السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التواصل الاجتماعي.. واختزال المسافات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعى فعلت فعلها مثل كل مستحدث فى الحياة لها ما لها وعليها ما عليها، انكسرت عن طريقها الحدود الجغرافية واختزلت المسافات وزاد الوعى بدورية الليل والنهار بشكل اعتيادى عن طريق حساب فارق التوقيت. صارت الكرة الأرضية كرة مسحورة نلمسها فتلين تحت أصابعنا، ندخلها فلا تردنا، نتجول فى بلدانها فترحب بنا دونما تذاكر سفر ولا طوابير سفارات ولا رسوم. هكذا أصبحنا أكثر حرية أكثر انتقائية وربما أكثر شططا فيما نعشق، ويتفق الجميع فى ذلك فى القرى والمدن، ما من بيت الآن إلا وطالته هذه الثورة التكنولوجية وانخرط فيها أفراده شيوخا وشبابا، متعلمون وأميون، اتسع وعيهم لمفردات جديدة ومصطلحات تقنية وتفسيرات للصور المصاحبة للمحادثات التى تفصح عن المشاعر وتوصلها إما لتأكيد المعنى أو للتعبير دونما كلمات، توفيرا للوقت. ليس هذا فقط وإنما الانفجار الثقافى الذى يقابله انفجار آراء وسيل من الفتوى بدءًا من اليومى والمعاش وحتى كبريات الأحداث السياسية على مستوى العالم.
ولكن هل تأملنا لغة الحوار ومفردات اللغة المستخدمة وكمية الأخطاء اللغوية التى تخرج لنا لسانها، وبروز مفردات تخلط العربية بالإنجليزية والفرنسية كمصطلحات مثل (نأرجن- أى نتجادل) و(نعمل بارجن- ديل يا مان- هاى فايف)، وكارثة الكوارث التى تفزعنى حقا هى شابوو حينما أقرأها فى تعليقات جارتى التى توقفت دراستها عند المرحلة الإعدادية. ناهيك عن اللغة الموازية التى تسربت إلى لغتنا اليومية باعتيادية بدءًا من استخدام أفعال مثل (فصل- وفحت) مرورا بما هو أسوأ. جميعنا يسمع ويقرأ، يمتعض أو يقبل أو يضحك باعتبارها كسرا للاعتيادية، أو مجاراة للسائد، خاصة بين قطاعات الشباب، وهنا يجب أن أوضح أن ما سبق، جميعه لا يشغلني. ما يشغلنى حقا هو اللغة التى عرفها ابن جنى بأنها: «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم» وعرفها ابن حزم بأنها: «ألفاظ يعبر بها عن المسميات، وعن المعانى المراد إفهامها، ولكل أمة لغتها». وهى أداة التفكير نعبر بها عن أحلامنا وآلامنا، بألفاظنا التى تحمل شفرتنا الخاصة التى تميزنا عن غيرنا من المجتمعات ولم لا وهى وعاء تراثه موضع أمثاله ووعيه الجمعى ومعقل ترابطه. ومكون من مكونات هويته التى كان المستعمر يحرص على قتلها عند احتلاله لبلد ما بنشر لغته التى تحمل شفرته وهويته. بالطبع اختفى المستعمر من بلادنا ودخلت لغات عبر مسارات التعليم، لكنها لم تعمل على انحدارها؛ سارت بالتوازى ودخلت بإيجابية ودونما فوضى. أعلم جيدا أن للعولمة تأثيرها الذى لا يمكن إنكاره وأن المثاقفة لابد منها، وأن اللغة القوية تجذب الجميع إلى مركزيتها وهو ما انتبهت إليه دول مثل فرنسا وألمانيا رغم معرفتهما الجيدة بالإنجليزية إلا أن اهتمامهم وفخرهم بلغتهم يجعلهم لا يتحدثون إلا بها حتى لمن يزورهم ولو للسياحة. وهو ما يجب أن ننتبه إليه نحن أيضا، وأتساءل: كم عدد الأطفال والشباب الذين يعرفون الشهور المصرية- القبطية- بتتابعها؟ اللهم إلا أمشير وطوبة وبؤونة وأغلب الظن أنهم يعرفونها فقط من أمثالنا الشعبية التى حفظتها الجدات وانتقلت لأمهاتهم ويتم تداولها. هذا التداول هو ما جعلها تبقى وهو ما قصدته وأعنيه فى مقالى هذا. روح أجدادنا التى تسكنها مصريتنا التى تختصر ملامحنا طبيعة مناخنا مواعيد الحصاد. نهارات الشتاء والصيف، طبيعة تعاملنا فيها، فماذا عن توت وبابه وهاتور وبرمهات وبرمودة؟ هل يعرفون مسرى والشهر الصغير النسي. وبعيدا عن شهور الزراعة هذه، هل يعرفون أن كلمات مثل فاشوش وهلفوت وقيافة ويكركر وبيهوش بالكلام وهلهلى وشأر علينا وجلابية وغلوش ومشوار وفش غله وبيتهته فى الكلام وشلوط وفِتك فى الكلام ودمه يلطش، وغيرها الكثير هى كلمات فرعونية؟ هل يعرفون أن كلمة قبطية تعنى مصرية؟ فيعرفون بالتبعية أننا أقباط مسلمون وأقباط مسيحيون؟ هل يعرفون أن حفاظنا عليها هو دلالة انتمائنا ومحبتنا، وأن انتماءنا لا يتعارض مع كل ما هو مستحدث طالما نستخدمه بدرجة لا تستلبنا إلى حد التماهى ولا نعاديها فننغلق على أنفسنا، مهم أن نفتح شباك بيتنا على العالم لكن الأهم هو ألا نسمح للريح بأن تهدمه.