الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حرب مذهبية بالعراق تنطلق من "الدجيل"

الميليشيات الموالية
الميليشيات الموالية لإيران في العراق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جاءت أحداث "قضاء الدجيل" بمحافظة صلاح الدين في شمال العراق، بمثابة دليل جديد على استفحال خطر الميليشيات الموالية لإيران، وأن بلاد الرافدين أمام خيارين، إما الإسراع بوضع سلاح هذه الميليشيات بيد الدولة، أو الانزلاق إلى حرب مذهبية ستحرق الأخضر واليابس.

فالعراق الجريح ما زال يئن تحت وطأة الحرب على "داعش"، ولا تزال عملية إعادة الإعمار متعثرة، بالإضافة إلى استمرار تأزم المشهد السياسي بسبب نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو الماضي، ولذا، فإن أي توتر مذهبي وطائفي سيزيد الأمور كارثية

وكان قضاء الدجيل التابع لمدينة تكريت بمحافظة صلاح الدين شهد منذ مساء الأربعاء الموافق 1 أغسطس مواجهات بين عشيرة "الخزرج" السنية، وعناصر من "عصائب أهل الحق" التابعة للحشد الشعبي، على خلفية مقتل ضابط في الشرطة وأحد مرافقيه من وجهاء العشيرة، قبل خطف شيخين من العشيرة، وقتلهما خلال تشييع الأولين، هما الشيخ عناد محمود الهزاع الخزرجي والشيخ عباس عراك الخزرجي.

وعقب الأحداث السابقة، خرج أبناء العشيرة في تظاهرات واشتبكوا مع عناصر العصائب، على طريق سامراء- الدجيل في صلاح الدين، ما أدى إلى مقتل أحد أبناء العشائر".

ونقل موقع "سومر نيوز" في 2 أغسطس عن مصدر مطلع، قوله، إن الاشتباكات اندلعت عقب قيام مسلحين من العصائب بنصب كمائن على طريق الدجيل اختطفوا خلالها الشيخ عناد محمود الهزاع الخزرجي والشيخ عباس عراك الخزرجي، مشيرا إلى أن أبناء العشيرة قطعوا الطريق الواصل بين بغداد وصلاح الدين، بعد عملية الاختطاف والعثور على جثة المختطفين.

ويعتبر قضاء الدجيل (120 كلم جنوب تكريت) حلقة وصل بين تكريت والعاصمة العراقية بغداد، ويسكنه غالبية شيعية، وهو من المناطق الأكثر توترا على المستوى الطائفي في العراق خلال السنوات الماضية.

فمعروف أنه بعد سيطرة "داعش" على عدد من المدن العراقية عام 2014، ومنها تكريت، انتشرت فصائل مسلحة شيعية للدفاع عن قضاء الدجيل، لكنها استمرت في التمركز هناك بعد طرد داعش، مثيرة حساسيات مع السكان المحليين.

وتواجه ميليشيات محسوبة على الحشد الشعبي ومدعومة من إيران اتهامات من القوى السياسية السنية بارتكاب جرائم قتل وخطف وإحراق مساجد في المناطق التي دخلتها بعد طرد مقاتلي "داعش" منها.

وتفرض "عصائب أهل الحق" نفوذها في قضاء الدجيل، وتُتهم بارتكاب أعمال قتل، ما أدى إلى تجديد المطالبات هناك بسحب العناصر المسلحة وحصر السلاح في يد الدولة.

وتشير أحداث الدجيل إلى نفوذ يتوسع لمجموعات "الحشد الشعبي" في المناطق المحررة من "داعش"، وهو ما يزيد الخطر على مستقبل العراق، خاصة أن الأحداث السابقة لم تكن الأولى من نوعها.

ففي 19 مارس 2015، اتهمت عشيرة "الخزرج"، مسلحي ميليشيا "الخراساني" المحسوبة على الحشد الشعبي بتنفيذ عمليات سرقة وخطف في قضاء الدجيل.

وقال موقع "عراق برس" حينها، إن عناصر من ميليشيا "الخراساني" قاموا بخطف مدني من عشيرة الخزرج المعروفة في الدجيل وسرقوا سيارته ومن ثم قتله، ومن ثم خرج أقاربه من عشيرة خزرج واختطفوا ستة من عناصر الخرساني، وهو ما استدعى الأخيرة إلى استقدام قوة ونشرها على الطريق بين الدجيل وبغداد. وأضاف الموقع حينها أن "الميليشيات دأبت على خطف عدد من المارة على الطريق بين الدجيل وبغداد".

ويبدو أن تصريحات المسئولين العراقيين تعكس القلق الواضح من توسع نفوذ الميليشيات، ففي 2 أغسطس، شدد رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الكريم على ضرورة "حصر السلاح بيد الدولة وفق القانون"، وذلك في تعليقه على أحداث قضاء الدجيل، ونقلت "الحياة اللندنية"، عن الكريم، قوله، إن "الوضع في صلاح الدين لن يستقر طالما هناك سلاح منفلت خارج إطار الدولة".

وقبل ذلك، وتحديدا، في 23 يونيو الماضي، خرج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتصريحات مفاجئة كشف فيها صراحة عن استغلال "جماعات" الحرب ضد "داعش" لتخزين السلاح وتهديد الدولة.

وقال العبادي خلال محاضرة في جامعة الدفاع للدراسات العسكرية في المنطقة الخضراء في بغداد، إن "هناك جماعات استغلت الحرب على داعش لتخزين السلاح من أجل تهديد الدولة، أرادوا أن يكونوا أقوى منها ويبتزوا المواطنين، وهذا الأمر لن نسمح به".

وأضاف العبادي "هناك من المواطنين من امتلك سلاحا بهدف الدفاع عن نفسه في وقت مضى، ويختلفون عن تلك الجماعات، لن يكون هناك أي سلاح خارج إطار الدولة".

وجاءت تصريحات العبادي في أعقاب سلسلة من الاغتيالات والتصفيات المتبادلة بين الكتل السياسية، وتهديدات متقابلة بين المتسابقين على الفوز بتشكيل الحكومة الجديدة.

ففي 21 مايو الماضي، لقي علي مهدي، القيادي في التيار الصدري، مصرعه بعد تعرضه لهجوم مسلح أمام منزله في بغداد، وربط البعض على الفور بين اغتيال مهدي، ونتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي فاز فيها التيار الصدري، ولم تكد تمر ساعات على الحادث السابق، إلا وتم الإعلان عن اغتيال القيادي في ميليشيات بدر والحشد الشعبي، بشار العميدي، الملقب بأبي تراب، رميا بالرصاص أمام منزله في العاصمة العراقية.

وفي 5 يونيو، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مسلحين من سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وآخرين من منظمة بدر، في مدينة خانقين بمحافظة ديالي في شرق العراق، ما أدى إلى إصابة العديد من الطرفين بجروح.

وعزا مصدر أمني حينها سبب الاشتباكات إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، واضطراب العلاقات بين الجهات السياسية، التي تنتمي إليها تلك القوات.

مؤامرة سليماني 

وبدوره، قال موقع "بغداد بوست" في 22 مايو، إن اغتيال قياديين في كل من التيار الصدري وميليشيا بدر يؤكد أن إيران بدأت تنفيذ مؤامرتها لإفشال مخططات تشكيل الحكومة القادمة وإدخال العراق في أتون حرب أهلية قد تستمر عاما، أو عامين دون القدرة على تشكيل حكومة جديدة.

وأضاف الموقع أن اغتيال قيادات كبيرة داخل تيارات وائتلافات مختلفة يشعل فتيل الحرب الأهلية لأنه يصدر للعراقيين أن التيارات السياسية المختلفة فتحت النار على بعضها، وعليه يبدأ الجميع في حمل السلاح، وتابع " هذه طريقة قديمة، لكنها ناجعة في الحالة العراقية، وجربتها إيران أكثر من مرة".

وتوقع الموقع تزايد عمليات التصفية والاغتيالات في بغداد بعدما فشل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في التفاهم مع مقتدى الصدر أو دفعه لعدم تفكيك ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية، والتي سماها الصدر بالميليشيات الوقحة، في حال نجاحه في تشكيل الحكومة الجديدة.

وأشار الموقع أيضا إلى تصريحات نوري المالكي رئيس ائتلاف "دولة القانون"، وأكبر حليف لإيران، التي حذر فيها من انطلاق حرب أهلية في العراق

وكان سليماني تواجد منذ اليوم الأول للانتخابات العراقية في مقر السفارة الإيرانية بالمنطقة الخضراء ببغداد، فيما طالبه الصدر بضرورة الخروج منها في غضون 48 ساعة.

وقالت قناة" الحرة" الأمريكية، إن وجود قاسم سليماني، رجل المهمات الخاصة والحساسة للنظام الإيراني، في المنطقة الخضراء في بغداد يأتي في سياق ما اعتاد القيام به خلال السنوات الماضية، من السعي لتشكيل أكبر تحالف شيعي في البرلمان العراقي، يسمي الحكومة الجديدة

وأضافت "الحرة"، أنه في الأحوال العادية، لا يواجه سليماني صعوبات في إقناع مختلف الأطراف في العراق، بوجهة نظره، ففي عام 2010 فازت القائمة الوطنية برئاسة إياد علاوي بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان (91 مقعدا) وهي قائمة ليبرالية غير طائفية، مقابل 89 مقعدا لقائمة دولة القانون برئاسة نوري المالكي والمكونة بشكل رئيسي من حزب الدعوة، وحينها، استخدمت إيران نفوذها وشكلت تحالفا بين المالكي وأحزاب شيعية أخرى وجعلت منهم كتلة برلمانية أكبر ومنحت المالكي رئاسة الحكومة مرة أخرى.

وتابعت القناة "لكن هذه المرة، وبعد نتائج انتخابات 12 مايو غير المتوقعة، يمثل الصدر حجر عثرة أمام مخططات إيران والسياسيين الفاسدين والحشد الشعبي الطائفي، وكلهم يحاولون إفشاله".

وبدورها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن فوز مقتدى الصدر، في الانتخابات العراقية، التي جرت السبت الموافق 12 مايو، سبب ورطة كبيرة لكل من إيران والولايات المتحدة، على حد سواء.

وأضافت الصحيفة في 16 مايو أن هذا الفوز سيجبر الولايات المتحدة وإيران على إعادة حساباتهما بشأن العراق. وتابعت: "الصدر انتقد التواجد الأمريكي في العراق، ولذا يتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في كيفية حماية المصالح الأمريكية في المنطقة".

واستطردت "الصدر في السنوات ما بعد الغزو الأمريكي للعراق كان على قائمة أعداء الولايات المتحدة، حيث كان يقود جماعة جيش المهدي المسلحة، التي حاربت الجيش الأمريكي".

وأشارت الصحيفة، إلى أن الصدر يعارض أيضا "النفوذ الإيراني" في بلاده، ولذا ستضطر طهران لإعادة حساباتها بشأن كيفية الدفاع عن مصالحها في العراق.

وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة "لو ريون لو جور" الفرنسية، أن إيران تسعى بقوة لعرقلة محاولات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تشكيل حكومة عراقية جديدة غير طائفية، وذلك خوفا على نفوذها في العراق.

وأضافت الصحيفة، في تقرير لها في 19 مايو، أن الزعيم الشيعي الأكثر عدائية لطهران فاز بالانتخابات العراقية، فيما جاء حلفائها في المرتبة الثانية، ولذلك تسعى إلى إعادة الموالين لها، لصدارة المشهد مجددا.

وتابعت الصحيفة "الصدر لم يكن مرشحا للانتخابات البرلمانية، ولن يتمكن من ترشيح نفسه كرئيس للوزراء، لكنه يلعب دور صانع الملوك في تشكيل الحكومة المقبلة في العراق". 

وخلصت الصحيفة إلى القول: "إن التوترات القوية بين الولايات المتحدة وإيران، في أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لن يسهل المفاوضات لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة".

ويشدد الصدر على ضرورة تشكيل حكومية عراقية وطنية بعيدا عن النفوذ والهيمنة الإيرانية خصوصا، وهو الأمر الذي ترفضه الكتل السياسية الموالية لطهران وفي مقدمتها كتلتا الفتح بزعامة هادي العامري، ودولة القانون بزعامة نوري المالكي.

ويشترط الصدر، لدعم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لولاية ثانية، تنازل الأخير عن عضويته بـ"حزب الدعوة"، الذي يتزعمه المالكي، وتشكيل حكومة تكنوقراط، غير حزبية.

وحسب موقع "بغداد بوست"، فإن الصدر يتلقى تهديدات من ميليشيات شيعية موالية لطهران باغتياله، بسبب مواقفه المضادة للتدخلات الإيرانية في العراق.

وكانت مفوضية الانتخابات في العراق أعلنت السبت الموافق 19 مايو النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، التي أجريت في 12 من الشهر ذاته، والتي أكدت تقدم كتلة الصدر "سائرون" على بقية الكتل، بحصولها على 54 مقعدًا برلمانيًا من بين 329 مقعدًا، تلتها كتلة "الفتح" بزعامة هادي العامري، المقرب من إيران، بـ47 مقعدًا، ومن ثم "النصر" بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، بـ42 مقعدًا.

وحصل "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي على 26 مقعدًا، والتحالف الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني على 27 مقعدًا، وائتلاف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي على 21 مقعدًا، وتيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم على 20 مقعدًا، فيما توزعت بقية المقاعد على تحالفات وأحزاب مختلفة.

وبعد إعلان النتائج النهائية، زادت الحركات في الكواليس لجمع الكتلة البرلمانية الأكثر عددًا المؤهلة لترشيح رئيس الحكومة، وتردد أن هناك فرصة لتحالف الصدر مع العبادي والحكيم وعلاوي والبارزاني لتكوين كتلة تصل إلى أكثر من نصف عدد المقاعد في البرلمان الجديد، فيما يكثف حلفاء إيران وعلى رأسهم نوري المالكي وقيادات كتلة "الفتح" تحركاتهم لإقناع العبادي بالانضمام إليهم، لتشكيل الحكومة الجديدة، بينما تحاول واشنطن الضغط على حلفائها الأكراد لتشكيل تحالف يتوافق مع مصالحها، ويبعد الصدر، ألد أعدائها في العراق، عن المشهد.

ويزيد من مخاوف واشنطن، التصريح الذي أدلى به الصدر في 16 مايو، وانتقد فيه "تدخل مبعوث الرئيس الأمريكي في الشأن العراقي"، معتبرا إياه "أمرا قبيحا".

وفي معرض رده على سؤال أحد أتباعه عن رأيه في الأنباء التي تحدثت عن "تواجد المبعوث الأمريكي داخل العراق لتحديد مسار العملية السياسية للمرحلة المقبلة"، قال الصدر: "ليس من المستغرب تواجده في العراق.. إلا أن القبيح هو تدخله في الشئون العراقية، وإذا استمر، صار تواجده قبيحا في العراق".

وبالنظر إلى أن الصدر يرفض التواجد العسكري الأمريكي في بلاده، فإن تصريحاته السابقة، قد توحي بأنه قد يتخذ مواقف مناهضة جديدة لواشنطن، في حال نجاحه بتشكيل الحكومة الجديدة، وقد يتطور الأمر، إلى طرد الجنود الأمريكيين المتبقين، خاصة بعد دحر تنظيم "داعش".

اليد الطولى 

وبالنسبة لإيران، فإن إلقاء نظرة على الميليشيات الموالية لها بالعراق، يكشف بوضوح أن محاولات الحكومة أو مقتدي الصدر وضع هذه الميليشيات تحت سيطرة الدولة أو حلها، يعني القضاء تماما على نفوذها في العراق، وبالتالي عرقلة مخططاتها، لتوسيع نفوذها في المنطقة

فالميليشيات الشيعية المسلحة، هي اليد الطولى لإيران، لتنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة، وشن حروب بالوكالة، رغم ادعائها، دعم تلك الميليشيات بهدف محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، ومنعه من الوصول إلى أراضيها.

ومن أبرز هذه الميليشيات: منظمة بدر، ويقدر عدد أفرادها بعشرات الآلاف، وانضوت أكثرية الشباب العراقي الشيعي تحت رايتها بعد إعلان السيستاني لفتواه، وانفصلت المنظمة، بقيادة أمينها العام الحالي هادي العامري، النائب الحالي والوزير السابق، أوائل عام ٢٠١٢ عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بقيادة عمار الحكيم، بسبب رغبة العامري في التحالف الانتخابي مع نوري المالكي.

وتعتبر منظمة بدر أقوى ميليشيات الحشد الشعبي، وعبرها يمر السلاح الإيراني، وهي التي توزعه على ميليشيات الحشد الأخرى، وهناك علاقة وثيقة بين العامرى وبين مرشد الجمهورية الإيرانية على خامنئي، وفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني.

وهناك أيضا، كتائب حزب الله العراق، وتعمل تحت إشراف إيراني مباشر وظهرت سنة ٢٠٠٧، وعدد أفرادها كبير، ومنظمون بشكل جيد، بالإضافة إلى عصائب أهل الحق، التي ظهرت أيضا سنة ٢٠٠٧ من رحم جيش المهدي بقيادة قيس الخزعلي، بعد قرار زعيم جيش المهدي مقتدى الصدر تجميد نشاطه، فرفض الخزعلي الانصياع لأمره، ثم استقلت العصائب بشكل كامل سنة ٢٠٠٨

ويقدر عدد عناصر العصائب بعشرات الآلاف، وهم ثاني أكبر ميليشيا شيعية ويمتلكون خبرة عسكرية اكتسبوها من محاربتهم الأمريكيين، ولديهم مصانع تنتج صواريخ من طراز "الأشتر"، ولاء العصائب للمرشد الإيراني على خامنئي، وتربطهم علاقة وثيقة جدا بفيلق القدس..

وهناك كذلك ميليشيات أخرى صغيرة من أبرزها: الوعد الصادق، لواء أسد الله الغالب، كتائب أنصار الحجة، ولواء القارعة، وسرايا الزهراء، وسرايا أنصار العقيدة، كتائب الغضب، وحركة الأبدال، ولواء المنتظر، وكتائب درع الشيعة، وجيش المختار، وحزب الله الثائرون.

وبعد الغزو الأمريكي للعراق، وما خلفه من فوضى عارمة هناك، استغلت إيران الفرصة وأنشأت هذا العدد الكبير من الميليشيات الشيعية المسلحة، بحجة محاربة تنظيم داعش، وتشير التقديرات إلى أن عدد هذه الميليشيات يتراوح بين ٥٣ و٦٧، وتضم أكثر من مائة ألف مقاتل

ويبدو أن وجود أكبر عدد ممكن من الميليشيات، يعود إلى رغبة إيران في عدم الاعتماد على فصيل بعينه، لضمان تنفيذ أجندتها داخل العراق وخارجه من ناحية، وتوزيعها في مناطق كثيرة، من ناحية أخرى.

فإيران مصرة على زعزعة استقرار الدول العربية، وهى توظف أدوات محلية لتنفيذ مخططاتها، مثل الحوثيين في اليمن، وحسن نصرالله في لبنان، ونورى المالكي في العراق.

وتبقى الجرائم الوحشية، التي ارتكبتها هذه الميليشيات، أكبر دليل على أن العراق في خطر محدق، وقد تمتد ألسنة اللهب بداخله سريعا إلى دول عربية أخرى، خاصة أن هذه الجرائم جاءت بصبغة طائفية.

فقد تنوعت جرائم ميليشيات "الحشد الشعبي" في المناطق السنية بين التعذيب، والإخفاء القسري، وقتل مدنيين وأسرى تحت التعذيب، ونهب مدن وبلدات محررة قبل حرق ونسف آلاف المنازل والمحال بها، بالإضافة إلى تدمير قرى بالكامل، ومنع النازحين من العودة إلى مدنهم وقراهم لتغيير التركيبة السكانية فيها، ولم تسلم مساجد السنة من التدمير والحرق، وكذلك المحاصيل الزراعية. وتعتبر مجزرة بروانة، في محافظة ديالي، شرقي بغداد، التي ذهب ضحيتها أكثر من ٩٠ شخصا، تعد دليلا دامغا على وحشية هذه الميليشيات

وكانت ميليشيات شيعية نفذت مجازر جماعية بحق مدنيين سنة من مدينة المقدادية بمحافظة ديالي في شرق العراق، فروا إلى قرية بروانة، التي تتمتع بالأمان نسبيا بعد سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من مدينة المقدادية

ففي ٢٦ يناير ٢٠١٥، أحكم الجيش العراقي والميليشيات الشيعية سيطرتهم على مدينة المقدادية، وفي نفس اليوم سيطروا على قرية بروانة، التي تقطنها عائلات سنية معظمها نزح من مدينة المقدادية نتيجة القتال

وقال شهود عيان حينها، إن رجالا يلبسون زيا عسكريا أخذوهم من منازلهم وقسموهم لمجموعات صغيرة واقتادوهم إلى حقل وأجبروهم على الركوع، ثم اختاروا البعض وأعدموهم رميا بالرصاص، الواحد تلو الآخر

وأكد شهود العيان أن العدد النهائي للضحايا هو ٩٠ قتيلا بينهم شيوخ وأطفال، تم إعدامهم بشكل جماعي، فضلا عن اختطاف ٦٥ من سكان القرية ما زال مصيرهم مجهولا حتى الآن.

وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية لحقوق الإنسان، في تقرير نشرته بتاريخ ١٥ فبراير ٢٠١٥، إن الهجمات على شمال المقدادية تبدو كأنها جزء من حملة تشنها الميليشيات لتهجير السكان من المناطق السنية والمختلطة. وأشارت المنظمة إلى أنه في ٢٩ ديسمبر ٢٠١٤، وجه هادي العامري، قائد فيلق بدر، ووزير النقل في عهد الحكومة العراقية برئاسة نورى المالكي، تهديدا لسكان المقدادية، قائلا: "يوم الحساب قادم"، و"سنهاجم المنطقة حتى لا يبقى منها شيء".

ويبدو أن العراق مثل اليمن، يواجه مؤامرة إيرانية خطيرة، قد تنتهى بتفتيته، ولذا لا بديل عن الإسراع بتحجيم ميليشيات الحشد الشعبي، قبل أن يستفحل خطرها، مثل الحوثيين.

ولعل ما يزيد الصورة قتامة في بلاد الرافدين، الجدل الواسع حول نتائج الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 12 مايو الماضي، ومحاولة حلفاء إيران، تغيير نتائجها، سواء بالتهديدات، أو بالإجراءات البرلمانية والقضائية.

ولم يقف الأمر عند ما سبق، بل إن تصريحات صدرت على لسان سياسيين عراقيين موالين لإيران، أبرزهم نوري المالكي حول احتمال نشوب حرب أهلية في البلاد، على خلفية نتائج الانتخابات البرلمانية.

وتتوالى الكوارث، إذ تفيد التقارير اليومية الصادرة من العراق بعودة تنظيم "داعش" لممارسة نشاطاته الإرهابية في عدد من المناطق، التي تم تحريرها من قبضة التنظيم في وقت سابق، مستغلا الأجواء السياسية المشحونة، وعدم إعمار المناطق المدمرة من جراء الحرب ضده.

ويبدو أن قرار المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، في 21 يونيو، إعادة فرز الأصوات في انتخابات 12 مايو يدويا، جاء ليصب أيضا في صالح إيران من جهة وداعش من جهة أخرى، لأن هناك تحذيرات من أن هذا الفرز، سيستغله حلفاء طهران للإطاحة بائتلاف "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، من صدارة الانتخابات، وهو ما من شأنه أن يخلق فوضى عارمة في البلاد.

ويحذر كثيرون من أن جراح العراق، لن تندمل في المستقبل القريب، خاصة في ظل تزايد شوكة الميليشيات الموالية لإيران، والتي وصلت حد استعراض عضلاتها أمام قوات الأمن، بالإضافة إلى قيامها بتخزين السلاح، لفرض أجندتها وقت الضرورة، بدليل أن حلفاء إيران هم من طالبوا بإعادة الإحصاء والفرز أو إلغاء نتائج الانتخابات، منتقدين استخدام التصويت الإلكتروني لأول مرة في البلد.