الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«ترامب- أردوغان».. تحالف في محنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرار إدارة الرئيس الأمريكى ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على اثنين من وزراء الحكومة التركية- الداخلية والعدل- لضلوعهما بدور رئيسى فى احتجاز واعتقال قس أمريكي، يُشكِل تصاعدا غير مسبوق فى تاريخ علاقات البلدين، أردوغان كان قد استبق هذا الإجراء بإعلان رفضه تقديم تنازلات فيما يتعلق بأحكام القضاء!.. فى المقابل، اختيار المؤسسات الاِستخباراتية الأمريكية غض النظر عن انتهاكات مريعة يرتكبها نظام أردوغان فى حق مختلف فئات الشعب، لا يعنى جهلها بحقيقة توظيف دكتاتور تركيا القضاء لخدمة أطماعه، تركيا لم تتأخر عن التهديد السريع بردها على ما وصفته» الموقف العدائى الذى ينتهك جوهر العلاقات الأمريكية- التركية».
تاريخ علاقات البلدين سبق أن شهد فترات تبادل تصريحات الشد والجذب.. بداية بمواقف الطرفين من الأزمة السورية، مرورا بقضايا حقوق الإنسان، وصولا إلى تحفظات أمريكية على الإجراءات القمعية التى تلت محاولة انقلاب فى تركيا عام 2016.. بينما اتسمت خلال فترة رئاسة أوباما بلغة الخنوع التى ظهرت علنا من الجانب الأمريكى خلال تصريحات ولقاءات مسئولى البلدين، التهديدات التى يوزعها ترامب بسخاء، دون استثناء الدول الحليفة، أدخلت مسار العلاقات نحو منعطف جديد تتشابك خيوطه بين عدة اعتبارات، قاعدة «أنجرليك» العسكرية- إحدى أكبر القواعد الأمريكية فى تركيا- تعتبر مركزا استراتيجيا حيويا لا تملك أمريكا غلقه حاليا وفق مطالب الأحزاب التركية كرد انتقامى على الخطوة التى اتخذها ترامب، رغم ما تردد عن نقل هذه القاعدة إلى إحدى مدن العراق. عضوية تركيا فى حلف شمال الأطلسى «الناتو» ستواجه عدة علامات استفهام وتوقعات بأن تؤدى هذه العقوبات إلى إبعاد تركيا تدريجيا عن دول الغرب مع تزايد قناعة هذه الدول وأمريكا بأن القيادة التركية السياسية والعسكرية ليست ديمقراطية ولا موالية للغرب، ما يعزز احتمال طرد تركيا من «الناتو»، خصوصا أنها على مدى الأعوام الماضية خرقت العديد من شروط الحلف باحتضانها ودعمها جماعات مصنفة على قوائم التنظيمات الإرهابية دوليا، بالإضافة إلى ملف انتهاكات حقوق الإنسان والاحتلال غير الشرعى لمناطق فى سوريا والعراق، مع تواصل منهج القمع منذ محاولة انقلاب 2016.
أردوغان الذى ربط مصير القس الأمريكى باستجابة أمريكا إلى مطالباته المتكررة بتسليم رجل الدين التركى فتح الله جولن المقيم فى ولاية بنسلفانيا، يضع الأول فى مأزق حرج، تحديدا مع ظهور تفاصيل صفقة أخرى انتهت بمراوغة من أردوغان للتنصل من الوفاء بالتزامه.. بعدما اتفق مع الرئيس ترامب على إطلاق سراح القس الأمريكى مقابل وساطة ترامب للإفراج عن ناشطة تركية مسجونة فى إسرائيل بتهمة التعاون مع حماس، وهو ما تم فعلا.. إلا أن أردوغان تراجع نافيا وجود هذه الاتفاق. إطلاق سراح القس الأمريكى دون صفقة متبادلة من شأنه تحطيم وهم «الرجل القوي» الذى يحاول دكتاتور تركيا تصديره إلى العالم. قرار ترامب لا يقتصر على حرمان أردوغان من أى انتصار سياسي، بل سيُزيد من وطأة التدهور الاقتصادى فى تركيا لما سيواكبه من وضع قائمة سوداء لشركات تركية فى إطار فرض عقوبات اقتصادية على تركيا بسبب ملاحقتها مواطنين يحملون الجنسية الأمريكية. صفقة التبادل التى راهن عليها أردوغان تبدو مستحيلة بالنظر إلى توجه الإدارة السياسية التى حرص ترامب على استبدال معظم المسئولين فيها بمجموعة تنسجم مع رؤيته للسياسة الخارجية. الحقيقة الأخرى، بالعودة إلى تاريخ البلدين، إن مقومات التحالف بينهما من مصالح وقناعات مشتركة تعرضت للتآكل نتيجة التغيير الكبير الذى طرأ على النظام العالمي.. ما أفرز تناقضات صارخة تحديدا فى مسار الصراعات التى يخوضها الطرفان فى المنطقة.
الأزمة بدأت تتفاقم عند إِقرار الكونجرس موازنة وزارة الدفاع، وفرض حظر على تسليم تركيا مقاتلات F35 ما لم تتراجع عن مفاوضاتها لشراء نظام دفاع صاروخى من روسيا واعتقال مواطنين يحملون الجنسية الأمريكية. رهانات أردوغان السياسية سواء على ترامب أو فى التلاعب على نقاط الخلاف بين الأخير والرئيس الروسى بوتين بُنيت على سوء تقدير كبير، إذ انتقص أردوغان من جدية حظر الكونجرس معتبرا عودة القرار فى النهاية إلى ترامب. التقدير الآخر أيضا لا يمثل طبيعة الاتفاقات بين رئيسى أكبر قوتين القائمة فقط على مصالحهما المشتركة، رجل المخابرات المحنك بوتين لن ينساق كطرف فى هذا الرهان إلا بقدر ما يضمن له مصالح بلده، ما يُبعد استجابته لمغامرة تشكيل تحالف مع إيران وتركيا فى حال خروج الثانية من «الناتو».
التصريحات الدبلوماسية بين وزيرى خارجية أمريكا وتركيا مؤخرا لا تلغى حقيقة أن صبر أمريكا نفذ مع تركيا.. نهاية هذه الأزمة المتشعبة تحتمل قراءتين لا ثالث لهما، إذلال أردوغان بقبوله تسليما غير مشروط للقس الأمريكي، ما سيعمل على تهدئة التوتر.. أو أن يكون التصاعد هو مجرد قمة جبل الجليد الذى يخفى المزيد من المفاجآت التى تهدف إلى تمزيق تركيا عبر ضرب اقتصادها، دعم وتمويل حزب العمال الكردستانى فى سوريا، فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية.