السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أطماع الفرس.. "التهديد من أجل الترغيب" سياسة "ترامب" مع إيران

 ترامب
ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طبيعة التحالفات والمصالح المشتركة تحدد أهداف أمريكا من طهران 

شهدت التطورات الأخيرة فى العلاقات الأمريكية - الإيرانية تحولات بارزة منذ أن أعلن الرئيس الإيرانى حسن روحانى خلال زيارته الأخيرة إلى أوروبا عن تهديدات بإعاقة حركة ممرات مائية. حيث باتت التصعيدات واحدة تلو الأخرى، سواء من الجانب الأمريكى أو الجانب الإيراني، إلا أنه وفى كل حال تشير تصريحات العديد من المسئولين الأمريكيين إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تنوى استخدام القوة العسكرية ضد النظام الإيراني.


من ناحية أخرى، يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يسير فى سياسته الخارجية ضد خصومه من الدول على نهج متماثل إلى حد ما. ويمكن لنا أن نرى ذلك التماثل، الذى بالطبع لن يكون كاملًا لاختلاف طبيعة كل دولة من العديد من النواحي، فى التطورات الأمريكية الأخيرة إزاء إيران انطلاقًا من التجربة الأخيرة مع كوريا الشمالية.
وعليه، سنحاول فيما يلى مناقشة مستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية خلال الأشهر أو السنوات القادمة من خلال ما يمكن ملاحظته من سياسات اتخذها ترامب تجاه كوريا الشمالية، حيث إن هناك دلائل تشير إلى إمكان حدوث تكرار مستقبلي، ولو جزئيًا، ما بين التعاطى الأمريكى مع إيران كما حدث مع كوريا الشمالية. وهنا، ينبغى للتعرف على هذه التجربة المرور على تطوراتها وتحولاتها:

النموذج الكورى الشمالى فى ظل إدارات أمريكية متعاقبة:
شهدت العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية منذ خمسينيات القرن الماضى ومع انتهاء الحرب الكورية توترات مستمرة، حيث إنه ومنذ أن اقتحمت كوريا الشمالية الحدود مع الجنوب عام ١٩٥٠، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إخراج القوات الكورية الشمالية من سول، وتم توقيع هدنة فى عام ١٩٥٣، وفرضت الولايات المتحدة لاحقًا عقوبات على بيونج يانج.
وخلال السنوات التالية، شهدت العلاقات الأمريكية - الكورية الشمالية تطورات خطيرة، حيث قامت كوريا الشمالية، وعلى سبيل المثال، باحتجاز سفينة أمريكية كان على متنها حوالى ٨٣ أمريكيًا، قالت بيونج يانج إن السفينة انتهكت مياهها الإقليمية. وظلت العلاقات ما بين واشنطن وبيونج يانج على هذا المنوال وحتى نهايات القرن الماضي.

وفى عام ١٩٩٤، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية حلحلة الأزمة مع كوريا الشمالية، وقام الرئيس الأسبق جيمى كارتر بزيارة تاريخية إلى كوريا الشمالية، وقعت فى أعقابها البلدان اتفاقًا مشتركًا تعهدت بموجبه بيونج يانج بتفكيك البرنامج النووي. وظلت التطورات الإيجابية مخيمة على المشهد السياسى ما بين الدولتين، حيث قام الزعيم الكورى الشمالى آنذاك «كيم جونج إيل» بإصدار قرارات بتجميد تجارب البلاد الصاروخية.

لم تستمر هذه التطورات الإيجابية فى العلاقات الأمريكية - الكورية الشمالية طويلًا، وذلك بعد مجيء الرئيس الأمريكى الأسبق، جورج بوش الابن، إلى سدة الحكم بعد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة عام ٢٠٠٠. حيث تصاعدت التوترات بشكل كبير بين الجانبين.
قام الرئيس الجديد، آنذاك، جورج بوش الابن، بوضع كوريا الشمالية على محور دول الشر، التى شملت كذلك إيران والعراق ولاحقًا سوريا. وهنا، وصلت العلاقات إلى مرحلة ما قبل العقد الأخير من القرن الماضي، حيث وجهت الإدارة الأمريكية الجديدة اتهامات إلى بيونج يانج بامتلاك أسلحة نووية. ووصلت العلاقات إلى طريق مسدود فى عام ٢٠٠٤، وذلك حينما قالت بيونج يانج إن الدخول فى مفاوضات مع واشنطن بات أمرًا مستحيلًا. واستمرت العلاقات متوترة على هذا الشكل خلال فترة حكم الرئيس الأسبق بوش.

ومع قدوم الرئيس الأمريكى الجديد، باراك أوباما، إلى الحكم عام ٢٠٠٨، لم تنته التوترات، إلا أنها خفت نسبيًا مقارنة بسابقه بوش. حيث اتبع الرئيس الأمريكى الجديد، آنذاك، أوباما ما أطلق عليها سياسة «الصبر الاستراتيجي» حيال كوريا الشمالية. وحاولت إدارة أوباما أن تفتح طريقًا جديدًا للحوار مع كوريا الشمالية.
وأدت الظروف الاقتصادية الصعبة والمجاعة التى ضربت كوريا الشمالية فى عام ٢٠١٢، قالت بعض التقارير لاحقًا إنها أدت إلى وفاة آلاف الأشخاص. وحاولت كوريا الشمالية آنذاك المساومة على الغذاء مقابل وقف برنامجها للأسلحة النووية. وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف كوريا الشمالية عن إطلاق المزيد من التجارب الصاروخية والاستمرار فى برنامجها النووي.

جعبة ترامب
تغيرت السياسة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية بعد تولّى الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب الرئاسة عام ٢٠١٧. حيث حاول الرئيس الأمريكى الجديد ترامب الخروج من الطريقة التقليدية الأمريكية فى التعامل مع الملف الكورى الشمالي. انتقد ترامب بشدة طريقة تعامل سلفه، أوباما، مع الملف الكورى الشمالي، أو ما أطلق عليه «الصبر الاستراتيجي»، كما سبق ذكره.
بدأ ترامب باستخدام سياسة العقوبات والتهديد القصوى مع كوريا الشمالية فى بداية عهده منذ ٢٠١٧. فقام بفرض مزيد من العقوبات على بيونج يانج والتهديد بمهاجمتها عسكريًا، ورد الطرف الكورى الشمالى بنفس التهديدات. وفى نفس الوقت، حاول ترامب أن يجذب إليه الأطراف المتعاونة مع كوريا الشمالية، أو الحليفة والقريبة منها مثل روسيا والصين.
فقد حاول ترامب أن يعقد صفقات مع هذه الدول تقتضى بموجبها أن تتعاون هذه الدول مع الولايات المتحدة الأمريكية فى تشديد الحصار على كوريا الشمالية، سواء، من وجهة نظر الرئيس الأمريكي، حصار سياسى أو اقتصادي. إلا أن الرئيس الأمريكى لم يكن ينوى تنفيذ تهديداته على أرض الواقع بمهاجمة كوريا الشمالية، فقد كان يرغب من ذلك فى التوصل بسلام إلى قمة يونيو الماضى فى سنغافورة.
حيث إن الرئيس ترامب يعلم أنه ليس من السهل عسكريًا مهاجمة كوريا الشمالية؛ لما فى ذلك من أخطار إقليمية وربما على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؛ بعد إعلان كوريا الشمالية التوصل إلى صواريخ يمكنها الوصول إلى الأراضى الأمريكية.
فسواء كان بإمكان صواريخ كوريا الشمالية الوصول إلى الأراضى الأمريكية من عدمه، إلا أن «احتمالية» حدوث ذلك يمثل فى حد ذاته خطرًا على الأراضى الأمريكية، وهو أمر لن تقبل به القيادات العسكرية للجيش الأمريكي، لأنها تعلم حجم هذا الخطر.
إذًا من الواضح أن الرئيس الأمريكى ترامب كان يستخدم سياسة التهديد من أجل الترغيب فى التوصل إلى توافق «نفعى للولايات المتحدة» مع كوريا الشمالية، وهو ما يسعى إليه حاليًا، خاصة بعد قمته الأخيرة مع كيم.

هل ينوى ترامب تكرار السيناريو الكورى الشمالى مع إيران؟
إذا ما نظرنا إلى طريقة تعاطى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع الملفين الكورى الشمالى والإيراني، سنجد أن هناك تشابهًا كبيرًا فى نهج تعامل ترامب مع الملفين. وذلك، حيث إن الرئيس ترامب قام فى البداية باستخدام سياسة «التهديد من أجل الترغيب» مع الدولتين. وقد أوضحنا ذلك مع النموذج الكورى الشمالي.
ترامب يصعّد مع إيران
أما بالنسبة لدلائل تكرار هذا السيناريو مع إيران، فإن التطورات المتلاحقة للعلاقات الأمريكية الإيرانية منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض العام الماضي، توضح أن ترامب ينهج نفس السيناريو مع إيران. حيث قام الرئيس الأمريكي، حتى قبل فوزه بالرئاسة الأمريكية، بالدعوة بدءًا من الأيام الأولى لحكمه إلى تغيير طريقة التعامل مع إيران والدعوة إلى الخروج من الاتفاق النووى الإيراني، وهو ما تم بالفعل.
تم توالت، ولا تزال، التصعيدات ما بين الجانبين من تهديدات أمريكية بفرض عقوبات قاسية على إيران إلى التهديد بمهاجمة إيران عسكريًا. وقام الرئيس ترامب بعد الخروج من الاتفاقية النووية بالتوقيع على حزمة جديدة من العقوبات على إيران، وذلك إلى جانب التهديدات.
وتحاول الولايات المتحدة، بالتزامن مع ذلك، محاصرة الدور الإيرانى فى المنطقة، وذلك فى سوريا والعراق وغيرهما. كما تحاول مقايضة الدور الأمريكى فى أوكرانيا مع الدور الروسى فى سوريا. ومن ناحية أخرى، على الرغم من دعم الصين الضمنى لإيران، إلا أنها من غير المتوقع لها أن تقوم بالصدام مع الولايات المتحدة أو تأجيج خلاف كبير معها من أجل إيران.
الحوار المستقبلى
بعد التصعيدات المتلاحقة فى العلاقات الأمريكية - الإيرانية منذ مجيء ترامب، قام الأخير وعدد من المسئولين الأمريكيين بالدعوة، وبشكل مباشر، إلى الحوار مع إيران. وقام الرئيس الأمريكى ترامب صراحة فى ٣٠ يوليو ٢٠١٨ بالدعوة إلى الحوار مع الرئيس الإيرانى حسن روحانى «بدون أية شروط مسبقة» و«فى أى مكان».
وأكد ذلك وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو عندما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فى اليوم التالى ٣١ يوليو تأييد وزير الخارجية الأمريكى حديث ترامب حول استعداده لإجراء محادثات مع الساسة الإيرانيين. كما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، أن الرئيس ترامب يرغب فى الحوار مع قادة دوليين «بما فيهم مسئولون إيرانيون».
نستنتج مما سبق أن هناك تشابهًا كبيرًا ما بين نهج الرئيس الأمريكى ترامب فى التعامل مع الملف الكورى الشمالى وفى التعاطى مع الملف الإيراني، ويمكن القول إنه لم يتبق للرئيس الأمريكى إلا الجلوس مع الرئيس الإيرانى حسن روحانى فى مكان وزمان لم يتم تحديدهما حتى الآن.
كما يجب الإشارة إلى أنه على الرغم من التشابه بين النموذج الكورى الشمالى - والإيرانى من الجانب الأمريكي، إلا أن هناك اختلافًا بدون شك بين طبيعة النظرة الأمريكية لإيران وطبيعتها لكوريا الشمالية، من بينها الدور الإيرانى فى منطقة الشرق الأوسط والحسابات العسكرية والأمنية التى تترتب على ذلك من وجهة النظر الأمريكية. ومن ناحية أخرى، طبيعة التحالف والمصالح المشتركة ما بين كوريا الشمالية ودول مثل الصين وروسيا وطبيعتها من ناحية أخرى مع إيران.