الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

روائع المسرح العالمي.. "فاوست".. والشيطان.. والخلاص

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشتمل جميع الأساطير– المتماثلة فى تراث الشعوب – على وجود رؤية تختزلها جميعًا، تحت مبدأ الصراع الأزليِّ بين الخير والشر؛ فالهدف ظل دائمًا حفظ الحياة وصيانتها، وإبعاد الموت والأذى عنها. فالخير هو الحياة والنماء والخصب والطمأنينة والسعادة والشمس المشرقة، والشر هو الموت والدمار والجفاف والخوف والظلام. ولا يخرج مفهوم النعيم والجحيم، كما طرحته الأديان السماوية، عن نطاق دلالة ميتافيزيقية عليا، لحَدَّى الحياة والموت.
ويدل مسرح «فاوست» على صورة من صُوَر الشر إذا ما تَملك نفسًا وتغلب عليها، وتدور القصة – فى شكلها الأساسى – حول سعْى الإنسان إلى اكتشاف الجوهر الحقيقى للحياة، وما يقوده إلى استدعاء الشيطان ليُبْرِمَ معه عقدًا أو اتفاقًا يقضى بأن يقوم بخدمته طوال حياته، ليستوليَ على روحه بعد وفاته؛ لكن الاستيلاء على روح «فاوست» مشروط ببلوغه قمة السعادة. والتحالف مع الشيطان – من خلال ممارسة السحر – هى فكرة منتشرة فى الغرب، وقد أدَانت الكنيسة المسيحية منذ عهد مبكِّر السحر وحذرت منه، لأن الأساس الذى يقوم عليه السحر، وهو محاولة الحصول على قوة فعالة غير تلك التى وهبها الله، يتعارض مع مبادئ العقيدة الدينية القائمة على أن كل قدرة للإنسان إنما هى منحة من الله. ثم إن السحر يتعارض مع سلطة الكنيسة ويتحداها. 
ومسرحية «فاوست» تجرى كلها فى هذا الجو من «السِّحْرِ» و«السَّحَرَة» و«الشياطين»، والبطل كما جاء فى أسطورة «الكتاب الشعبيّ»، (وكما وصفه الدكتور عبدالرحمن بدوى فى ترجمته لمسرحية فاوست لجيته) ساحر شهير، باع نفسه للشيطان الذى يُدْعَى «مفستوفيلس» لمدة محدودة، والذى أعلن عن موافقته على مطالب «فاوست» وهي: أن يتخذ «الشيطان» هيئة الروح ويملك براعته، وأن يفعل كل ما يطلبه منه «فاوست»، وأن يكون مطيعًا له وبمثابة خادم متلهِّف لتنفيذ المهام المُكلف بها، وأن يضع نفسه تحت تصرف «فاوست»، وأن يقوم بإدارة بيته وألَّا يرى أحدًا غيره إلا بأمر من «فاوست»، وأن يظهر بالهيئة التى يريدها «فاوست». وفى مقابل ذلك وافق «الشيطان» بشرط أن يوافق «فاوست» من جانبه على الشروط التالية وهي: يَعِد «فاوست» ويقُسم بأنه صار ملكًا للشيطان، وتوكيدًا لهذا العهد على «فاوست» أن يصادق على ذلك بدمه، وأن يكون عدوًّا للمسيحية وأن يكفر بها، وإذا حاول أحد إعادته إلى المسيحية فعليه أن يرفض، كذلك طالب الشيطان بأن تحدَّد مدَّة العهد ببضع سنوات، بعد مُضِيِّها يأخذ معه «فاوست». ولما وافق كلٌّ من الطرفَيْن على شروط الآخر، أخذ «فاوست» سكينًا حادة وشق عرقًا من عروق يده اليسرى، وكتب العهد بقطرات من الدم السائل من هذا العِرْق ووَقَّعه. 
وبعد مضى أربعةٍ وعشرين عامًا على توقيع العهد مع الشيطان، ألقى «فاوست» خطبة طويلة على تلاميذه وأصدقائه قال فيها: «أرجوكم بحق الصداقة أن تذهبوا إلى مخادعكم وتناموا فى سلامة، وألا تقلقوا من الضجة التى سوف تسمعونها فى البيت، ولا تخافوا منها أبدًا، ولن ينالكم منها شر. وإذا وجدتم جثتى فادفنوها فى الأرض لأنى أموت ميتة مسيحيٍّ سيِّئ وحسَن معًا: حسَن لأنَّ فى نفسى توبةً صادقةً، وأنا أصلى فى قلبى حتى تنالَنى الرحمة وتنجوَ نفسي. وسيئ لأننى أعلم أن الشيطان لا بد أن يأخذ جسدى وسأتركه له عن طيب خاطر إذا ترك روحى فى سلام».
بدأت الأسطورة كحكاية شعبية فى عشرينيات القرن الثامن عشر فى ألمانيا، وكانت تُقدم من خلال مسارح متجولة بالعرائس وكان الصراع بين «الشيطان» و«فاوست» على روحه هو أساس المسرحية. وقد أثرت هذه المسرحية فى الحياة الأدبية والفنية فى العصر الحديث تأثيرًا بالغًا. ومن أولى المعالجات لها نجد «مسرحية الدكتور فاوست» للشاعر «كريستوفر مارلو» (١٥٩٣ – ١٥٦٤) التى تُعد ملحمة بطولية بمعنى الكلمة. وكان بطل الشاعر الألمانى الشهير «جيته» (١٨٣٢ – ١٧٤٩) يحمل الاسم ذاته «فاوست»، لكن هذا البطل عند «مارلو» يموت مِيتة بشعة بعد ما أخذ الشيطان روحه، أما «فاوست» عند «جيته» فيستطيع أن يصل للخلاص بعيدًا عن الشيطان، وهذا ما أوضحه توفيق الحكيم فى مسرحية «المرأة التى غلبت الشيطان» فى النهاية، أى المَيل إلى المغفرةِ والخَلاص.