الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

د. مايكل ثروت يكتب: الكتاب المقدس والعقل البشري

العقل البشرى
العقل البشرى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الكتاب المقدس والعقل البشرى
لم يكتب المسيح كتابًا، ولم يطلب من أحد أن يكتب كتابًا، ولم يذكر أنه مطلوب كتابة كتب؛ يتضح هذا عند قراءة الأناجيل الأربعة. ولكن ما حدث أن كتّاب العهد الجديد كتبوا لأسباب متعددة، مثلما كتب لوقا لصديقه، وكتب بولس لكنائس متعددة، وهكذا. هذا يدل على أن كتابة الكتاب المقدس نتجت عن رغبة البشر، وهذا لا يلغى دور الله المتداخل فى كل شيء، ولكن لا يقدم أى دليل على أى تدخل مميز لله فى عملية الكتابة. فكتابة الكتب المقدسة اعتمدت على بحث الكاتب عن مصادر كثيرة واستخدام إمكانياته العقلية ليكتب. وباستثناءات قليلة، معظم الذين كتبوا أسفار العهد الجديد أنفسهم مثلًا لم يزعموا أن الله أملاهم شيئًا، ولم يطلبوا من أحد تقديس كتبهم. حتى مع القول بأن الروح القدس يسوق أو يقود كتبة الوحي، فإن هذا معناه أنه يقود أو يسوق عقولهم، ولا يلغى عقولهم مطلقًا.
العقل أيضًا له الدور الأساسى فى عملية وضع المعايير التى بناء عليها تم اكتشاف الأسفار القانونية، وهو الذى قام بتطبيق هذه المعايير على الأسفار، وله الدور الأساسى فى عملية التفسير، وهو مهم قبل كل شيء فى إثبات صحة وحى الكتاب المقدس من خلال تقديم أدلة على إثبات الوحى وحل المعضلات التى تقف أمام عملية إثبات الوحي.
النظرة للكتاب المقدس التى يمكن أن يخرج بها شخص أمامه هذه الأدلة والمعضلات هى اعتبار الكتاب المقدس كتابًا ناتجًا عن العقل البشرى الذى حاول التفكير فى الله والتواصل معه فكتب أفكاره بناء على تفسير خبراته فى محاولة فهم الله. وبذلك يكون كل ما فى الكتاب المقدس خاضعًا للعقل البشرى ليفكر فيه نقديًا ويستخرج ما فيه من حق؛ أى أن الكتاب المقدس هو إحدى أدوات العقل التى يستخدمها لمعرفة الحق. وهذه النظرة تفتح الطريق أمام التفكير فى الله، واستمرار تطور مفهوم البشر عن الله. هذه النظرة تصنع تناغما بين الكتاب المقدس والعلم، حيث إنها تجعل العلم له الكلمة الأولى فى الأمور العلمية، وتعتبر العلم إحدى وسائل الإعلان.
هذه النظرة تجيب أيضًا عن بعض الأسئلة المنطقية المهمة. فعند التفكير منطقيًا فى أن الله يحتاج إلى كتاب بشكل ضرورى لكى يتواصل مع البشر، فإن الكثير من الأسئلة تثار لدينا. فمثلًا، كيف تعامل الله مع الشعوب التى سبقت كتابة الكتاب المقدس، أو التى سبقت اكتمال الكتاب المقدس، أو التى لم يصلها الكتاب المقدس؟ وإن كان الله يقصر تعامله مع الناس على كتاب مكتوب فقط، فما ذنب الذين لا يعرفون القراءة؟ وما ذنب الذين لا يعرفون أن يفسروا الكتب؟ وما ذنب الذين يتحدثون لغة غير التى كُتبت بها الكتب؟ ألا يحتاج هؤلاء إلى من يقرأ لهم، أو يفسر لهم، أو يترجم لهم؟ فكيف يقبل العقل أن الوصول إلى الله يحتاج دائمًا إلى وسيط للقيام بالقراءة أو بالتفسير أو بالترجمة أو بغير ذلك؟ كيف يضع الله الإنسان تحت رحمة إنسان آخر غير معصوم من الخطأ؟ فمَن يضمن أن يجد كل شخص شخصًا آخر ليقرأ أو يفسر أو يترجم له؟ وإن وجد، فمن يضمن أن ذلك الشخص يقوم بذلك دون خطأ أو تزييف أو تضليل؟ وهناك الكثير من الأسئلة المنطقية الأخرى.
العقل كقاسم مشترك!
البعض يصورون الأزمة على أنها صراع بين العقل والكتاب المقدس. ولكن الصراع هو بين المُدخلات المختلفة التى يستخدمها العقل. وهذه المُدخلات تشمل الكتاب المقدس والعلم والتاريخ والخبرات الشخصية، وغيرها. كل هذه المُدخلات تمر من خلال العقل. ولكن الأزمة هى فى الاختلاف فى ترتيب المدخلات. البعض يرى أن الكتاب المقدس كمُدخل يجب أن يكون أولًا فى كل شيء. والبعض يرى أن العلم كمُدخل يجب أن يكون أولا فى الأمور العلمية. وكل واحد يقول رأيه بناء على مدخلات أخرى قام بتحليلها بعقله. لذلك فالعقل سواء رضينا أم أبينا هو القناة التى يمر من خلالها كل شيء. العقل هو طرف دائم فى المعادلة. العقل هو بصمة الله التى تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، وهو محدود بالطبع ولا يمكنه أن يصل إلى حق مطلق مهما كانت المدخلات التى يستخدمها صحيحة.
العقل أيضًا له الدور الأساسى فى عملية وضع المعايير التى بناء عليها تم اكتشاف الأسفار القانونية، وهو الذى قام بتطبيق هذه المعايير على الأسفار.