الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

صلاح عبدالصبور وتجليات الحلاج

صلاح عبد الصبور
صلاح عبد الصبور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صلاح عبدالصبور واحد من الذين تتوقف الأقلام حين الكتابة عنهم، لما يمثله من حالة شعرية وثقافية أثرت وما زالت تؤثر في الحركة الأدبية والثقافية ليس في مصر وحدها بل على مستوى الناطقين بالعربية، فهو أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، كما يعد واحدا من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، وفي التنظير للشعر الحر.
ولد عبدالصبور في 3 مايو 1931 بمدينة الزقازيق، وتمر اليوم 13 أغسطس ذكرى وفاته. التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية في عام1947 وفيها تتلمذ على يد الشيخ أمين الخولي الذي ضمه إلى جماعة "الأمناء" التي كونها، ثم إلى "الجمعية الأدبية" التي ورثت مهام الجماعة الأولى. كان للجماعتين تأثير كبير على حركة الإبداع الأدبي والنقدي في مصر. تخرج صلاح عبدالصبور عام 1951 وعين بعد تخرجه مدرسا في المعاهد الثانوية ولكنه كان يقوم بعمله على مضض حيث استغرقته هواياته الأدبية.
تنوعت المصادر التي تأثر بها إبداع صلاح عبدالصبور، من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي، مرورا بسير وأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب مثل الحلاج وبشر الحافي، الذين استخدمهما كأقنعة لأفكاره وتصوراته في بعض القصائد والمسرحيات. كما استفاد الشاعر من منجزات الشعر الرمزي الفرنسي والألماني (عند بودلير وريلكه) والشعر الفلسفي الإنكليزي عند جون دون وييتس وكيتس وت. س. إليوت بصفة خاصة، وقد كتب الكثيرين في العلاقة بين " جريمة قتل في الكاتدرائية لإليوت ومأساة الحلاج لعبدالصبور.
لم يضيع عبد الصبور فرصة إقامته بالهند مستشارا ثقافيا لسفارة بلاده، بل أفاد خلالها من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة وكذلك كتابات كافكا السوداوية. هذا إلي جانب تأثره بكتاب مسرح العبث. وكما ذكر بتذيل مسرحيته " مسافر ليل ".
ديوان الناس في بلادي "1957" هو أول مجموعات عبدالصبور الشعرية، كما كان أيضا أول ديوان للشعر الحديث "أو الشعر الحر، أو شعر التفعيلة" يهز الحياة الأدبية المصرية في ذلك الوقت. ولفت أنظار القراء والنقاد ـ فيه ـ فرادة الصور واستخدام المفردات اليومية الشائعة، وثنائية السخرية والمأساة، وامتزاج الحس السياسي والفلسفي بموقف اجتماعي انتقادي واضح.
أما في مسرحيته التي نحن بصددها "مأساة الحلاج"، التي استلهم فیها صلاح عبدالصبور شخصیة الحلاج، أو بالأحرى: أعاد بعثه في الأدب المعاصر، مستحضرًا إياه من خلف القرون.. تجلى لنا الحلاج في صورة شديدة الخصوصية، ترجع خصوصيتها لصلاح عبدالصبور بأكثر مما ترجع للحلاج نفسه، فقد عاصر عبدالصبور زمنا مصریا خاصا، لا یخلو من مجد وقهر في الآن ذاته، زمنا كسته السلطة السیاسیة بأردیة متفاوتة الألوان.
وفى زمن الكبت، یلجأ الأدباء دوما للرمز والتخفي وراء منارات المجاز المراوغة، والقول عبر الآخر، والتصريح التخیلي بمكنون الذات.. وذلك ما فعله صلاح عبدالصبور حین كتب مأساة الحلاج التي هي في واقع الأمر تعبيرا عن أزمة صلاح عبدالصبور ومأساته الخاصة، أكثر من كونها تعبيرا عن الحلاج ذي التجلیات التي لا تنتهى.
رأى صلاح عبدالصبور في الحلاج شاعرا، لأنه كان یعتقد بشكل خاص أن الخلاص قد یكون بالشعر.. والشعر هو طریق صلاح عبدالصبور، فلیكن الحلاج -إذن- معادلا للشاعر، ومعبرا عن صوته الشعرى المضطر للتخفي.
ولم یكن صلاح عبدالصبور بعیدا عن السلطة السیاسیة، ولم یكن راضیا عنها تمام الرضا، وهى إشكالية دفينة في طيات نفسه، جعلته یرى في الحلاج -وفق الصور التعریفیة التي أوردها في تذییل المسرحية - هو الذى: عاد إلى بغداد لیعظ، ویتحدث عن مواجده.. یبث الآراء الإصلاحیة، ویتصل ببعض وجوه الدولة.. وهو: المجاهد الروحى العظیم
ولكى تتأكَّد صورة المصلح الاجتماعى التى یتمازج فیها صلاح عبدالصبور مع الحلاج، ویتداخلان، كان لابد من إلباس الحلاج ثوبا سقراطیا یعكس مزاج صلاح عبدالصبور وصورةَ الشاعر / البطل، عنده.. فسقراط الذى أقبل على الموت راضیا، حتى تبقى الآراء الفلسفیة التي ما فتأ یعبر عنها في سجنه الأخیر -وهو ما عبر عنه أفلاطون، بروعة، في محاورة: فیدون - هو الذى یفرض نفسه على الصورة الحلاجیة المتجلیة على مرآة صلاح عبدالصبور.. فالحلاج عند عبدالصبور، یقول:
مثلى لا یحمل سیفًا.
لا أخشى حمل السیف ولكنى
أخشى أن أمشى به،
فالسیف إذا حملت مقبضه كفٌّ عمیاء
أصبح موتًا أعمى.