السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يوم انتصر المصريون في موقعة قناة السويس الجديدة «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يزال هناك مَنْ يستغل مساحة التدين المتجذرة فى وجدان الشعب المصرى الذى عُرف بتديُنِه منذ فجر التاريخ حتى قبل ظهور الأديان؛ فإخناتون اكتشف بحسه المصرى الفرعونى المتدين أنه لا يوجد لهذا الكون سوى إلهٌ واحد رغم كل ما كان يُحيط به من آلهةٍ ومعابدَ فى مصرَ الفرعونية. ولأن البعض، خاصةً ممن ابتُليت بهم مصر تحت مُسمى «الإسلام السياسي» الذين أدمنوا الإتجارَ بالدين بُغيةَ الوصول إلى الدنيا، أزعجهم كثيرًا هذا الإقبال الشعبى غير المسبوق من قِبل المصريين على شراء شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة عند إعلان الرئيس السيسى الاكتتاب فى المشروع منذ أربع سنواتٍ مضت، والتى كانت تمثل استفتاءً شعبيًا على الرئيس ذاته، فلم يجدوا سببًا لمحاولة عرقلة هذا المشروع العملاق إلا بإقحام الدين فى الاقتصاد، ومن هنا بدأت «حرب الفتاوى» حتى قبل أن يتم فتح الباب أمام المواطنين لشراء شهادات استثمار مشروع القناة الجديدة التى نحتفل بعيد افتتاحها الثالث هذه الأيام.
بدأت الحرب بحشد الإسلاميين مدفعيتهم الثقيلة لاستغلال الدين فى «تخريب» الدنيا بُغية إفساد أمورٍ كثيرة أولها: النيل من شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسى لدى المصريين الذين طالما مثَّلوا ظهيرًا شعبيًا للرئيس فى مواجهة حركات «الإسلام السياسي» المتطرفة وعلى رأسها جماعة «الإخوان» الإرهابية، ولا شك أنهم لو نجحوا فى هذا، فإن ذلك كان سيمكِّنهم من مواجهة النظام الجديد بعد فقدانه الظهير الشعبى الذى يحميه، وثانيها تعويق خطط الرئيس ومشروعاته الطموح من أجل غدٍ أفضل لكل المصريين الذين لم يهنأوا بطيب العيش منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، بل لم يكونوا يجرؤون على الحديث عن المستقبل.
لقد كان الإسلاميون يهدفون إلى قتل الأمل فى نفوس المصريين بالمشاركة فى هذا المشروع الذى يضمن مستقبلًا أفضل لهم ولأولادهم، ولم يُرد الإسلاميون أن يقارن المصريون بين نجاحات السيسى وفشل ما أطلقوا عليه كذبًا وبُهتانًا «المشروع الإسلامي»، حيث لم يعايش المصريون سوى «المشروع الإخواني» الذى سعى فقط لتمكين جماعة «الإخوان» والمتاجرة بحدود الوطن وترابه الذى روته دماء المصريين عبر العصور فى مواجهات سطرَها التاريخ منذ الهكسوس مرورًا بالتتار والمغول والفرنسيين والصليبيين وانتهاءً بالإنجليز واليهود.
والغريب أن عددًا كبيرًا من دُعاةِ السلفية أجمعوا على تحريم شهادات استثمار قناة السويس، معتبرين أنها نوعٌ من أنواع «الربا الفاحش»، ومستنكرين موقف «الأزهر» و«دار الإفتاء» المصرية، حيث ذكر الشيخ أبوإسحاق الحوينى فى تصريحٍ له، إن الرأى الشرعى فى شهادات استثمار «قناة السويس»: «هى ربا محرمة، ولا فرق بينها وبين شهادات الاستثمار العادية». ويضيف يحيى إسماعيل، رئيس جبهة علماء الأزهر، والأستاذ بجامعة الأزهر، إن «شهادات الاستثمار - كما جاء فى قرار مجمع البحوث اﻹسلامية عام ١٩٦٢- كان مجمعًا بحق هى «قرض جر نفعًا بأنواعها الثلاثة أ، ب، ج»، ومن ثم فهى ربا. ومن الملاحَظ أن رئيس جبهة علماء الأزهر يستند فى كلامه إلى فتوى عمرها أكثر من نصف قرن، مما يدل على أن بعض رجال الدين قد تجمدوا أُسارى لفتاوى قديمة بالية دون أن يدركوا متغيرات العصر الذى نعيش فيه، ولم يجددوا فى فتاواهم بما يناسب هذا العصر.
ومن جانبه، أفتى حزب «النور» السلفى بتحريم شراء شهادات الاستثمار لمشروع «قناة السويس» الجديدة، قائلًا: «حرام شرعًا»، معتبرًا الاستثمار فيها بمثابة «ربا فاحش»، متفقًا مع ما أعلنته «الدعوة السلفية» بهذا الشأن، مستنكرًا موقف «الأزهر» و«دار الإفتاء» المصرية وصمتهما عن تحريم ذلك.
وقال علاء شحتو، القيادى بحزب «النور»، إن طرح شهادات استثمار قناة السويس ذات فائدة، بمثابة «ربا فاحش» نظرًا لعائد الربح الذى يصل إلى ١٢٪ فى الثلاثة أشهر، وأضاف أن الأصل فى المعاملات المكسب والخسارة، أما المعاملات التى تجنى أرباحًا فقط فتدخل تحت الربا الذى نهى الشرع عنه، وهو ما ينطبق على شهادات استثمار قناة السويس الجديدة»، بحسب قوله. وندد شحتو بـ «مباركة» الأزهر والأوقاف لهذه الشهادات، مستنكرًا فتوى الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية الأسبق، والتى حث فيها المصريين على الإقبال على شهادات الاستثمار بالرغم من علمه بمخالفتها للشريعة.
من جهته، قال أكرم كساب، عضو «الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين»، إن الشهادات بفوائد سنوية معلومة مسبقًا، هو عينُ الرِبا، ومعلوم حُرمة الرِبا على مستوى الأفراد والمؤسسات، والله تعالى يقول فى سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {٢٧٨} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {٢٧٩}.
وكان من الواضح أن حزب «النور» يستخدم ورقة الدين ويُشهرها فى وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى أملًا فى الحصول على مكاسب سياسية فى الفترة التالية، ومن هنا فقد جيَّش دُعَاةَ الدعوة السلفية لكى يملأوا الدنيا ضجيجًا بحُرمة هذه الشهادات أملًا فى استخدام ذلك كورقة ضغط على الرئيس، مثلما حاول من قبل رجال الأعمال فى استخدام ورقة المال للضغط على الرئيس فى الحصول على مكاسب، وهو ما لم يُذعن له الرئيس السيسي، الذى كثيرًا ما يُذَكِر كل من له عقلٌ يعى بأنه ليس لديه فواتير يسددها لأحد، وأننا جميعًا يجب أن نعمل سويًا لمصلحة هذا الوطن.
الغريب فى الأمر أن حزب «النور» نفسه صدَّع رؤوسنا كثيرًا بأنه حزبٌ سياسي، ومن هنا لا بد أن نطرح سؤالًا مهمًا على الهيئة العليا للحزب: ما علاقة الحزب السياسى بالفتاوى الدينية؟ وإذا كنتم حزبًا دينيًا مهمته إصدار الفتاوى فى أمور الدنيا والآخرة، فاعلموا أن دستور ٢٠١٤ «يُحَرِم» إقامة الأحزاب الدينية. لقد سأم الشعب المصرى الأحزاب السياسية التى تخلط الدين بالسياسة، وتلعب بورقة الدين بُغية تحقيق أهدافٍ سياسية، وعرف الشعب المصرى جيدًا أن خلط الدين بالسياسة ليس سوى «خلطة مسمومة» لن يطعمها ثانيةً بعد أن ذاق طعمها الفاسد فى سنة حُكم «الإخوان».
ونستكمل أحداث موقعة «قناة السويس» الجديدة بين المصريين والمتأسلمين الأسبوع المقبل بإذن الله.