الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إيران.. عقوبات تفاوضية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عوامل كثيرة، داخلية وإقليمية ودولية، بأبعاد اقتصادية وسياسية، ستجبر النظام الإيراني، عاجلًا أو آجلًا، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات التى دعاه إليها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أكثر من مرة؛ دعوات سيد البيت الأبيض للتفاوض المباشر تحولت إلى مأزق استراتيجى لدى القيادة الإيرانية، وحصرتها بين خيارين لا ثالث لهما: إما المكابرة ورفضها، وتحمل عواقب هذا القرار، وإما إرسال إشارات عن الرغبة فى إنجازها. وبين المكابرة والرغبة، وقَعَ الرئيس روحانى بحرج دبلوماسى نتيجة رفضه تلبية دعوة ترامب للتفاوض، كونها جاءت بالتزامن مع فرض حزمة عقوبات جديدة من جهة، ومن جهة أخرى، تسببت بإضعاف موقفه أمام أجنحة النظام المتشددة التى أعلنت رفضها دعوة الرئيس ترامب للتفاوض، حاضرًا ومستقبلًا.
ومن المؤكد أن حزمة العقوبات الجديدة ستضيف أعباءً اقتصادية ومالية كبيرة على الاقتصاد الإيرانى، الذى يمر بمرحلة صعبة جراء انهيار سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي، إضافة إلى تصاعد حدة المظاهرات فى المدن الإيرانية الكبرى، نتيجة تفاقم الأوضاع المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم التى ظهرت ارتداداتها مباشرة على الشارع الإيرانى المنتفض بوجه سياسات نظامه، الداخلية والخارجية، وقلق النظام من أن تستغل واشنطن حالة عدم الاستقرار الداخلى من أجل ممارسة مزيد من الضغوط التفاوضية على طهران؛ حيث يمكن وضع تعليق وزارة الخارجية الأمريكية على الاحتجاجات المستمرة فى المدن الإيرانية ضمن هذا السياق، والتى قالت إن «الولايات المتحدة تأمل فى الحرية للإيرانيين، وتدعم أصوات الشعب الإيرانى المهمشة».
ولم يتأخر الرد الإيرانى على ما يمكن أن تعتبره طهران تدخلًا فى شئونها الداخلية؛ حيث كان الرئيس روحانى أكثر وضوحًا، فى أول تعليق له بعد فرض واشنطن للعقوبات، حيث قال: «يريدون شن حرب نفسية على الأمة الإيرانية، وإثارة الانقسامات فى صفوف الشعب». كلام روحانى يكشف حرص القيادة الإيرانية فى هذه المرحلة على استقرار الجبهة الداخلية، وإظهار تماسك أجنحة السلطة بوجه أى محاولات أمريكية رسمية لاستغلال حالة الغليان فى الشارع من أجل تغيير بعض سلوكيات النظام أو طبيعته، مع العلم أن واشنطن أكدت أكثر من مرة أن هدف العقوبات ليس إسقاط النظام، بل التوصل إلى اتفاق نووى جديد.
فروحاني، المطالب داخليًا بإيجاد مخارج لأزمات النظام المتراكمة، يمتلك مهلة ٩٠ يومًا من أجل التوصل مع إدارة البيت الأبيض إلى «اتفاق الممكن»، الذى سيخلو هذه المرة من الحوافز التى حصلت عليها فى عهد باراك أوباما، والتى ضمت حينها كثيرًا من الاستثناءات والامتيازات، وقد ضمنت الاستثناءات مشروعها الباليستي، أما الامتيازات فقد غطت نفوذها الإقليمي، بينما لم يعد ممكنًا لطهران مع الإدارة الأمريكية الحالية الحفاظ على سلة حوافزها، بعدما تخلت واشنطن عن معادلات أوباما السابقة كافة، التى تبنتها أوروبا، وأدت إلى التعامل مع طهران باعتبارها عامل استقرار إقليميًا، بينما تتهمها مراكز صنع القرار الأمريكى الحالية بأنها تغذى حالة عدم الاستقرار فى المنطقة.
منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتعرض النظام الإيرانى للكمات سياسية متتالية، تصوبها إدارته على أهداف إيرانية مباشرة لأول مرة منذ سقوط نظام الشاه رضا بهلوي. وعلى الرغم من أن لكمات الإدارة الأمريكية لن تتسبب فى إسقاط النظام الإيرانى بالضربة القاضية؛ فإن طهران، المكشوفة داخليًا بسبب حالة عدم الاستقرار المستمرة منذ بداية السنة الحالية، تشعر لأول مرة منذ ١٩٧٩، بأنها باتت فى مواجهة مباشرة مع واشنطن، وبأنه لم يعد بإمكانها استدراج واشنطن إلى مواجهات فرعية أو بالوكالة، بعيدًا عنها سياسيًا وجغرافيًا، حيث لم يعد ممكنًا مقايضة واشنطن فى عدة ملفات إقليمية نتيجة ترهل نفوذها، مما يرجح أنها ستذهب مع الوقت إلى طاولة المفاوضات خالية، من دون أوراق القوة التى كانت تمتلكها، بعدما تكون قد فقدت القدرة على المناورة، وتريد تجنب انتهاء مهلة الـ٩٠ يومًا دون الوصول إلى ضمانات أمريكية بحسن التفاوض، تجنبًا لمشهد سوفيتى يذكر الإيرانيين برضوخ موسكو المهزومة فى الحرب الباردة لشروط واشنطن ومعسكر حلفائها.
تربط طهران المفاوضات بالعقوبات، وتربط واشنطن العقوبات بالمفاوضات، وتريد أن تنتزع من طهران تنازلات فعلية قبل موعد فرض السلة الثانية من العقوبات الأقسى فى التاريخ، التى إن فرضت قد تتسبب فى تغيير جوهرى فى شكل النظام وسلوكه، وهى اللحظة التى يحاول النظام تجنبها، ويعمل على التوصل إلى اتفاق جديد قبل أن يضطر إلى شرب كأس سم جديدة ستضعه واشنطن على الطاولة. ولكنها هذه المرة هى من ستختار نوع السم وكميته.
نقلًا عن «الشرق الأوسط»