عُرف الشاعر والرسام الإنجليزي ويليام بليك بحساسيته العالية وتجاوبه الدقيق مع عناصر الطَّبيعة الإنسانية ومع معطيات عصره، وعلى الرغم من التأثير العظيم للرجل الذي ولد ابنًا لتاجر جوارب ناجحًا على الرومانسية الإنجليزية، إلا أنه واجه تحديات كبيرة من تلك المدرسة ومن معاصري تلك الفترة، حيث احتقرها البعض أحيانا، بالإضافة إلى وصفها بأعمال مجنون لكنها اليوم تعد من إحدى العلامات الفارقة في الشعر والفنون البصرية.
وُلد بليك في لندن، عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكان والده هو أول من شجعه على تطوير موهبته في التذوق الفني منذ نعومة أظفاره، عندما وجد في الفتى ويليام الحس الفني؛ ما دعاه إلى إرساله إلى مدرسة للرسم.
هناك تدرب على يد الحفار الشهير جيمس باسير وكان حينها لا يزال في الرابعة عشرة من عمره؛ وكان مُقدرًا له أن يحيا في لندن طيلة حياته باستثناء السنوات الثَّلاث التي قضاها في قرية فلفام لتحضير الرسوم التوضيحية لأحد إصدارات الشاعر ويليام كاوبر، حيث امتاز أسلوبه بحساسيته العالية وتجاوبه الدقيق مع عناصر الطبيعة الإنسانية ومع معطيات عصره.
كان الشاعر والفنان ويليام بليك متمردا لأنه امتعض من فقره، حيث يرجع ذلك إلى رفض الأكاديمية الاعتراف بالحفارين كفنانين ورفضت أن يقدموا أعمالهم في معارضها؛ وشهد جيله كثيرا من الحفارين والنقاشين على الأخشاب والمعادن لكن أعماله كانت هي الأكثر خلودا، حيث طور لنفسه طريقة خاصة في الحفر، حاول أن يحل الحفر محل الطباعة وذلك بحفر نصوص إلى جوارها رسومها التوضيحية على ألواح نحاسية، لكن قلمه سبق حفره فعبر عن نفسه في نهاية المطاف بالشعر بدلا من الفن.
تميزت أعمال بليك من الجهة الواقعية بتمثيلها للتشريح الإنساني وللأشكال الطبيعية الأخرى من جهة، ومن جهة أخرى تتميز بوضوح الخيال المتألق وغالبا ما تصور مخلوقات خيالية بتفاصيلها الدقيقة مما أدى إلى صرف النظر عنه لمدة طويلة واعتباره سيئا أو شاذا ولكن ازداد أتباعه تدريجيا حتى أصبح اليوم يلقى تقديرا كبيرا على نحو واسع باعتباره فنانا بصريا، بالإضافة إلى أشعاره التي اتسمت بالبراءة والبساطة؛ حتى فارق عالمنا في عام 1827 عن عمر ناهز 70 عاما تاركا خلفه العديد من الأشعار والأعمال الفنية.
