السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أطماع الفرس.. لبنان.. البديل الآمن لـ"دولة الملالي" بعد توافق روسيا وإسرائيل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طهران تضاعف الدعم المالى لحزب الله لتعزيز الهيمنة الشيعية فى «الشرق الأوسط» دعم إيران يمنح تحالف «أمل - حزب الله» الأغلبية فى البرلمان
شهدت الآونة الأخيرة العديد من المؤشرات الدالة على تنامى النفوذ الإيرانى داخل لبنان، مما أدى إلى إعاقة العملية السياسية فى بيروت وتأخير الانتخابات البرلمانية لمدة 9 سنوات، وذلك بالتزامن مع انتشار حالة الفوضى وعدم الاستقرار داخل معظم الدول العربية وبخاصة منذ أحداث 2011. وقد تمثلت أنماط التدخل الإيرانى فى الشأن اللبنانى حول الدعم السياسى والعسكرى الذى تقدمه طهران لحزب الله والجماعات الشيعية الأخرى، من خلال التأكيد على أن الحزب أداة رئيسية لتحرير الدولة الفلسطينية من الاحتلال الإسرئيلي.
لكن فى الواقع، ينطلق التدخل الإيرانى فى بيروت من جوانب سياسية، واقتصادية، وثقافية، بجانب الدينية؛ حيث ترغب من خلالها فى تشكيل دولة خاضعة للهيمنة الشيعية، تلبى مصالح طهران، وتكون بمثابة أداة رئيسية لتعزيز وضع الجمهورية الإسلامية فى الشرق الأوسط.
تعزيز الهيمنة السياسية
برزت حدود التدخل الإيرانى فى لبنان خلال الانتخابات البرلمانية التى تم انعقادها فى السادس من شهر مايو الماضى، لاسيما بعد دعم الجمهورية الإسلامية للائتلاف بين «حركة أمل وحزب الله» بالتحالف مع بعض الأحزاب الأخرى بالفوز من خلال الحصول على ما لا يقل عن ٦٧ مقعدًا أى ما يزيد على نصف عدد أصوات المجلس الـ ١٢٨ حيث انعقدت الانتخابات فى عام ٢٠١٨ بعد مضى ٩ سنوات على انتخابات عام ٢٠٠٩ التى أفرزت انقسامات سياسية حادة على الساحة اللبنانية، فكان يفترض أن تستمر ولاية برلمان ٢٠٠٩ لأربعة أعوام ولكن تم تمديدها مرتين، لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها فى: الأزمة السورية وآثارها على الداخل اللبناني، حيث انقسم اللبنانيون إلى فريقين أحدهما داعم لنظام الأسد يتشكل من تحالف ١٤ آذار بقيادة تيار المستقبل، والآخر مؤيد يتشكل من تحالف ٨ آذار بقيادة «حزب الله» المدعوم إيرانيًا.
بينما يتعلق الاعتبار الثانى بأزمة الرئاسة اللبنانية، ورفض حزب الله لشخصيات كثيرة كانت مطروحة على الساحة السياسية قبل الرئيس «ميشال عون» وذلك من خلال آلية الثلث المعطل، وقدرته على تأجيل جلسات المجلس لعدم حضور ممثلى كتلته (٤٣) نائبًا مما أفقد المجلس النصاب القانونى للانعقاد.
فى حين يتمحور الاعتبار الثالث حول ضغوط بعض القوى السياسية داخل لبنان، لاسيما تحالف ٨ آذار وحزب الله لتعديل القانون الانتخابى الذى جرى العمل به منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية عام ١٩٢٠، مما أدى لإصدار قانون جديد فى يونيو ٢٠١٧، وانعكس على الدور القوى لحزب داخل المعادلة اللبنانية.
كما أقر بعض الخبراء السياسيين بأن دعم إيران للتكتل الشيعى داخل لبنان، لا سيما حزب الله ينطلق من رغبتها فى السيطرة على العواصم العربية ومن بينها بيروت، من أجل تكريس هيمنتها على رأس السلطة، بحيث يكون الداخل اللبنانى متوافقًا مع سياسة طهران الإقليمية.
أذرع طائفية
يشهد الدور الإيرانى فى الشرق الأوسط تحولًا ملحوظًا منذ قيام الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩، فسعت طهران لتصدير نموذج الثورة للدول المجاورة لاسيما، من خلال الأقليات الشيعية فى الدول العربية، ولعل أبرز الأمثلة فى هذا الصدد يتمثل فى «حزب الله» اللبناني، الذى يعد بمثابة أحد أهم أذرع إيران العسكرية فى المنطقة.
ومن ناحية أخرى، تحاول طهران تقوية الجبهة الداخلية، وإضفاء مزيد من الشرعية على نظام الجمهورية الإسلامية، خاصةً فى ظل الأزمات الأخيرة التى تعانى منها الدولة الإيرانية بعد الخروج الأمريكى من الاتفاق النووي، عن طريق دعمها للجماعات الشيعية المضطهدة على حد تعبيرهم فى المنطقة.
فى السياق ذاته، يمثل «حزب الله» أداة إيران الرئيسية داخل الحرب الدائرة فى سوريا؛ حيث أعلن بعد اندلاع أحداث الربيع العربى عام ٢٠١١ مشاركته فى النزاع بجانب قوات الرئيس السورى «بشار الأسد» ضد الجيش السورى الحر، مما أدى لمقتل الملايين، بالإضافة إلى الجرحى والمصابين، ويتضح من ذلك، محاولة إيران من خلال توجيه «حزب الله» للحيلولة دون سقوط نظام الأسد فى سوريا.
نتيجة لما سبق، ارتبط تطور النفوذ الإيرانى فى لبنان بحالة من عدم الاستقرار التى أصبحت تعانى منها الدول العربية بعد أحداث الربيع العربى وانتشار الجماعات الإرهابية، مما ساعدها على إنجاح ترتيباتها فى المنطقة. فيما استغلت طهران «حزب الله» من خلال أدواته السياسية، العسكرية والثقافية لدعم الطوائف الشيعية فى العالم العربى مثل الحوثيين فى اليمن، الشيعة فى الكويت، السعودية، البحرين.
فمن أجل تحقيق الأهداف الإيرانية فى لبنان، قام «حزب الله» منذ نشأته بدعم من طهران بمجموعة من الاغتيالات السياسية، وكان أبرزها ما كشف عنه رئيس الوزراء اللبنانى السابق «سعد الحريرى» فى إطار خطاب استقالته من العاصمة السعودية الرياض عن أكثر من محاولة حكيت لاغتياله.
فى السياق ذاته، أشار «الحريري» لما تعرض له والده «رفيق الحريري» من اغتيال قبل ١٣ عاما بالتحديد فى فبراير عام ٢٠٠٥، وهو ما يوضح مدى التدخل السافر لملالى طهران فى شئون دول الجوار عبر أذرعها وميليشياتها الطائفية.
آليات الدعم الإيرانى
اعتمدت طهران على مجموعة من الآليات السياسية، المالية والعسكرية، الثقافية والإعلامية لدعم «حزب الله»، والتى يمكن تفسيرها على النحو التالي:
سياسيًا: تحاول طهران دائمًا دعم «حزب الله» من خلال التأكيد على أنه حركة مقاومة معنية فى المقام الأول بتحرير الدولة الفلسطينية ومواجهة الصهيونية. لكن تحول الأمر فيما بعد من مجرد حركة مقاومة عسكرية إلى السعى نحو أن يكون بمثابة فاعل رئيسى فى الحياة السياسية اللبنانية، عن طريق المشاركة فى الانتخابات، وهو ما ظهر خلال الانتخابات النيابية الأخيرة فى لبنان والفترة التى سبقتها، من عرقلة حزب الله لعملية الانتقال السياسي، وعندما انعقدت الانتخابات، فاز بالنسبة الأكبر من الأصوات، عن طريق التحالف مع «حركة أمل» الشيعية وبعض التيارات الأخرى. كما ساندت طهران حزب الله ضد القرارات الأمريكية التى دائمًا ما تصفه بكونه جماعة إرهابية.
ماليًا وعسكريًا: أفادت عدة تقارير بأن إيران ضاعفت حجم الدعم المالى المقدم لحزب الله ليبلغ حوالى ٨٠٠ مليون دولار أمريكي، لكن تأرجح هذا المبلغ على مدى فترات زمنية متباعدة، ويرجع ذلك لنظام العقوبات الذى فرضته واشنطن والأمم المتحدة عليها، على خلفية برنامجها النووي، ومن المتحمل أن ينخفض هذا الدعم خلال الفترة الحالية، نتيجة الاحتجاجات الإيرانية المتكررة والمطالبة بتكثيف الدعم المالى للداخل والكف عن التدخل فى المنطقة.
فى حين تسهم طهران على المستوى العسكرى فى تدريب ميليشيات حزب الله، وإمدادها بالسلاح، من خلال التنسيق بين الجانب السورى والحرس الثوري، التى يستخدمها فيما بعد لتحقيق أهداف الجمهورية الإسلامية فى المنطقة، ظهر ذلك فى فبراير ٢٠١٦ عندما اتهمت الحكومة اليمنية حزب الله بتدريب الذراع الإيرانية فى اليمن «ميليشيا الحوثي»، مما أدى لقيام حرب هى الأوسع فى تاريخ اليمن عن طريق الانقلاب على السلطة الشرعية بالتحالف مع الرئيس السابق «على عبدالله صالح».
إعلاميًا وثقافيًا: تقدم طهران دعم مالى كبير للقنوات والصحف اللبنانية من أجل السعى لنشر الثقافة الإيرانية، مبادئ الإمام الخُميني، والترويج للمذهب الشيعى فى لبنان ومساندة سياسات حزب الله. فهناك عديد من القنوات اللبنانية التابعة لإيران مثل؛ قناة العالم، المنار «لسان حال حزب الله»، قناة الميادين، فضلًا عن مجموعة من الصحف أهمها؛ السفير والأخبار.
استغلت إيران الفضاء الإعلامى المفتوح فى لبنان وغياب الرقابة الفعلية على محتوى المادة المقدمة لتنشئ شبكة إعلامية واسعة تضم محطات فضائية وأخرى أرضية، بالإضافة لصحف مطبوعة وإلكترونية، ومن الجدير بالذكر أن هذا التوغل الإعلامى الإيرانى فى لبنان حدث بعد حرب تموز ٢٠٠٦ بين حزب الله وإسرائيل وازداد الوضع سوءًا بعد الأزمة السورية.
ختامًا: سوف تستمر إيران فى زيادة توغلها داخل العواصم العربية، لاسيما بعد خروج الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» من الاتفاق النووي، ورغبتها فى إظهار مدى قوة نفوذها وقدرتها على الإضرار بالمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، خاصةً بعد التوافق الروسى الإسرائيلى حول ضرورة إخراجها من سوريا، ومن هنا تعد لبنان هى البديل الآمن.