا إلى أنه لا يرغب فى زيادة الأسعار لأنه مؤمن بأن الصحافة خدمة وليست سلعة.
وقال النقيب فى تصريحات صحفية عقب اجتماع الهيئة الوطنية: تعرضنا لخبطتين فى منتهى الصعوبة خلال آخر عامين، أولاهما تحريك سعر الصرف، والأخرى زيادة أسعار الورق بشكل مبالغ فيه، ما جعل تكلفة الصناعة تزداد ٤ أو ٥ أضعاف فى فترة زمنية قليلة.
الكاتب الصحفى صلاح منتصر كتب فى «الأهرام» مقالا يحذر فيه من الزيادة المتوقعة، مشيرا إلى أن القرار سيمثل ضربة قاصمة للصحف فى هذه المرحلة وسيؤدى إلى نتائج عكسية ضارة بالصحافة، واقترح منتصر ما يعتقد أنه حل، وقال: «تخفيض جميع الصحف بعض صفحاتها وتجويد إنتاجها تبعا لقدراتها الإعلانية، وهو حل صعب نسبيا عن حل زيادة السعر، ولكنه ينقذ الصحف من تأثير الزيادة التى يفكرون فيها».
الفكرة بصيغة أخرى طرحها زميلنا مجدى البدوي، رئيس النقابة العامة للصحافة والطباعة وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، الذى حذر من أن زيادة أسعار الصحف سيؤثر بالسلب على مبيعاتها وهو ما سيتبعه أزمة كبرى فى الإعلانات.
عدد كبير من الزملاء الذين أدلوا بدلوهم فى القضية ولهم مواقع رسمية، تحدثوا عن أزمة صناعة الورق وارتفاع تكاليف استيراده وناقشوا تبعات قرار رفع السعر على أرقام التوزيع وتأثيره على الإعلانات، لكن للأسف لم يقترب الاجتماع المشار إليه ولا المناقشات التى تلته إلى أزمة صناعة المحتوى الصحفى الذى تواجهه المهنة خلال السنوات الماضية فى ظل هيمنة «الديجيتال ميديا»، وتفضيل جيل الشباب للإعلام البديل على نظيره التقليدي.
الأسبوع الماضى كتب زميلنا الأستاذ فتحى محمود، مقالا فى «الأهرام»، بعنوان «هل تنقرض الصحافة المصرية؟»، طرح فيه تجارب صحف عربية وعالمية تقدم الجزء الأهم من محتواها على النسخة الإلكترونية بمقابل مادي، ونقل نظما متطورة اتبعتها مؤسسات دولية فى حساب الإعلانات على المواقع الإلكترونية، بحيث تتم المحاسبة على «النقرة»» أو «الزيارة» بديلا عن رسوم الإعلان الثابتة.
الاجتهادات والمناقشات السابقة، بما فيها أفكار تقديم المحتوى على مواقع الصحف بمقابل مادى ونظام الإعلان بــ«الزيارة»، لم تقترب من جوهر الأزمة وأسبابها الأصيلة، فلم يسأل السادة الزملاء أنفسهم «لماذا تراجعت أرقام توزيع الصحف المطبوعة خلال السنوات الأخيرة؟، وهل السبب هو تغول الوسائط الإلكترونية على المطبوع فقط؟، أم أن هناك قصورا فى الخدمة التى نقدمها لقارئ «الفرشة»؟.
وهل اشتبكت الصحافة المطبوعة مع هموم هذا القارئ وقضاياه أم اكتفت بتقديم أخبار «بايتة» خبرها الجمهور قبلها بـ٢٤ ساعة من خلال وسائط أخرى؟ وهل كسرت صحيفة خلال السنوات القليلة الماضية الحصار التى تفرضه المصادر، وحصلت على قصة صحفية مكتملة الأركان وطرحتها على صدر صفحتها الأولى، أم أننا ندور جميعا فى دوامة نقل البيانات والتصريحات المعلبة للدرجة التى جعلت من الصحف المصرية كلها تخرج فى أيام كثيرة بذات المانشيت؟ وهل تجاسر فريق أى إصدار صحفى واشتبك مع ما يطرحه المصدر وقدم للقارئ خدمة «ما وراء الخبر»، وأجاب عن «كيف ولماذا وما تبعات ذلك؟».
ادعى أن هذا لا يحدث عادة، فصالات التحرير تمر بأزمة حقيقة عند التعاطى مع أخبار مؤسسات الحكم وقضايا المواطن وأزماته، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بهجرها، والبحث عن بدائل تلبى رغباته فى المعرفة وتشتبك مع همومه وقضاياه حتى لو كانت غير موثوقة، فذهب إلى «السوشيال ميديا» وهو يعلم أنها وسيط غير موثوق فيه ولا يعتمد عليه فى الوصول إلى معلومة ممسوكة.
تشكك القارئ فيما نقدمه له على صفحات جرائدنا باستثناء صفحات الفن والرياضة، فعاقبنا بطريقته، حتى وصلت أرقام توزيع الصحف إلى مستوى محرج، حسب مصادر متطابقة فالجرائد المصرية المطبوعة مجتمعة توزع نحو ٣٠٠ ألف نسخة يوميا، وهو رقم يحتاج إلى دراسة وتحليل بدلا من حالة الإنكار التى يمارسها معظم الزملاء فى المؤسسات الصحفية، وعلى مؤسسات الدولة أن تضعه فى الاعتبار، لأن البدائل التى يذهب إليها القارئ لأنها تتوافق مع ميوله واهتماماته قد تضلله وتضع له السم فى العسل بما يجهض مساعى الدولة فى تحقيق تنمية حقيقية.
فالناس يميلون إلى التعرض للرسائل الإعلامية التى تتوافق مع ميولهم واهتماماتهم ويتجنبون الرسائل التى لا تخاطب هذه الاتجاهات والاهتمامات، وفقا للباحث الأمريكى جوزيف كلابر. أخيرا قبل أن نبحث زيادة سعر الصحف المطبوعة حتى نغطى الزيادة العالمية فى أسعار الورق والأحبار، يجب علينا أن نفكر فى مراجعة ما نقدمه، بمعنى تحسين ورفع كفاءة السلعة التى ننتجها فى مؤسساتنا الصحفية، بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور الذى نقدمها له، وإلا فأن قرار الزيادة سيكون بمثابة رصاصة الرحمة التى ستجهز على مهنة تحتضر منذ فترة.