الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت «3».. أنا لست «نمبر ون» كما يزعم أحد الغلمان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


وأنا صغير كان جسدي نحيلا جدا وكان حالنا ميسورا جدا، السببين جعلا بعض الأطفال يتعمدوا إهانتي وتقليل شأني، كنت أبحث عن سلاح أردعهم به، أحد أقاربي حكى لي أنه كان يعاني هذا الأمر لأنه قصير لذلك ابتاع «مسدسا» فخشيه الناس، لم تروق لي الفكرة، فأنا أكره العنف والصوت العالي والأضواء والضوضاء.. نمت ليالي أفكر في الأمر، وفي إحداها رأيت في منامي، أني أجري ومن خلفي أشخاص كٌثر يطاردوني، على مرمى البصر كانت هناك حجرة، استطاع شعاع من مصباحها المتدلي أن يصل إلي مسرعا ويأخذ بيدي إلى بابها فاطرقه، بعد ثواني فتح لي عجوزا، على رأسه قبعة، أشار إلي بالدخول، وترك الباب مفتوحا، وقبل أن أنطق «اغلق الباب فهم قادمون»، وضع يده على فمي وقال: «لن يدخلوا فلن يأت إلى هنا غير المحظوظين»، مسكني من يدي ومر على الجالسين عرفني بهم «هذا عمك جاهين، وهذا عمك العقاد، وهذا إدريس، وهذا حسين، وهذا محفوظ، وهذا شوقي وهذا حافظ وهذا التونسي وهذا الأبنودي وهذا حجاب وذاك درويش.. وهذا وذاك، كل شخص أمر عليه يُصافحني ثم يعطيني ورقة بها «سطر واحد».. ثم إذ بالرجل الذي يصطحبني يفتح لي مقلمة بها عدد من الأقلام ويمنحني إياه ويقول: ألم تكن تبحث عن سلاح لتردع من يتطاولون عليك خذا هذا سلاح لكن إن استخدمته للدفاع عن نفسك سينقصف «سنه»، وستركلك الأقدام وتلسع روحك الألسنة، لكن إن أردت تغيير الكراهية فاكتب به عن المحبة، وإذا ساءك الظلم فاكتب به عن العدل والإنسانية عن الجمال والإيمان والإحسان، ستأتيك الكلمة شعرا فاكتبها ونثرا فاكتبها، شكلها كيفما تشاء فكل واحد منهم منحك سطرا من سطوره، أخذت القلم، وهممت بالخروج وإغلاق الباب، فناداني لا تغلقه فلربما جاء آخر بعدك، استيقظت وأنا لا أدرك ما حدث، لكني كتبت وكتبت شعرا وقصصا وخطابات حب لا أعرف من أين استمد مدادي كتبت على الورق وجذوع الشجر وعلى يدي وقلبي.. كتبت كثيرا وكثيرا.. صنعت لي مجلات من مصروفي .. صممتها ووضعت عناوينها لم يشغل بالي يوما هل أحد يقرأها أم لا، ثم بعد أعوام أدرجت أن ما أنا فيه منحة من الله، وأن هذا الرجل كان ملاك الإبداع، فأحنيت عنقي لله شكرا وخجلا على ما منحني إياه دون حيلة مني.. فتواضعت بالحرفِ والنفسِ والروح وصرت أتصدق به إذا طلبه ذو حاجة.. أكتب هذه الحدوتة لأقول لكل مٌبدع في كل مكان، إذا كان الله أنعم عليك بالكلمة فلا تٌضيع الوقت في خشية فقدانها، اُكتبها على متون الزمان، اُنقش في كل موضع اسمك.. واترك حرفا يقتفيه القادمون، إذا منحك الله موهبة فلا تُضيعها بالنكران والجحود وحب الذات.. أنا لست «نمبر ون» كما يزعم أحد الغلمان هذه الأيام، لكني «نمبر» في ذهن الزمان سيستمر ولن يكون ظاهرة تتوهج ثم تنطفئ.