الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إسرائيل وحـل الدولة الواحـدة «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتابع فرجينيا تيلى الأكاديمية الأمريكية فى كتاب «حل الدولة الواحدة: انفراجة للسلام فى المسار الإسرائيلى الفلسطينى المغلق»، على المواجهة الموضوعية فى التعامل مع حقوق كل طرف من أطراف الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي، والذى نقله إلى العربية ربيع وهبة والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة بقولها: فالخطة الرئيسية للمنظمة الصهيونية العالمية لبناء المستوطنات فى الضفة الغربية فى عام ١٩٧٨م، أدركت أن التكاليف أمر رئيسى للغاية، متنبئة بتكلفة مقدارها ٣٢ بليون ليرة إسرائيلية على مدى خمس سنوات، بزيادة إضافية مقدارها ٢٢ بليون ليرة إسرائيلية لـ«تكثيف» المستوطنات الموجودة فعليًا. وقد جرت لاحقًا تقديرات مستقلة للإنفاق الفعلي، أكدت أن الاستثمار فى هذا الشأن كان هائلًا. 
وفى الواقع فإن القيمة الرمزية للمستوطنات اليهودية تتباين إلى حد بعيد وفقا لمدارس الفكر الصهيونى المختلفة، وعلى الرغم من ذلك يمكن تحديد الآليات المحددة لفعالياتها. فإن الدعم المالى للمستوطنات لا يتم ترتيبه من قبل الدولة فحسب، بل أيضًا بواسطة أحزاب سياسية دينية، وحركات مستوطنين، وجماعات يهودية ثقافية ودينية، جميعهم لا يرون الشبكة الاستيطانية مجرد بلدات وأحياء، بل تعبيرًا ماديًا على «فداء / خلاص» و«عودة» اليهود. وبالنسبة للداعمين والمهندسين، فإن إعادة توطين اليهود فى الأرض المقدسة التى طال فقدانها؛ يمثل مسألة قومية وروحانية معًا. وهو ما يعكس علاقة الشعب اليهودى الخاصة مع الله، ومع الأرض، تلك العلاقة التى تكرس الأسطورة التوراتية أنها عطية الرب للعبريين. 
فمعظم المستوطنات علمانية فى أخلاقها وفلسفتها، ولا تمثل القوانين الداخلية للسلوك عائقًا أمام هذه الرؤية، حيث إن المستوطنات تحتضن الجميع، بوصفها نورًا هاديًا مبكرًا. وقد اقترح الحاخام أبراهام إسحق كوك: «أن روح إسرائيل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بروح الله، إلى درجة أن القومى اليهودي، وبغض النظر عن مدى علمانيته، يكون، ورغمًا عن نفسه، متشبعًا بالروح القدس حتى ولو ضد إرادته». والحقيقة أنه على الرغم مما قد يكون موجودًا من ريبة متبادلة؛ فإن خيالات المستوطن الإسرائيلى المتدين والقومى العلماني، تلتقى عند مسألة أنه بالنسبة لهما، هما الاثنان، ليس من المتخيل أن هذه التعبيرات الدينية أو القومية الثمينة للخلاص والعودة إلى أرض الممالك القديمة، يمكن أن تسلم إلى العرب الفلسطينيين الذين – ووفق تمادى خيالاتهم – لن يستخدموها إلا فى التخطيط والتدبير لتدمير اليهود.
ربما يكون الحدث الوحيد الذى قد يشغل عملًا جماعيًا عربيًا جادًا، من جانب الدول العربية، يدفعها إلى مواجهة إسرائيل، هو الترحيل الإسرائيلى الجبرى لشعب فلسطين من أرض إسرائيل، وهو العمل الذى يحث على إتمامه بعض اليمنيين، والصهيونيين المتدينين. وبالنسبة للعالمين العربى والإسلامي، فإن هذا الطرد الجماعى سيبدو مثيرًا للغضب، إلى درجة أن القادة العرب من شأنهم وقتئذ إما أن يتصرفوا بقوه، أو يواجهوا تمردات جماهيرية قد تنذر بالإطاحة بهم. وقتئذ سوف تظهر القبضة السياسية العربية التى طال عجزها، بعض القوة والصلابة المفاجئة. ولهذا السبب تحديدًا، فإن إسرائيل تكبح نفسها عن الإقدام على مثل هذا الفعل، وفيما الفلسطينيون يتركون متشعبين فى الأرض المحتلة، تتراكم الضغوط باتجاه الانفجار. 
الأرض المقدسة للديانات الثلاث مثبتة على مركز عصبى حساس فى الشرق الأوسط، وقد وصل المشروع الصهيونى للدولة اليهودية إلى برميل البارود، فيما يخص الأمن الدولى ومسار هلاك إسرائيل. فهذا المشروع المرتبط ارتباطا وثيقا بالتاريخ الأسطورى لكراهية العرب والعداوة، ما زال يحافظ على قوة عاطفية جعلته مربوطا فى القاطرة، وهى تسير نحو الهاوية. ولكن ثمة أصواتا ارتفعت لقلب، أو منع تلك الكارثة، واستدعى أصحابها من التقاليد الديمقراطية، والفكر اليهودي، بل وحتى من الصهيونية نفسها، تيارات فكرية قوية، ليقدموا لصهيون «خلاصا» أكثر حقيقة وواقعية. ولطالما راوغ المدافعون عن إسرائيل، وتحاشوا التناقضات المخيفة للدولة اليهودية، عبر الخيال الجماعى المتمثل فى أن العرب كانوا هم المسئولون عن المعاناة الفلسطينية، وأن الدولة اليهودية لم تتحمل العبء الأخلاقى لنزع الأرض، ومصادرة ممتلكات الشعب الفلسطيني. ولكن «المؤرخين الجدد»، هدموا هذا الوهم المؤثر، وتزايد عدد الإسرائيليين والصهاينة الذين يواجهون تطبيقات ما حدث، أى أن التطهير العرقى كان متأصلا بالنسبة لمشروع بناء الدولة منذ البداية. والدولة اليهودية التى تواجه الآن توابع ذلك، أصبحت فى حاجة إلى حبس شعب واقع تحت السيطرة فى دويلة معزولة مغلقة بالجدران، بما ينتهك كل مبادئ العدالة التى طالما أملت الدولة اليهودية فى تحقيقها.