الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

هرمان هيسه.. أديب "نوبل" المتمرد

هرمان هيسه
هرمان هيسه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمر اليوم ذكرى 9 أغسطس، وفاة الأديب العالمي الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1946، هرمان هيسه الذي ولد في 2 يوليو 1877 بألمانيا، وهو كاتب سويسري من أصل ألماني، عاش في بداية حياته مع عائلته ولكنه لم يتحمل جو العائلة المحافظة بشكل مفرط والمدافعة عن البروتستانتية بشدة، لذلك هرب وقرر أن يعيش حياته مستقلا عن هذه السلطة العائلية.
كان هرمان يميل إلى الخيال ويتمسك بكل فكرة من أفكاره ويكون لنفسه عالما خاصا به٬ حيث كان متمردا بطبيعته وقد تمرد أول ما تمرد على البيت وجوه الصارم٬ بدأ في كتابة الشعر وكان يقول: "لقد تبينت بوضوح عندما بلغت الثالثة عشرة من عمرى أنني إما انا أصبح شاعرا أديبا أو لا أصبح شيئا على الإطلاق". 
في إطار بحثه عن الهوية كانت عملية تحقيق الذات هي المرحلة الأصعب. وهذا الموضوع كان أحد الموضوعات التي اشتغل عليها هيسه فيما بعد في رواياته، التي تغلب عليها ملامح وقصص من التجارب المعاشة، بالإضافة إلى تحليل لأناه الشعرية. ويوضح كاتب سيرة هيسه "غونار ديكر" الاهتمام العالمي بأدب هيسه على النحو التالي: "البحث عن الاستقلال الذاتي، وعن فهم ديني غير متشدد، ولا مبشر، ولكن فهم ديني مفتوح على أنماط الحياة الأخرى، وعلى أفكار أخرى، وهذه مسألة ملحة للغاية في العالم العربي مثلا".
إذ يقدّم "هسه" في رواية "دميان" منطقا فلسفيا سليما، الا أنه مبتكر، متمرد يكسر التعاريف الكلاسيكية للمصطلحات الوضعية التي تحولت في أذهاننا إلى بديهيات، إذ يقص على لسان "دميان" عن لصين حكت عنهما الأساطير التوراتية، أحدهما تاب في نهاية حياته، والآخر أبى التوبة، فيتساءل ما تعني التوبة في نهاية العمر، ماذا تعني أكثر من مجرد كلامٍ جميل!، هي مجرد برهان لفظي عن كوننا غير قادرين على اختيار من نحن، هي تجرد من أنفسنا وما كناه طيلة حياتنا، هي عدم اعتراف بما منحتنا إياه خطايانا.
فمن خلال "دميان" ينتهج هسه فكرة فلسفية ترمي إلى أن أولئك القادرين على اتخاذ القرار بالخطيئة، هم فقط القادرون على تغيير العالم، وبذلك يكون قد لمس أحد الجوانب التي نحاول جاهدين أن نخفيها حتى عن ذواتنا، وهي عدم نبذ الأفكار، حتى تلك التي تبدو مخيفة وآثمة، وكثيرا ما تطرق أبواب مخيلتنا بعنف، قد نؤمن بها ولكننا لا نملك الجرأة على أن نخوضها، فالأفكار هي الوحيدة التي تحول الإنسان من حالة المخلوق العاجز إلى حالة الخالق العظيم.
ولعل أكثرنا ممن اكتشف في ذاته الفضائل سيعلق في الشباك اللامتناهي للتساؤل الحتمي … أعلينا حقا أن نعيش العالم بكامل خطاياه، أن نجرب كل شيء موجود؟ فيدخلنا قسرا بسلاسة لذيذة علم الأخلاق من أوسع أبوابه، ويضعنا فجأة أمام أشد رغباتنا تطرفا، إلا أن القوانين الكسولة تبقى له من أسوأ الرذائل، طالما أن الحقيقة النسبية التي نتحسس كل يوم جزءا ضئيلا منها هي مسألة قناعة، وطالما أن الممنوع هو نتاج العقل المتجدد الخلاق.
وفي الأخير يرى هسه أننا نحن جزء من الكون، وكل ما فيه موجود فينا بشكل أو بآخر، مثلما تحتوي أجسادنا على قائمة التطور السلالي، حياتنا رحلة إلى ذواتنا، والرحلة إلى ذواتنا ماهي إلا اكتشافنا لعناصر الكون الكامنة فينا، والوصول إلى الجوهر الإلهي المخبأ، يرتعد شيء ما في العمق، لكن الأمر بالنسبة إليه ليس بعبثية انتظار جودو، فهناك فرق بين حمل العالم في داخلنا، وبين معرفة ذلك، فشرارة الإدراك هي عملية الخلق اللامتناهي.