الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موسم ابتزاز المصريين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اذهب إلى عمك فى القاهرة، فهو أدرى بشعابها وسوف يختار لك الجامعة الأفضل، وجاءنى ابن أخى فرحًا بمجموعه الذى يزيد على ٩٥٪ ببضع درجات، ولو كان يعلم ما ينتظره لاختار طريقًا آخر غير الثانوية العامة، ولو كنت أعلم لتفرغت للضغط عليه مع والديه ليبذل مجهودًا أكبر فى «الحفظ» ربما كان يريحنا من عذاب الجامعات الخاصة، ويحقق حلمه فى دراسة الطب من خلال جامعة حكومية.

استغرقت جولتنا بين الجامعات عشرة أيام، خاصم فيها النوم جفون ابن شقيقى، وصرت أنا والأرق صديقين، وصار التوتر والقلق القاسم المشترك بين أفراد العائلة، ففى كل يوم يولد حلم الابن الوحيد على أعتاب جامعة، عندما يزف أحد الموظفين البشرى بأن المجموع يؤهله لدراسة الطب، ثم يشير ناحية شئون الطلاب مطالبًا بالإسراع فى شراء «أبليكيشن» نهرول لنقف فى مؤخرة طابور طويل، وبكل سعادة ورضا.. ندفع ١٢٠٠ جنيه مقابل أربع ورقات، وفى ركن بعيد نجلس لنجفف وجهينا من عرق تصبب بفعل الزحام، ونجفف الورقات الأربع التى لامست وجوه زملائنا فى الطابور، نكتب البيانات بحرص شديد، ثم نسلم الأوراق ونتوجه إلى نفس الموظف الذى زف إلينا البشرى ونسأله: ماذا بعد؟ وتأتى الإجابة صادمة.. اذهبوا وسوف نتصل بكم إذا تم قبول الطالب، وهل عدم قبوله وارد؟ نسأل الموظف الذى يجيبنا بكل برود: نعم، من الممكن استبعاده، فالقبول يخضع لتنسيق داخلى. ولماذا نصحتنا بشراء أبليكيشن؟ لأن قبوله وارد، ووارد أيضًا رفضه، يموت الحلم الذى لم يمض على ولادته ساعة، ثم يولد حلم آخر على أعتاب جامعة أخرى نذهب إليها، عسى أن نجد له مكانًا فنرتاح من وجع انتظار الرد من الجامعة الأولى، ينصحنا الموظف بسرعة سحب الملف ودفع نفس المبلغ، نهرول إلى مؤخرة الطابور، ندفع، ونسحب، ثم نسود الملف بالبيانات المطلوبة، ثم نسمع نفس الرد من الموظف: انتظروا منا اتصالًا بعد ظهور نتيجة التنسيق الداخلى، نقف فى حيرة من أمرنا، فماذا لو لم تتصل بنا الجامعتان؟! يدفعنا السؤال إلى جامعة ثالثة، ندفع ونسحب ونكتب البيانات ونسلمها، ثم نسمع نفس الرد: انتظروا منا اتصالًا، حاولت التوقف هذه المرة مع الموظف لمعرفة مزيد من التفاصيل ربما أسمع ما يطمئننى، فأكد أن رقم الملف الخاص بنا ثلاثة آلاف وأربعمائة، فسألته: وما العدد الذى سيتم قبوله؟ فقال ثلاثمائة، والباقى سوف نعتذر لهم، سألته: وقيمة الملف.. هل نستردها فى حالة الاعتذار؟ فبادرنى برد قاطع: لا طبعًا، هناك منشور معلق فى أكثر من مكان أن قيمة الملف لا تسترد، فأكدت له أن هذا غير قانونى، ووزير التعليم العالى أصدر قرارًا بعدم تحصيل قيمة الأبليكيشن من الطلاب، فرد الموظف بنصف ضحكة: إحنا ملناش علاقة إلا بتعليمات رئيس الجامعة.

سبع جامعات قضينا فيها عشرات الساعات، ودفعنا لها آلاف الجنيهات، ولم يفز ابن شقيقى بمكان فى ظل هذا السباق المحموم بين آلاف الطلاب، وأخيرًا جاء الفرج من جامعة حددت منذ البداية أولوية الدراسة فيها وفقًا لمجموع الطالب.

خرجت من تلك الجولة المريرة بعدد من النتائج، جميعها تمثل عوارًا فى معايير الالتحاق بالجامعات الخاصة، والنتيجة الأبرز هى عمليات الابتزاز التى يتعرض لها مئات الآلاف من الطلاب، فالجامعة الواحدة تجنى عشرات الملايين من الجنيهات نتيجة بيع «أبليكيشن» حذرت وزارة التعليم العالى من بيعه، كما أن العزف على نقاط ضعف الأسر التى تحلم لأبنائها بأماكن فى كليات القمة، حرفة تدرب عليها الموظفون داخل الجامعات، فالموظف يعلم أن درجات الطالب لا تؤهله للالتحاق بكلية ما، ورغم ذلك يمنيه بالقبول لإجباره على دفع ثمن الملف، أما النتيجة الثالثة التى خرجت بها من تلك الجولة المريرة فهى الأبواب الخلفية التى تحرم طالبًا من الالتحاق بكلية ما، ليلتحق بها طالب آخر حصل على درجات أقل، لكنها «الواسطة» التى تمنح هذا وتحرم ذاك